1(أ) مقدمة
بعد أن أمضيت أكثر من سبعمائة ساعة في دراسة وفحص موضوع القيامة، توصلت إلى أن قيامة يسوع المسيح إما أنها أشر وأسوأ خدعة فرضت على عقول البشر، أو أنها أعظم حقيقة تاريخية.
وللمسيح ثلاث مميزات تشهد له: (1) تأثير حياته ومعجزاته وتعاليمه على التاريخ، (2) النبوات القديمة التي تحققت في حياته، (3) قيامته. فالمسيحية والقيامة يقومان معاً أو يسقطان معاً. قال لي يوماً أحد الطلاب بجامعة أورجواي: «أستاذ مكدويل. لماذا لا تدحض المسيحية؟» فأجبته: «لسبب بسيط وهو أنني لا أستطيع أن أجد تفسيراً عقلانياً لأحد الأحداث التاريخية، ألا وهو قيامة يسوع.»
وقصة القيامة كما أوردها البشير متى (متى 28: 1- 11، انظر أيضاً مرقس 16، لوقا 24، يوحنا 20، 21):
1- وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر.
2- وإذا زلزلة عظيمة حدثت. لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه.
3- وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج.
4- فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات.
5- فأجاب الملاك وقال للمرأتين لا تخافا أنتما. فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب.
6- ليس هو ههنا لأنه قام كما قال. هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعاً فيه.
7- واذهبا سريعاً قولا لتلاميذه إنه قد قام من الأموات. ها هو يسبقكم إلى الجليل. هناك ترونه. ها أنا قد قلت لكما.
8- فخرجتا سريعاً من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه.
9- وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما. فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له.
10- فقال لهما يسوع لا تخافا. اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني.
11- وفيما هما ذاهبتان إذا قوم من الحراس جاءوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان.
2(أ) أهمية قيامة المسيح بالجسد
لقد أشار يسوع إلى قيامته جسدياً كدليل على قيامته من بين الأموات وعلى أنه الله المتجسد كما قال، ومن ثم فإن زعم النقاد بأن جسده لم يكن مادياً يهدم الإيمان بألوهية المسيح. والقبر الفارغ في حد ذاته لا يبرهن على قيامة يسوع تماماً كما أن اختفاء جثة من مشرحة لا يثبت أن صاحبها قد قام. إن الإيمان المسيحي مؤسس على القيامة الجسدية للمسيح.
ويقول الدكتور نورمان جايسلر: «لو أن المسيح لم يقم بنفس الجسد المادي الذي وضع في القبر، إذاً لفقدت القيامة قيمتها كدليل دامغ على ألوهيته التي أعلنها» (يوحنا 8: 58، 10: 30). لا يمكن للقيامة أن تبرهن على تصريح يسوع بأنه الله ما لم يقم المسيح بالجسد الذي صلب به، هذا الجسد المادي الحقيقي. وما لم يقم يسوع بجسد حقيقي، فلا سبيل إلى التحقق من قيامته. وبالتالي تفقد القيامة قيمتها ومصداقيتها التاريخية (Geisler, BR, 36)
3(أ) دلالات القيامة
تقوم كل ديانات العالم العظمى على افتراضات فلسفية، ما عدا أربعة منها، تعتمد على شخصيات، أكثر مما تعتمد على الفلسفات. والمسيحية وحدها هي التي تنادي بأن قبر مؤسسها فارغ. فقد مات إبراهيم أب اليهودية نحو 1900 ق. م. دون أن يدَّعي أحد أنه قام.
ويقول ولبر م. سميث في كتابه «لهذا يقوم»: «إن الكتابات الأصلية عن بوذا لا تعزي إليه أي شيء مثل القيامة، بل إننا نقرأ في الكتابات القديمة عن موته، المهابارنيبانا سوتا Mahaparinibbana Sutta، أنه عندما مات «تلاشى تماماً ولم يتبق بعده شيء بالمرة». (Smith, TS, 385)
«يقول الأستاذ تشايلدرز: ليس هناك في الكتب البوذية المقدسة أو شروحاتها (أو أي من كتبهم الأخرى) ما يشير إلى أن «ساكيا موني» قد وجد بعد موته أو ظهر لتلاميذه. لقد مات نبي الإسلام في الثامن من يونيو 632م بالمدينة في الحادية والستين من عمره، ويزور قبره اليوم الآلاف من المسلمين. وكل هذه الملايين من أتباع اليهودية أو البوذية أو الإسلام يقرون بأن مؤسسي دياناتهم قد ماتوا ولم يقم أحد منهم، من تراب الأرض. (Childers, as cited in Smith, TS, 583)
ويقول وليم لين كريج: «لم يكن للإيمان المسيحي أن يقوم دون عقيدة القيامة فلولا القيامة لبقى التلاميذ يائسين منهزمين. ولو ظلوا يتذكرون معلمهم المحبوب يسوع، لكانت ذكرى الصلب كفيلة بأن تسكت فيهم أي رجاء في أن يكون هو المسيا، ولبقى الصليب يمثل النهاية المخزية والحزينة لحياته. ومن ثم فإن المسيحية مؤسسة على اعتقاد التلاميذ الأقدمين في أن الله قد أقام يسوع من الأموات». (Craig, KTR, 116- 117)
ويقول ثيودوسس هارناك: «لم تعد حقيقة القيامة أمراً من الأمور الجدلية في العقيدة المسيحية. فالمسيحية تقوم أو تسقط مع القيامة». (Harnack, as cited in Smith, TS, 437)
ويقول وليم ميليجان: «بينما نتحدث عن البرهان الإيجابي لقيامة يسوع المسيح ربنا، يمكن القول بأنها، إن صحت، تنسجم مع سائر ملامح حياته التاريخية الأخرى». (Milligan, RL, 71)
وينتهي ولبر م. سميث إلى النتيجة التالية: «إن كان ربنا قد أكد مراراً مفصلاً وموضحاً أنه بعد صعوده إلى أورشليم سوف يُقتل، ولكنه سوف يقوم من الأموات في اليوم الثالث، وتمت نبوته هذه بالفعل، إذاً فلابد أن كل ما قاله عدا ذلك هو أيضاً صحيح». (Smith, TS, 419)
ويقول أيضاً
و. ج. سبارو - سمبسون:
السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن أن تكون قيامة المسيح دليلاً على أنه ابن الله؟ والإجابة هي أنه أولاً قام بسلطان شخصه، إذ كان له السلطان أن يضع حياته وأن يأخذها أيضاً (يوحنا 10: 18). ولا يتناقض هذا مع القول في مواضع كثيرة بأن الآب أقامه، لأن ما يفعله الآب، يفعله الابن أيضاً، فالخْلق وكافة الأعمال الأخرى تنسب إلى الآب أو الابن أو الروح دون أي تمييز. وثانياً: بما أن المسيح أعلن صراحة أنه ابن الله، فإن قيامته من الأموات كانت ختم الله تصديقاً على هذه الحقيقة. ولو أنه بقى تحت سلطان الموت، لكان الله بذلك قد نفى إدِّعاءه بأنه ابنه، ولكن إذ أقامه الله من الأموات، فهو يعلن صراحة: «أنت ابني، اليوم أعلن هذه الحقيقة على الملأ». (Sparrow- Simpson, RCF, 287-88)
كما أن موعظة بطرس يوم الخمسين مؤسسة بشكل كلِّي على القيامة. فليست القيامة هي موضوعها الرئيسي فحسب، ولكن بدونها لا تبقى عقيدة على الإطلاق. ويقدم الرسول بطرس القيامة باعتبارها :
(1) توضيح لموت المسيح.
(2) تحقيق للنبوات عن المسيا المخِّلص.
(3) شهد بها الرسل جميعاً.
(4) سر انسكاب الروح القدس، وبدونها لا يمكن تفسير هذه الظاهرة الدينية العجيبة.
(5) شهادة على أن يسوع الناصري هو الملك المسيا المنتظر.
وهكذا نرى أن كل ما قاله بطرس عن المسيح يعتمد ويقوم كليةً على حقيقة القيامة. فبدون القيامة لا يمكن البرهان على أن يسوع هو المسيا الملك. وبدونها لظلَّ انسكاب الروح القدس سراً غامضاً. وبدونها لما كان للرسل أن يكرزوا. ولبقى المزمور السادس عشر ينتظر المسيا الذي يحقق نبواته في المستقبل. ولكان يسوع قد نال الاستحسان الإلهي كما تشهد بذلك أعماله، وهو استحسان على حياته فقط، هذه التي انتهت كحياة أي نبي آخر لم تستطع الأمة احتماله. وهكذا نرى أن الموعظة المسيحية الأولى مؤسسة على مكانة يسوع القائم من الأموات. (Smith, TS, 230)
ويعترف أدولف هارناك، الذي ينكر على الكنيسة إيمانها بالقيامة أن: «الثقة الوطيدة للتلاميذ في يسوع تنبع من إيمانهم بأنه لم يمسك من الموت ولكن الله أقامه. بفضل ما عرفوه في المسيح وبعد أن رأوه يقيناً> كان أمر قيامته مؤكداً بالنسبة لهم تماماً مثل حقيقة موته، وأصبح الموضوع الرئيسى لكرازتهم به» (Harnack, HD, as cited in Day, ER, 3)
ويقول هـ. ب. ليدون: «إن الإيمان بالقيامة هو حجر الزاوية في الإيمان المسيحي، وإذا أزلناه يسقط بناء الإيمان كله». (Liddon, as cited in Smith, TS, 577)
ويقول دوجلاس جروثويس:
تظهر حقيقة قيامة يسوع مراراً وتكراراً في العهد الجديد. فتسجل الأناجيل تعليم يسوع بأنه ينبغي أن يسلم ويقتل ويقوم من الأموات مرة أخرى. وتشهد جميعها بأن قبره كان فارغاً وأنه ظهر لتلاميذه كما قال. ويسجل سفر الأعمال الكرازة بالمسيح المقام كحقيقة محورية. كما أن رسائل العهد الجديد وسفر الرؤيا تصبح بلا معنى دون يسوع المقام. إن حقيقة القيامة تشهد لها الأناجيل الأربعة، وسجّل تاريخ الكنيسة الأولى أي سفر الأعمال، ورسائل بولس وبطرس ويوحنا ويعقوب ويهوذا والرسالة إلى العبرانيين. ولما كانت أسفار العهد الجديد يعتد بها من الناحية التاريخية... فهذا هو أول الأسباب القوية لقبول القيامة كحقيقة موضوعية. (Groothuis, JAC, 273)
لقد كانت قيامة المسيح دائماً هي العقيدة المحورية للكنيسة. وفي ذلك يقول ولبر سميث:
منذ اليوم الأول الذي شاءت فيه العناية الإلهية أن تمنحها الحياة، أجمعت الكنيسة المسيحية على الشهادة بإيمانها في قيامة المسيح. ويمكننا أن نقول إن القيامة هي إحدى العقائد والركائز الأساسية للكنيسة، ومن ثم فهي تتخلل كتابات العهد الجديد، حتى أنك إن أزلت كل نص يضم إشارة للقيامة من العهد الجديد، سيصبح لديك مجموعة كتابات مبتورة لا يمكن فهمها. ولقد كانت القيامة جزءاً لا يتجزأ من حياة المسيحيين الأوائل. فهي تظهر كحقيقة على قبورهم وفي الرسوم المنقوشة في سراديب القبور، كما أنها تغلغلت في الترانيم المسيحية وأصبحت أحد أهم الموضوعات في الكتابات الدفاعية العظيمة عن المسيحية في القرون الأربعة الأولى. كما كانت القيامة هي الموضوع الأساسي للكرازة في عصر مجمع نيقية. كما دخلت ضمن قوانين الإيمان التي وضعتها الكنيسة، فنجدها في قانون الإيمان الرسولي وفي جميع قوانين الإيمان الأخرى اللاحقة.
إن جميع شواهد العهد الجديد تؤكد أن مضمون الأخبار المفرحة أو الإنجيل لم تكن «اتّبع هذا المعلم وافعل الصالحات» ولكن «أن يسوع قد قام» ولا يمكنك أن تنتزع القيامة من المسيحية دون أن تغيّر طبيعتها جذرياً وتفسد كيانها. (Smith, TS, 369- 70)
ويقول الأستاذ ميليجان: «ومن الأمور الواضحة أن المسيحية منذ بداية عهدها لم تكن تؤمن بقيامة الرب فحسب، بل أن هذا الإيمان كان جزءاً من النسيج الكلي لوجودها». (Milligan, RL, 170)
ويقتبس د. روبرتسون نيكول عن بريسنسي قوله: «صار قبر المسيح الفارغ مهد الكنيسة». (Smith, TS, 80)
ويقول و. ج. سبارو - سيمبسون: «لو لم تكن القيامة حقيقة تاريخية، لبقى سلطان الموت سائداً، ومعه كل نتائج الخطية، ولبقى موت المسيح دون أهمية، وعليه لبقى المؤمنون بالمسيح بعد في خطاياهم، كما كانوا قبل سماعهم عن يسوع» (Sparrow- Simpson, as cited in Hastings, DCG, 514)
ويقول ر. ميتشن إدجار في كتابه: «إنجيل المخلص المقام»:
إننا أمام معلم ديني يعلق تعاليمه كلها على قدرته على القيامة من الأموات بعد أن يُقتل. وبثقة يمكننا القول إن أحداً لم يطلق مثل هذا الادِّعاء قبله أو بعده. أما القول بأن هذا الاختبار غير العادي اخترعه بعض تلاميذه الصوفيين من النبوات القديمة وأدخلوه على هذا النحو إلى روايات الإنجيل، فهو يضع عبئاً ثقيلاً على عقولنا لم يكن لها أن تتحمله. فها هوذا المعلم الذي يعلِّق كل شيء على قدرته على الانتصار على الموت، يقف أمامنا كأصدق معلِّم معلناً نصرته بالحياة على الموت! (Edgar, GRS, as cited in Smith, TS, 364)
ويشير وليم لين كريج إلى أهمية القيامة بالنسبة للتلاميذ قائلاً:
لقد كان لحادثة الصلب تأثير مدمر في نفوس التلاميذ. إذ لم يكن لديهم أدنى فكرة عن موت أو قيامة المسيا، وهم الذين يتوقعون أن المسيا سيملك إلى الأبد (انظر يوحنا 12: 34). دونما الإيمان بقيامته، كان من المحال الإيمان بيسوع باعتباره المسيا بعد أن مات. لقد حولت القيامة الهزيمة إلى نصرة. فرغم كل شيء أعلن الله أن يسوع هو المسيا إذ أقامه من الأموات (أعمال 2: 32 و36). ونفس الأمر ينطبق على الصليب، فبقيامة يسوع صار موت العار على الصليب هو مصدر الخلاص. وبدون القيامة، لم يكن موت يسوع إلا هواناً ولعنة من الله، ولكن بالقيامة أصبح مصدراً لغفران الخطايا. وبدون القيامة لم يكن للمسيحية أن تظهر. ولو أن التلاميذ ظَّلوا يذكرون يسوع المعلم المحبوب، ما أمكنهم الإيمان به كمسيا، الله المتجسد. (Craig, DJRD, as cited in Wilkins, JUF, 159)
ونجد العبارات التالية في «قاموس الكنيسة الرسولية»:
يعترف أعدى أعداء الكنيسة من النقَّاد، مثل د. ف. شتراوس، أن القيامة هي «المحك الرئيسي، ليس لحياة يسوع فقط، بل للمسيحية نفسها فهي تتغلغل في المسيحية بأكملها» وهي محورية بالنسبة للعقيدة المسيحية ككل، (New life of Jesus, Eng. tr., 2 vols., London, 1865, i. 41, 397)، فإن زالت القيامة، زال من المسيحية كل أمر هام وجوهري، وإن بقيت القيامة، بقيت المسيحية. وعلى مدى القرون الطويلة، ظلَّت القيامة هي محور الهجوم على الإيمان المسيحي. (Hastings, DAC, 330)
ويقول ج. ب. وارفيلد: «يعمد يسوع نفسه إلى تعليق تعاليمه كلها وتركها لحكم البشر على أساس برهان القيامة. فعندما يسألونه آية، يشير إلى هذه الآية كبرهان وحيد فيه الكفاية» (Worfield, as cited in Anderson, CWH, 103)
ويتحدث أرنست كيفان عن اللاهوتي السويسري الشهير فريدريك جوديت: «في كتابه محاضرات في الدفاع عن الإيمان المسيحي»، عن أهمية قيامة المسيح ويشير إلى أن هذه المعجزة، وهذه المعجزة وحدها، قدمها المسيح كبرهان على تعاليمه وسلطانه». (Kevan, RC, 3)
ويوضح مايكل جرين ذلك قائلاً:
إن المسيحية لا تعتبر القيامة واحدة من بين عقائد كثيرة تؤمن بها. إذ أنه بدون الإيمان بالقيامة، لا تبقى هناك مسيحية على الإطلاق وبدونها ما أمكن للكنيسة أن تقوم في البداية، ولأخفقت بشارة يسوع بموته. فالمسيحية تقوم على حقيقة القيامة أو تسقط بدونها. ومتى انتفت القيامة، تلاشت المسيحية.
والمسيحية ديانة تاريخية فهي تنادي بأن الله قد تدخَّل بنفسه في التاريخ البشري، وها هي الحقائق لتتفحصها بنفسك بأكثر دقة، وتدرسها دراسة نقدية كما تشاء. (Green, MA, 61)
أما چون لوك، الفيلسوف البريطاني المعروف، فقد قال في أمر قيامة المسيح: «إن قيامة مخلصنا... ذات أهمية بالغة حقاً بالنسبة للمسيحية، حتى أن الإيمان بأنه المسيح أو عدم الإيمان بذلك يعتمد عليها. وهذان الأمران المحوريان لا يمكن الفصل بينهما، بل أنهما في الحقيقة أمر واحد. لأنه منذ قيامة يسوع، يؤمن المرء بإحدى هاتين الحقيقتين فيؤمن بهما معاً، أو ينكر إحداهما فينكرهما معاً». (Smith, TS, 423)
ويصل فيليب شاف إلى النتيجة التالية: «ولهذا فإن قيامة المسيح هي المحك الذي يقوم عليه صدق أو زيف الديانة المسيحية. فإما أنها أعظم معجزة يسجلها التاريخ أو أسوأ خدعة». (Schaff, HCC, 173)
يقول ولبر م. سميث: «لم يوجد قط سلاحاً، ولن يوجد أبداً، قادراً على محق الإيمــان العقــلي فيما يسجله التاريخ عن هذا الحدث التاريخي الـذي سبــق التنــبؤ به. إن قيامة المسيح هي القلعة الحصينة للإيمــان المسيحـي. وهي العقيدة التي قلبـت موازين الدنيا في القرن الأول، وسمت بالمسيحية عالياً فوق اليهوديـة والديانــات الوثنية في بلدان البحر الـمـتوســط. ولو انمحــت القيامة، لانمحى معها كل ما هو جوهري وفريد في إنجــيل الرب يسوع المسيح: «وإن لم يكـن الـمسيـح قد قـام فباطل إيمانكم!» (1كورنثوس 15: 17). (Smith, SR, 22)
ويصف بيتر كريفت ورونالد ك. تاسيلي الأثر المذهل للقيامة: إن للقيامة أهمية بالغة من الناحية العملية لأنها تتمم خلاصنا، إذ جاء يسوع ليخلِّصنا من الخطية والموت الذي نتج عنها (رومية 6: 23). والقيامة أيضاً تميز يسوع عن مؤسسي الديانات الأخرى جميعاً. فما زالت رفات إبراهيم ومحمد وبوذا وكونفشيوس ولاوتسو وزرادشت على الأرض، أما قبر يسوع فهو فارغ.
إن نتائج القيامة على الواقع المادي لا تضاهي. فهـي البرهان الـمـادي الواقـعي التـجـريبـي على أن الحياة ذات معنى وهـدف، وأن «المحبة أقـوى من الـموت»، وأن الخير والقوة حليفان في نهاية الأمر وليسا خصمين، وأن للحياة الغلبة في النهاية، وأن الله جاء إلى عالمنا وهزم آخر عدو لنا، وأنـنا لسـنا كـأطـفال يتامى فـي هـذا الكون، كما تصور ذلك الرؤى العالمية العلمانية الحـديثة. وهذه النتائج نلحظها بمقارنة حـالة التـلامـيذ قبـل القيـامـة وبعدها، فقبل القيامة فرُّوا هاربين وأنكروا سيدهم واختبأوا خلف الأبواب المغلقة في خـوف واضطـراب. أمـا بعد القيامة فقد تحـوَّلــوا من كائنات مرتعبة إلى قـديسـين واثقـين، ورسـل غيَّروا الدنيـا، وشهداء شجعان وسفراء عن المسيـح يطوفـون البلـدان ممتلئـين فرحـاً. (Kreeft, HC, 177)
4(أ) إعلان المسيح أنه سيقوم من الأموات
1(ب) أهمية هذا الإعلان
يقول ولبر م. سميث مؤكداً:
إن يسوع هذا كان هو نفسه المسيح الذي قال، من بين ما قاله من الأمور العجيبة، مراراً وتكراراً شيئاً، إن صدر عن غيره لحكم عليه على الفور بأنه مصاب بجنون العظمة أو شخص مختلّ العقل. إن قول يسوع إنه سيصعد إلى أورشليم ليموت هناك ليس مثيراً للانتباه في شيء، هذا باستثناء التفاصيل الكثيرة التي قدَّمها عن موته قبل ذلك بوقت طويل والتي تعتبر ظاهرة نبوية، ولكن عندما قال إنه سوف يقوم من الأموات في اليوم الثالث من صلبه، فإنه قال ما لا يجرؤ إلا أحمق على قوله لو كان يريد أن يحتفظ بولاء تلاميذه له -هذا ما لم يكن متأكداً تماماً من أنه سيقوم من الأموات. إن أحداً من مؤسسي ديانات العالم لم يجرؤ على التصريح بشيء من هذا القبيل! (Smith, GCWC, 10- 11)
لقد تنبأ المسيح عن قيامته بشكل صائب ومباشر. وبينما لم يستطع تلاميذه أن يفهموا ذلك، أخذ اليهود أقواله على محمل الجد. وفي ذلك يقول ج. ن. د. أندرسون مضيفاً الملاحظة التالية:
منذ زمن ليس ببعيد كان في انجلترا محامي شاب بالمحاكم العليا يدعى فرانك موريسون. ولم يكن هذا المحامي مؤمناً. وقد تعهد أمام نفسه لسنوات أنه يوماً ما سيؤلف كتاباً يدحض فيه القيامة تماماً وإلى الأبد. وقد أتيح له الوقت في نهاية الأمر. كان هذا الرجل أميناً وقام بدراسة الأمر دراسة وافية.
وأخيراً، وبعد قبوله المسيح، ألَّف كتاباً عنوانه: «من دحرج الحجر؟» ومبتدئاً من أقسى المناهج نقداً للعهد الجديد، توَّصل، من بين ما توَّصل إليه من نتـائـج، إلـى أنه لا يمكن تفسير محاكمة يسوع وإدانته إلا على أساس أن يسوع نفسه قد تنبأ بمـوته وقـيامته. (Anderson, RJC, 9).
ويقول سميث أيضاً:
لو أن شخصاً ما قال لمجموعة من أصدقائه أنه يتوقع أن يموت موتاً طبيعياً أو يُقتل في وقت معين، ولكنه سيقوم بعد ذلك بثلاثة أيام، فلا شك أن أصدقاءه سيأخذونه ويودعونه مصحة عقلية حتى يصحّ مرة أخرى. وهذا أمر طبيعي، لأنه ما من عاقل يشيع أنه سيقوم من الأموات في اليوم الثالث، فهذا ليس إلا قول إنسان أحمق، إلا إذا كان هذا الإنسان يعرف أن هذا سيحدث يقيناً، وما من إنسان في العالم عرف ذلك عن نفسه إلا واحد هو المسيح ابن الله. (Smith, TS, 364)
ويشير برنارد رام إلى أنه: «اعتماداً على الموثوقية التاريخية للإنجيل، فلا شك أن المسيح نفسه كان يتوقع موته وقيامته، وأعلن ذلك لتلاميذه صراحة... ويعترف الإنجيليون صراحة أن هذه النبوات التي أعلنها يسوع لم تدركها عقولهم حتى صارت القيامة (يوحنا 20: 9). ولكن الرب نفسه أنبأ بأنه سيقوم من بين الأموات بعد ثلاثة أيام، فبعد أن يُقتل على أيدي من يبغضونه، سيقوم في اليوم الثالث. وقد تمَّ كل هذا». (Ramm, PCE, 191)
ويقول چون ستوت: «لم ينبيء يسوع نفسه عن موته إلا وتحدث أيضاً عن قيامته واصفاً إياها بأنها آية. وفي بداية رسالته إلى رومية، كتب بولس عن يسوع: ««تعيَّن ابن الله... بالقيامة من الأموات»، كما تؤكد العظات الأولى للرسل، كما ذكرها سفر الأعمال، مراراً على أنه بالقيامة أبدل الله حكم الموت الذي كان مفروضاً على الإنسان مبرراً ابنه». (Stott, BC, 47)
- نبوات يسوع عن قيامته:
متَّى 12: 38- 40، 16: 21، 17: 9 و19: 22 و23، 20: 18 و19، 26: 32، 27: 63.
مرقس 8: 31- 9: 1، 9: 10، 9: 31، 10: 32- 34، 14: 28 و58 .
لوقا 9: 22- 27 .
يوحنا 2: 18- 22، 12: 34، الأصحاحات 14- 16.
2(ب) إعلانات القيامة كما صرح بها يسوع
لم ينبيء يسوع بقيامته فحسب، ولكنه أكد أيضاً أن قيامته من بين الأموات ستكون «آية» لتبرهن على تصريحاته بأنه المسيا (متى 12، يوحنا 2).
- متي 16: 21
«من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم».
- متي 17: 9
«وفيما هم نازلون من الجبل أوصاهم يسوع قائلاً لا تعلموا أحداً بما رأيتم حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات».
- متي 17: 22 و23
«وفيما هم يترددون في الجليل قال لهم يسوع. ابن الإنسان سوف يسلَّم إلى أيدي الناس، فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم. فحزنوا جداً»
- متي 20: 18 و19
«ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلَّم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت. ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه وفي اليوم الثالث يقوم».
- متي 26: 32
«ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل».
- مرقس 9: 10
«فحفظوا الكلمة لأنفسهم يتساءلون ما هو القيام من الأموات».
- لوقا 9: 22- 27
«ينبغي أن ابن الإنسان يتألم كثيراً ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم. وقال للجميع إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني. فإن من أراد أن يخلِّص نفسه يهلكها. ومن يهلك نفسه من أجلي فهذا يخلِّصها. لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها. لأن من استحى بي وبكلامي فبهذا يستحي ابن الإنسان متى جاء بمجده ومجدالآب والملائكة القديسين. حقاً أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله».
- يوحنا 2: 18- 22
«فأجاب اليهود وقالوا له أية آية ترينا حتى تفعل هذا . أجاب يسوع وقال لهم انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه. فقال اليهود في ست وأربعين سنة بنى هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه. وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده. فلما قام من الأموات تذكَّر تلاميذه أنه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع».
5(أ) مدخل تاريخي
1(ب) قيامة المسيح كحادث تاريخي له زمان ومكان
قيامة المسيح حادث تاريخي محدد، حيث أن عمل الله قد ظهر في زمان ومكان محددين. وفي هذا يقول ولبر سميث:
إن قيامة المسيح مسألة لاهوتية من حيث المعنى، ولكن حقيقتها مسألة تاريخية، وقد تكون قيامة يسوع بالجسد لغزاً محيراً، ولكن حقيقة اختفاء جسده من القبر مسألة يجب دراستها بفحص الأدلة التاريخية.
المكان هو موقع جغرافي محدد، وصاحب القبر كان رجلاً عاش في النصف الأول من القرن الأول، وكان ذلك القبر منحوتاً في صخرة في أحد التلال القريبة من أورشليم، ولم يكن شيئاً أسطورياً أو وهمياً، بل كان له أوصاف جغرافية محددة. ولم يكن الحرَّاس الذين عُينوا لحراسة القبر كائنات أثيرية قادمة من جبل أولمبوس. ومجلس السنهدريم كان أعضاؤه يجتمعون كثيراً في أورشليم. وكما تخبرنا الكثير من المصادر التاريخية، فقد كان يسوع شخصاً حقيقياً، عاش بين الناس أياً كانت صفاته الأخرى. وكان التلاميذ الذي خرجوا ليبشروا بالرب المقام أشخاصاً عاشوا بين الناس، كانوا يأكلون ويشربون وينامون ويتألمون ويعلِّمون ويموتون فأي شيء يتصل بالعقيدة في هذه الأحداث؟ إنها مسألة تاريخية صرفاً. (Smith, TS, 386)
كُتب عن أغناطيوس (حوالي 50- 115م) أسقف أنطاكية الذي عاش في سوريا وكان تلميذاً للرسول يوحنا: لقد أُلقي للوحوش الضارية في كولوسيوم روما. وكتب رسائله في أثناء رحلته من أنطاكية إلى حيث استشهد. (Moyer, WWCH, 209)
وفي ذلك الوقت قال عن المسيح:
صُلب المسيح في ظل حكم بيلاطس البنطي، ومات فعلاً تحت بصر السماء والأرض وما تحت الأرض.
وقام في اليوم الثالث... ففي يوم الاستعداد، في الساعة الثالثة حكم عليه بيلاطس البنطي، إذ سمح الله الآب بذلك، وُصلب في الساعة السادسة، وفي الساعة التاسعة أسلم الروح، ودُفن قبل غروب الشمس.
وخلال يوم السبت بقى في قلب القبر حيث وضعه يوسف الرامي. لقد حُمل به في البطن، كما نحن أيضاً، ووُلد في الأجل المحدد، كما نحن أيضاً، وتغذى باللبن وأكل وشرب كما نفعل نحن. وبعد أن عاش وسط الناس ثلاثين عاماً، اعتمد بيوحنا حقاً، وبعد أن بشَّر بالإنجيل ثلاث سنين وصنع العجائب والمعجزات حكم عليه اليهود وبيلاطس البنطي الوالي ظُلماً، وهو الديان. فجلدوه ولطموه على خده وبصقوا عليه وكللوه بإكليل شوك وألبسوه رداءَ أرجوانياً. لقد أدانوه فصُلب بالحقيقة وليس وهماً أو خيالاً أو خداعاً. وبالحقيقة مات ودُفن وقام من الأموات. (Ignatius, IET, as cited in Roberts, ANCL, 199- 203).
ويحدثنا المؤرخ الألمعي ألفريد إديرشايم عن الزمان المحدد لموت المسيح وقيامته:
كاد يوم الربيع القصير يصل إلى «مساء السبت». ولقد كان أمر الشريعة أن لا يبقى جسد المجرم معلقاً دون دفنه لصباح اليوم التالي. وربما تغاضى اليهود في الأحوال العادية عن أن يطلبوا من بيلاطس تقصير آلام المصلوبين، لأن عقوبة الصلْب كانت كثيراً ما تستمر ليس لساعات بل لأيام قبل أن يموت المصلوب. ولكن الأمر هنا كان مختلفاً فيوم السبت الذي أوشك أن يلوح كان عيداً- فمع كونه يوم سبت كان أيضاً ثاني أيام عيد الفصح، وكان يعدّ من كل الوجوه مقدساً تماماً مثل اليوم الأول- بل إنهم كانوا يقدسونه أكثر إذ كانوا يقدمون فيه للرب ما يعرف باسم «حزمة الترديد». (Edersheim, LTJM, 612- 613)
ويقول ولبر سميث: «يمكن القول بأننا نعرف تفاصيلاً عن الأحداث التي سبقت موت يسوع الفعلي مباشرة في أورشليم وبالقرب منها، أكثر مما نعرفه عن موت أي شخص آخر عاش قديماً». (Smith, TS, 360)
چاستن مارتر (حوالي 100- 165م) هو فيلسوف وشهيد ومدافع عن الإيمان المسيحي... كان متعطشاً لمعرفة الحقيقة، فطرق أبواب الرواقية وفلسفات أرسطو وفيثاغورس وأفلاطون، ولكنه كان يكره الفلسفة الأبيقورية... وقد أصبح هذا الأفلاطوني الغيور مسيحياً مؤمناً فقال: وجدت هذه الفلسفة وحدها آمنة ومربحة». (Moyer, WWCH, 227)
لقد أدرك چاستن مارتر أن فلسفات العالم تقدم افتراضات عقلية، أما المسيحية وحدها فتقدم الله نفسه فعالاً في الزمان والمكان بواسطة يسوع المسيح. وهو يقول في وضوح تام: «ولد المسيح قبل مائة وخمسين عاماً أثناء حكم كيرينيوس، وعاش في زمن بيلاطس البنطي». (Martyr, as cited in Roberts, ANCL, 46)
كتب ترتليان (حوالي 160- 220م) أسقف قرطاج في شمال أفريقيا: «لكن اليهود تضايقوا من تعاليمه التي أدانت رؤساءهم وقادتهم، لأن كثيرين انحازوا إليه، وفي نهاية الأمر أحضروه للمثول أمام بيلاطس البنطي، الذي كان حاكماً رومانياً على سوريا آنذاك، ولما تعالت أصواتهم ضده، انتزعوا حكماً بصلبه». (Tertullian, WQSFT, as cited in Roberts, ANCL, 94)
وعن صعود المسيح يقول ترتليان: «وهي حقيقة أكيدة أكثر بكثير من أقوال بروكيلوس عن رومولوس» (وكان بروكيلوس حاكماً رومانياً، قال إن رومولوس ظهر له بعد موته.
كل هذا فعله بيلاطس بالمسيح. ويقول ترتليان أيضاً عنه:
إن تلاميذ المسيح انتشروا في العالم أجمع وفعلوا كما أمرهم سيدهم، وبعد أن قاسوا الأمرِّين من اضطهادات اليهود، وبنفس راضية إذ كان لهم إيمان ثابت بالحق، استشهدوا بسيف نيرون القاسي في النهاية فبذروا بذار الدم المسيحي في روما. (Tertullian, WQSFT, as cited in Roberts, ANCL, 95)
وكتب يوسيفوس المؤرخ اليهودي في نهاية القرن الأول الميلادي هذه الكلمات الرائعة عنه في كتابه الآثار:
كان في ذلك الوقت رجل حكيم اسمه يسوع، لو كان لنا أن ندعوه رجلاً، لأنه كان يصنع العجائب، وكان معلماً لمن كانوا يتقبَّلون الحق بابتهاج. وجذب إليه الكثيرين من اليهود والأمم على حد سواء. وكان هو المسيح، وعندما أصدر بيلاطس الحكم عليه بالصلْب، بإيعاز من رؤسائنا، لم يتركه أتباعه الذين أحبوه من البداية، إذ أنه ظهر لهم حياً مرة أخرى في اليوم الثالث، كما تنبأ أنبياء الله عن هذه الأشياء وعن آلاف الأشياء العجيبة المختصة به. وجماعة المسيحيين، المدعوين على اسمه، مازالوا موجودين حتى هذا اليوم. (Josephus, AJ, 81.3.3)
وقد حاول البعض أن يبرهنوا على أن هذه الكتابة مدسوسة على يوسيفوس. إلا أن مايكل جرين يقول في كتابه «رجل حي»: «وردت هذه الفقرة عن يوسيفوس في كتابات يوسابيوس في القرن الرابع». ويقول أيضاً: «وظهرت في الطبعات الحديثة لأعماله. ومن الجدير بالملاحظة أن يوسيفوس لم يكن متعاطفاً مع المسيحيين، ولكنه كان يهودياً يكتب إرضاءً للرومان. ولم تكن هذه القصة لترضيهم بأي حال. ولم يكن يوسيفوس ليكتبها لو لم تكن صحيحة». (Green, MA, 35- 36)
وفيما يختص بالطبيعة التاريخية لإيمان الكنيسة الأولى يقول ليني: يصف العهد الجديد الأمور على النحو التالي: صُلب يسوع ودُفن، فأصاب أتباعه الغم واليأس. وبعد فترة وجيزة امتلأوا بهجة وطمأنينة وكرَّسوا حياتهم حتى إلى الموت والشهادة. ولو سألناهم بحسب ما جاء في كتاباتهم عن سبب هذا التغيير، فلن تكون إجابتهم: «سبب ذلك هو الاعتقاد الذي بدأ يترسخ تدريجياً فينا أن مصيرنا الموت وأن الذي صُلب ودفن مازال حياً» ولكن ستكون إجابتهم: «السبب هو أن يسوع الذي مات ظهر للبعض منا حياً بعد موته وآمن الباقون بهذه الشهادة». ومن الجدير بالذكر أن هذا يعد تقريراً تاريخياً تماماً مثل عبارة: «المسيح قام بالحقيقة» التي دفعت الكثيرين رجالاً ونساءً للإيمان. (Leaney, as cited in Hanson, A., VEHBC, 108)
ويتحدث برنارد رام عن الطبيعة القانونية لكتابات العهد الجديد فيقول: «في الأصحاح الأول من سفر الأعمال يخبرنا لوقا أن يسوع أراهم نفسه حياً «ببراهين كثيرة»، وهو تعبير يستخدم للإشارة إلى أقوى أنواع الأدلة القانونية». (Ramm, PCE, 192)
ويقول كلارك بينوك أيضاً:
كان يقين الرسل مؤسساً على خبراتهم في عالم الواقـع. فقد أراهـم يسـوع نفسه حيـاً «ببـراهـين كثـيرة» (أعمال 1:3). والتعبير الذي يستخدمه لوقا هنا هو (tekmerion) وهو يشير إلى الدليل الذي يُرى. لقد نشأ إيمان التلاميذ بالقيامة نتيجة للبراهين المادية التي لا يمكن إنكارها والتي توفرت لهم. وهي تتوفر لنا من خلال شهاداتهم المكتوبة. ومن الأهمية بمكان بالنسبة لنا في عصر يطلب الدليل على صحة الإيمان المسيحي أن نستجيب لهذا الـمطـلــب بتقـديم البراهين التاريخية، إذ أن القيامة تعتـبر حقيقة تاريخية وتشكل حافزاً قوياً لدى المرء للإيمـان بالـمسيــح مخـلصـاً. (Anderson, DCR, 11)
ويؤكد إرنست كيفان أيضاً على قيمة شهادات الرسل كبراهين قائلاً: كتب لوقا سفر أعمال الرسل بين عامي 63م و 70م عند سقوط أورشليم. وهو يقول موضحاً في مقدمة إنجيله أنه جمع معلوماته من شهود العيان، ومن ثم يمكننا أن نستنتج أنه كتب سفر الأعمال بنفس الطريقة. وكما تشير الأدلة التاريخية أيضاً فإن استخدامه للضمير «نحن» يدل على أنه كان يشارك شخصياً في بعض الأحداث التي يرويها. فقد شارك في البشارة الأولى والأحداث العظمى التي جرت في هذا العصر المبكر. ومن ثم يعد لوقا شاهد عيان معاصر لتلك الأحداث.. ومن غير المعقول الظن بأن الكنيسة الأولى لم تكن تعرف تاريخها، وقبول الكنيسة لهذا السفر يعـد دليـلاً على صحـته. (Kevan, RC, 4- 5)
ويشير كيفان نقلاً عن أحد العلماء المسيحيين البارزين إلى أنه: «كما أن الكنيسة مقدسة للغاية بما لا يسمح بوجود أساس فاسد، فهي أيضاً حقيقية للغاية ولا تشوبها الأساطير». (Kevan, RC, 4- 5)
«ليست هناك وثائق أكثر قيمة من الرسائل التي كُتبت في ذلك العصر لإثبات صحة واقعة تاريخية معينة حدثت آنذاك». (Kevan, RC, 6)
ويقول الأستاذ كيفان عن رسائل العهد الجديد: «وهناك الأدلة القاطعة لرسائل الرسول بولس التي كُتبت في ذلك العصر. وتشكِّل هذه الرسائل أقوى أنواع الأدلة التاريخية. وتنتمي الرسائل الموجهة إلى أهل غلاطية وكورنثوس ورومية إلى زمن رحلات بولس التبشيرية وترجع إلى حوالي 55- 58م، وقد أجمعت معظم الآراء على صحة وتاريخ هذه الرسائل. وهذا البرهان على قيامة المسيح قريب جداً من هذه الحادثة، إذ أن الفترة بين قيامة المسيح وبين كتابة هذه الرسائل لا تتعدى 25 عاماً. وبما أن بولس نفسه يصرح بأن موضوع رسالته هو نفسه الموضوع الذي تحدث إليهم عنه عندما كان معهم، فإن هذا يقترب بهذه الشهادة إلى زمن أقدم». (Kevan, RC, 6)
ويقول برنارد رام إنه حتى «أكثر القراءات تعجلاً للأناجيل تقرّ بحقيقة أن الأناجيل تتناول موت وقيامة المسيح بتفاصيل أكثر من أي أمر آخر في خدمة المسيح. إن تفاصيل أحداث القيامة لا يجب فصلها بشكل مصطنع عن أحداث آلام المسيح». (Ramm, PCE, 191- 92)
كانت للمسيح ظهورات كثيرة بعد قيامته. وقد حدثت هذه الظهورات في أوقات معينة في حياة أشخاص محددين واقتصرت على أماكن محددة.
فولفهارات باننبرج أستاذ اللاهوت النظامي بجامعة ميونخ بألمانيا، تتلمذ على يد بارت وجاسبرز، وعني بشكل أساسي بدراسة العلاقة بين الإيمان والتاريخ. وقد قام مع مجموعة صغيرة من اللاهوتيين النشطين بصياغة نظرية لاهوتية هدفها الأول دراسة الجذور التاريخية للمسيحية. (Anderson, DCR, 9) ويقول هذا العالم الشهير: «إن حقيقة حدوث قيامة يسوع هي مسألة تاريخية، والمسألة التاريخية عند هذه النقطة لا يمكن الهروب منها. ومن ثم يجب حسم هذه المسألة على مستوى الحجج التاريخية». (Anderson, DCR, 10)
ويقول عالم العهد الجديد س. هـ. دود: «تبقى القيامة حادثة في سياق التاريخ». (Straton, BLR, 3)
ويقول چ. ن. د. أندرسون مقتبساً قول س. ف. د. مول الأستاذ بجامعة كمبريدچ:
«منذ بداية المسيحية ووجود المسيحيين يرتبط بعقيدتهم بقيامة يسوع من الأموات. وليست هناك علَّة أخرى يمكن أن تفسير وجودهم... وفي العهد الجديد ليس هناك دليل واحد على أن المسيحيين دافعوا عن فلسفة حياة جديدة أو مذهب أخلاقي حديث. فعملهم الوحيد كان الشهادة بهذه الحادثة التي يؤمنون بها- أي قيامة يسوع من بين الأموات. والأمر الوحيد الذي دافع عنه المسيحيون كان الإعلان بأن يسوع قد قام من الأموات بحسب الترتيب الإلهـي، ومـا يتـرتـب على ذلك من اعتباره ابن الله الوحيد والـممثـل عن الإنسان، وينتج عن ذلك مفهوم السبيل إلى الـمصالحـة. (Anderson, CWH, 100- 101)
ويقول چ. سبارو- سمبسون:
كانت قيامة المسيح هي أساس المسيحية في العصر الرسولي، ويرجـع ذلـك إلى أسباب تتصل بالعقيدة وبالأدلة على حد سواء... فوعي الرسل بالطبيعــة الأساسية والجوهـريـة للقيامة واضـح من الـمكانـة التـي تشغلـهـا في شهادتهـم. فكـان الرسـول يعين شاهـداً بالقيامـة (أعمال 1: 22). وكان مضمون بشارة بولس بالمسيحية يعرف لدى الأثينيين بأنه «يسوع والقيامة» (أعمال 17: 18) ويؤكد سفر الأعمال مراراً في بدايته على أن: «يسوع هذا أقامه الله ونحن جميعاً شهود لذلك». (Anderson, CWH, 32)
وكحقيقة تاريخية، فقد كانت قيامته هي التي مكَّنت الناس من الإيمان بأمجاد يسوع التي تفوق البشر. ولم يكن الأمر مجرد التأثير الأخلاقي لشخصيته وحياته وتعاليمه. ولكن عقيدة القيامة هي التي دفعتهم إلى تسليم حياتهم للمسيح الفادي، ولا يمكن تفسير ذلك بدونها. ومن ينكرون قيامتـه ينكرون أيضاً بالتبعية ألوهيته وعمل الفداء الذي قـام به كمـا بشـر بذلك القديس بولـس. (Sparrow- Simpson, as cited in Hastings, DCG, 513- 14)
2(ب) شهادة التاريخ والقانون
عندما يكون هناك حادثة تاريخية ويكون هناك من البشر الأحياء عدد كافٍ شهد هذه الحادثة أو شارك فيها، وعندما تنتشر هذه المعلومات، يمكن للمرء أن يتحقق من صحة هذه الحادثة التاريخية (بالأدلة والقرائن).
أما وليم ليون فيلبس، الذي ظلّ أستاذاً بارزاً للأدب الإنجليزي بجامعة يال لأكثر من أربعين عاماً، وألَّف ما يقرب من عشرين مجلداً في الدراسات الأدبية، وكان محاضراً مشهوراً فيقول:
إن أهم حادثة في قصة يسوع المسيح بأكملها هي حادثة القيامة. ويعتمد عليها الإيمان المسيحي. ومن الأمور المشجعة أن نعرف أن البشيرين الأربعة يذكرونها كما يذكرها أيضاً بولس الرسول. وأسماء الذين رأوه بعد انتصاره على الموت مدونة أيضاً، ويمكن القول إن الأدلة التاريخية على القيامة أقوى من أي معجزة أخرى ذكرت، لأنه كما يقول بولس: لو لم يكن المسيح قد قام من الأموات، فباطلة كرازتنا، وباطل أيضاً إيمانكم. (Phelps, as cited in Smith, GCWC, 18)
أمبروز فليمنج هو أستاذ متقاعد للهندسة الكهربائية بجامعة لندن، وكان عضواً شرفياً بكلية القديس يوحنا بجامعة كمبريدچ وحاصل على ميدالية فاراداي عام 1928، وهو أحد أكثر العلماء تفوقاً في انجلترا. وهو يقول عن وثائق العهد الجديد:
ينبغي لنا أن نتعامل مع البراهين التي يقدمها الخبراء فيما يختص بتاريخ وأصالة هذه الكتابات تماماً كما نتعامل مع حقائق علم الفلك بناءً على الأدلة التي يوردها علماء الفلك الذين لا يناقضون بعضهم البعض. ولما كان الحال هكذا، يمكننا أن نسأل أنفسنا إن كان يمكن لكتاب يصف أحداثاً حدثت منذ حوالي ثلاثين أو أربعين عاماً مضت، أن يلقى قبولاً وترحاباً إذا كان ما به من قصص غريبة زائفة وأسطورية. إن ذلك من المحال، لأن ذاكرة الكبار منا لازالت واضحة تماماً فيما يختص بأحداث حدثت منذ ثلاثين أو أربعين عاماً مضت.
فلا يمكن لأحد اليوم أن ينشر ترجمة حياة للملكة فيكتوريا، التي ماتت منذ واحد وثلاثين سنة، مليئة بالطرائف الزائفة، إنها سوف تلقى المعارضة في الحال. ومن المؤكد أنها لن تجد قبولاً عاماً ولن تنتقل إلى الأجيال اللاحقة كأحداث صحيحة. ومن ثم فهناك استحالة في أن تكون قصة القيامة التي ذكرها مرقس، والتي تتفق في جوهرها مع ما ذكرته الأناجيل الأخرى، هي محض اختلاق. كان يجب إهمال نظرية الأسطورة هذه لأنها لا تخضع للفحص الدقيق والمباشر. (Fleming, as cited in Smith, TS, 427- 28)
ويؤكد أمبروز فليمنج على أنه ليس هناك شيء في الأناجيل يمكن أن يضع رجل العلم في مواجهة مع المعجزات الواردة فيها، وهو يضع التحدي أمام العقول المنصفة مؤكداً أنه لو أن مثل هذه الدراسة قد أجريت بمحض الإرادة كما يقول المحامون البارزون فإنها سوف تسفر عن يقين عميق في أن الكنيسة المسيحية ليست مؤسسة على الخيال أو مبنية على الخداع أو كما يقول القديس بطرس «خرافات مصنَّعة»، ولكن على أحداث تاريخية واقعية، قد تبدو غريبة، إلا أنها بالحقيقة أعظم الأحداث في تاريخ البشرية» (Fleming, as cited in Smith, TS, 427- 28).
يخبرنا المحامي فرانك مورديسون في كتابه «من دحرج الحجر» الذي أصبح من أكثر الكتب مبيعاً كيف أنه ترعرع في وسط عقلاني ورأى أن القيامة ليست إلا قصة خيالية انتهت نهاية سعيدة أفسدت قصة يسوع التي لامثيل لها. ومن ثم قرر أن يكتب عن الأيام الأخيرة في مأساة يسوع ويسلِّط الأضواء على بشاعة الجريمة وبطولة يسوع. وبالطبع كان سيذِّيل أي أمر معجزي يرتاب فيه، ويفند تماماً أحداث القيامة. ولكنه عندما بدأ يدرس الحقائق بعناية، تغير فكره وكتب كتابه في الاتجاه المعاكس. ودعى أول فصول الكتاب «الكتاب الذي لم يكتب»، وكان باقي الكتاب يحوي أذكى الحجج التي قرأتها في حياتي. (Morison, WMS, as cited in Green, MA, 54- 55)
ويقول العالم المشهور إدوين جوردون سلوين: «إن حقيقة قيامة المسيح من الأموات في اليوم الثالث بالجسد والروح- هذه الحقيقة تبدو أكيدة كما تدل على ذلك البراهين التاريخية». (Selwyn, as cited in Smith, GCWC, 14).
كان توماس أرنولد، الذي يقتبس عنه ولبر سميث، مديراً معروفاً لمدرسة للعبة الرجبي لأربعة عشر عاماً، وهو وهو مؤلف كتاب «تاريخ روما» وهو الكتاب الشهير الذي يتكون من ثلاثة مجلدات، وعُيّن أستاذاً للتاريخ الحديث في جامعة أكسفورد، وهو رجل يعرف يقيناً قيمة الأدلة في التحقق من الوقائع التاريخية. وقد قال هذا العالم الجليل: إن البراهين المؤيدة لحياة وموت وقيامة ربنا قد تبين أنها مرضية، وهي كافية وفقاً للقواعد المعروفة لتمييز البرهان الصالح من الفاسد. لقد قام الآلاف بل عشرات الآلاف من الأشخاص بدراسة هذه البراهين بشكل مفصَّل وبعناية فائقة مثل القاضي الذي يدرس إحدى القضايا الهامة للغاية. وقد قمت أنا نفسي بذلك مرات عديدة، ليس لأقنع الآخرين ولكن لأكون راضياً عن إيماني. وقد اعتدت لسنوات طويلة على دراسة تواريخ العصور الأخرى وفحص الأدلة المؤيدة لمن كتبوا عنها، ولست أعرف حقيقة واحدة في تاريخ البشرية تؤيدها البراهين أمام عقل الباحث المنصف بشكل أفضل من المعجزة العظيمة التي أعطانا إياها الله وهي أن المسيح مات وقام من الأموات. (Arnold, as cited in Smith, TS, 425- 26)
كان سيمون جرينليف (1783- 1853) أستاذاً شهيراً للقانون بجامعة هارفارد وقد خلف القاضي چوزيف ستوري كأستاذ للقانون في نفس الجامعة عقب وفاة ستوري عام 1846.
وعن هذين العالمين الجليلين في القضاء يقول هـ.و. هـ. كنوت: «لجهود ستوري وجرنيليف يُعزى ارتقاء كلية حقوق هارفارد إلى مكانتها البارزة بين كليات الحقوق في الولايات المتحدة».
ألَّف جرنيليف مؤلفاً شهيراً عنوانه «بحث في فقه الأدلة» وهو لايزال يعد أعظم مرجع عن الأدلة في كافة مؤلفات الإجراءات القانونية. (Smith, TS, 423)
في عام 1846، وبينما كان جرنيليف لايزال أستاذاً للقانون في جامعة هارفارد، كتب كتاباً عنوانه «فحص شهادة الإنجيليين الأربعة، تأسيساً على فقه الأدلة المتبع في ساحات القضاء». وفي هذا العمل يقوم الكاتب بدراسة قيمة شهادة الرسل عن قيامة المسيح. وفيما يلي الملاحظات الهامة لرجل القانون الشهير هذا:
كانت الحقائق العظمى التي أعلنها الرسل هي أن المسيح قام من الأموات، وأنه بالتوبة عن الخطية والإيمان به فقط يمكن للإنسان أن ينتظر الخلاص. وهذه العقيدة أكدوا عليها بصوت واحد في كل مكان، ليس فقط في ظلّ ظروف غير مشجعة بالمرة، بل في وجه أقسى أنواع الشر التي يمكن أن تخطر على عقل إنسان. فسيدهم كان قد حكم عليه بالموت مؤخراً كفاعل شر بحكم من محكمة عامة. وكان دينه يسعى لقهر ديانات العالم كله. وكانت قوانين كل دولة ضد تعاليم تلاميذه، وكانت اهتمامات وآمال جميع الحكام والرجال العظماء في العالم ضدهم. كان أسلوب العالم ضدهم.
وفي كرازتهم بهذا الإيمان الجديد، حتى بأسلوبهم المسالم البعيد كل البعد عن العدوانية، لم يلقوا شيئاً سوى الازدراء والمقاومة والسبّ والاضطهادات المريرة والجلْد السجن والتعذيب والقتل المروع. ومع ذلك كرزوا بهذا الإيمان بغيرة وحماسة، وكل هذه الآلام احتملوها غير مروَّعين، بل فرحين. وإذ كان الواحد منهم يُقتل تلو الآخر كان الباقون يواصلون العمل بحماسة وتصميم أكبر. ونادراً ما نجد في كتب التاريخ التي تسجل الحروب العسكرية مثل هذه الأعمال البطولية من صمود وجَلَد وشجاعة لا تخور. لقد كان لديهم كل الدوافع الممكنة لمراجعة وفحص أسس إيمانهم بعناية، والأدلة على الحقائق العظمى التي بشروا بها، وهذه الدوافع كانت تضغط بشدة على وعيهم بآلام ومخاوف متكررة.
ومن ثم كان من المحال أن يصرّوا على تأكيد الحقائق التي ذكروها، لو لم يكن يسوع قد قام من الأموات حقاً، ولو لم يكونوا يعرفون هذه الحقيقة يقيناً كما يعرفون أي حقيقة أخرى. ولو كان ممكناً بالنسبة لهم أن ينخدعوا في هذا الأمر، فقد كان كل دافع بشري فيهم يقودهم إلى اكتشاف الخطأ والاعتراف به. أمَّا وأن يصرّوا على الاستمرار في كذبة كبيرة كهذه، بعد أن يعلموا بحقيقتها، فلم يكن يعني فقط مواجهة كل الشرور التي يمكن أن تصدر عن الإنسان وتوجَّه إليهم من الخارج مدى الحياة، ولكن أيضاً احتمال الآلام الداخلية وتأنيب الضمير، بلا رجاء في سلام قادم، أو شهادة من ضمير صالح، أو انتظار كرامة أو إعزاز بين الناس، أو رجاء في نوال السعادة في هذه الحياة، أو في العالم الآتي.
وهذا السلوك من جانب الرسل كان سيعد علاوة على ما سبق مخالف تماماً لحقيقة أنهم كانوا من طبيعة البشر العادية مثلنا تماماً. إذ أن حياتهم تعلن أنهم كانوا أناساً مثل سائر البشر، تحدوهم نفس الدوافع، وتدفعهم نفس الآمال، وتؤثر فيهم نفس الأفراح، وتضغط عليهم نفس الأحزان، وتثيرهم نفس المخاوف، وتعرض لهم نفس الآلام والتجارب والضعفات، كما نحن أيضاً. وتبين كتاباتهم أنهم كانوا أناساً ذوي مدارك نشطة ولو لم تكن شهاداتهم صحيحة آنذاك، لما كان هناك دافع لاختلاقها. (Greenleaf, TE, 28- 30)
ولعل چون لوك هو أعظم فلاسفة عصره. ويقول هذا العالم البريطاني في كتابه «برهان ثانٍ على معقولية المسيحية»: هناك بعض التفاصيل الخاصة في تاريخ مخلِّصنا لا تتناسب إلا مع المسيا، وهي علامات كثيرة يتَّصف بها، وإثباتها لشخص يسوع الناصري هو في حقيقة الأمر إثباتها بأنه المسيا، إذ تعبَّر هذه الصفات عن هذا الأمر. وأول هذه الأمور هو قيامته من الأموات، التي إذ تعتبر البرهان العظيم والملموس على أنه المسيا لا يستغرب معها أن من يؤمنون بقيامته يعدّون أيضاً مؤمنين بأنه المسيا، إذ أن إعلان قيامته كان إعلاناً بأنه المسيا. (Lock, SVRC, as cited in Smith, TS, 422- 23)
وقال بروك فوس وستكوت (1825- 1901) العالم الإنجليزي الذي عُين أستاذاً ملكياً في جامعة كمبريدچ عام 1870: «مع الأخذ في الاعتبار كافة البراهين والأدلة، لا نبالغ إذا قلنا أنه ليس هناك حادثة تاريخية أخرى تؤيدها مختلف البراهين بشكل أفضل من قيامة المسيح. وليس هناك ما يدعم فكرة نقص الأدلة سوى الافتراض المسبق بأنها غير حقيقية». (Little, KWHYB, 70)
وقال كيلفورد هيريثيل مور الأستاذ بجامعة هارفارد: «عرفت المسيحية مخلصها وفاديها ليس كإله يقبع تاريخه في إيمان أسطوري ذو عناصر فظة وبدائية وبذيئة.. كان يسوع شخصية تاريخية وليست أسطورية. ولم تفرض أسطورة غريبة أو فاسدة نفسها على المؤمن المسيحي، فإيمانه مؤسس على حقائق إيجابية تاريخية مقبولة». (Moore, as cited in Smith, GCWC, 48)
ويقول بنچامين دارفيلد من جامعة برينستون في بحثه: «قيامة المسيح حقيقة تاريخية بشهادة شهود العيان. إن تجسد الله السرمدي هو بالضرورة أمر عقائدي، فليست هناك عين بشرية يمكنها أن تشهد تنازله إلى مستوى البشر، وليس هناك لسان بشري يمكنه أن يشهد بذلك كحقيقة، إلا أنه لو لم يكن ذلك حقيقة، فإيماننا باطل، نحن بعد في خطايانا. ومن جهة أخرى تعدُّ قيامة المسيح حقيقة، حادثة تفوق إدراك البشر، تثبتها الشهادات الأخرى، ومع ذلك فهي العقيدة الأساسية لإيماننا، وعليها تعتمد كل العقائد الأخرى». (Warfield, RCHF, as cited in Smith, TS, 361- 62)
ويقدم لنا ولبر سميث عالماً بارزاً في عصرنا الحالي: أحد أعظم علماء الفسيولوچيا في جيلنا هو الدكتور أ. س. أيفي الأستاذ بقسم الكيمياء بجامعة إلينوي بشيكاغو، وقد عمل كرئيس لقسم الفسيولوچيا في كليات شيكاغو 1946 - 1953. وكان رئيساً للجمعية الفسيولوچية الأمريكية من 1939- 1949، وله أبحاث علمية كثيرة. ومن أقواله النافعة: «إنني أؤمن بقيامة يسوع المسيح بالجسد. وقد تقول: (إنها مسألة شخصية)، ولكنني لست أستحي من أن أعلن إيماني للعالم، وإنني يمكن أن أدافع عن هذا الإيمان بشكل عقلاني... صحيح أنني لا أقدر أن أبرهن إيماني هذا بذات الطريقة التي أبرهن بها بعض الحقائق العلمية. ولكن بعض هذه الحقائق كان غامضاً منذ مائة سنة كما لا تزال حقيقة القيامة اليوم. وعلى أساس البرهان التاريخي للمعلومات البيولوچية الراهنة، فإن العالم الأمين لفلسفة العلم يمكن أن يشك في قيامة المسيح بالجسد، لكنه لا يملك أن ينكرها، لأن هذا يعني أنه يستطيع إثبات أنها لم تحدث. صحيح أن علم البيولوچيا اليوم يقول إننا لا نقدر أن نقيم جسداً مات وقُبر منذ ثلاثة أيام، ولكن إنكار قيامة المسيح على أسس علم البيولوچيا كما هي الآن، هو موقف غير علمي حسب معلوماتي بفلسفة الموقف العلمي السليم». (Ivy, as cited in Smith, SR, 6, 22)
ويتحدث أرماند نيكولاي من كلية هارفارد الطبية عن ج. ن. د. أندرسون قائلاً إنه «عالم له صيت عالمي ذو خبرة وأهلية في موضوع الأدلة والبراهين. وهو يُعَد من العلماء البارزين على مستوى العالم... هو عميد كلية الحقوق بجامعة لندن ورئيس قسم القانون الشرقي بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية، ومدير معهد الدراسات القانونية المتقدمة بجامعة لندن». (Nicholi, as cited in Anderson, RJC, 4)
ويقول هذا العالم البريطاني الفذ الذي له أثر كبير اليوم في مجال القانون الدولي: «الأدلة على الأسس التاريخية للإيمان المسيحي، وصحة شهادة العهد الجديد لشخص المسيح وتعاليمه، وحقيقة وأهمية موته الكفاري، وحقيقة القبر الفارغ، وشهادة الرسل للقيامة، هي أدلة تشكل أساساً للإيمان». (Anderson, CWH, 106)
جلبرت وست و لورد لتلتون كانا شابين متحمسين وكانا صديقين للدكتور چونسون والكسندر بوب. وقد عزما على مهاجمة أسس الإيمان المسيحي. فعزم لتلتون على برهنة أن شاول الطرسوسي لم يصر مسيحياً، وعزم وست على برهنة أن المسيح لم يقم من قبره.
والتقيا بعد وقت لمناقشة ما وصلا إليه. وكانا كلاهما مرتبكاً لأنهما توصلا، كل على حدة، إلى نفس النتائج المحيرة. اكتشف لتلتلون بالدراسة أن شاول الطرسوسي قد أصبح شخصاً جديداً تماماً باعتناقه المسيحية، واكتشف وست أن الأدلة تشير بشكل قاطع إلى حقيقة قيامة المسيح من الأموات. وقد ألَّف كتاباً عنوانه: «ملاحظات على تاريخ قيامة يسوع المسيح وبراهينها»، ونُشر في عام 1747. ويمكننا أن نجد كتابه هذا في المكتبات الكبرى. وعلى الصفحة الأولى من الكتاب طُبعت كلمات النصح الآتية التي وردت في سفر حكمة يشوع بن سيراخ والتي يمكن أن يستفيد منها أي متشكك في العصر الحديث: «لا توجِّه اللوم قبل فحص الحقيقة». (Green, MA, 55- 56)
تشير الأدلة بشكل قاطع إلى حقيقة أن يسوع قام في اليوم الثالث. تلك هي النتيجة التي توصَّل إليها لورد دارلنج كبير القضاة السابق في انجلترا. ففي مأدبة عشاء خاصة دار الحديث حول حقيقة المسيحية، وخاصة حول كتاب معين يتحدث عن القيامة. فقال لورد دارلنج بكل مهابة وحزم: «نحن المسيحيين مطالبون بأن نقبل أشياء كثيرة بالإيمان مثل تعاليم يسوع ومعجزاته، ولو كان علينا أن نقبل كل شيء بالإيمان، لراودني الشك، ولكن ذروة المسألة هي ما يختص بحقيقة هل عاش يسوع فعلاً وماذا قال عن نفسه، وكل ذلك يستند إلى حقيقة القيامة، فعلى هذه الحقيقة يرتكز إيماننا، والأدلة على هذه الحقيقة أدلة قاطعة حاسمة إيجابياً وسلبياً، سواء من جهة الوقائع أو الظروف، حتى أنه لا يوجد رجل قانون عاقل يتردد في الحكم بصحة قصة القيامة». (Green, MA, 53- 54)
3(ب) شهادة آباء الكنيسة الأولين
يقول سبارو- سمبسون: «لا شك أن القيامة تحتل المكانة التالية بعد تجسُّد المسيح في الكتابات المسيحية الأولى. وهناك إشارات كثيرة لها في العصر ما بعد الرسولي، كما توجد رسائل كاملة مخصصة لموضوع القيامة كتبت في القرن الثاني مثل أعمال أثينا جوراس وچاستن مارتر». (Sparrow, - Simpson, RCF, 339)
ويعلق برنارد رام قائلاً: «في كل من التاريخ الكنسي وتاريخ العقيدة نجد القيامة حقيقة ثابتة منذ العصور المبكرة. فيذكرها أكليمندس الروماني في رسالته إلى كورنثوس (95م)، كما تذكرها وثائق التاريخ الكنسي المبكر خلال عصر الآباء. كما ترد في جميع قوانين الإيمان الرسولي ولم يعارضها أحد». (Ramm, PCE, 192)
ويقول سبارو- سيمبسون:
إن مادة إنجيل أغناطيوس (حوالي 50- 115م) هي يسوع المسيح والمسيحية التي هي «الإيمان به والمحبة له، والإيمان بآلامه وقيامته». وهو يحضّ كل مسيحي على الإيقان بميلاده وآلامه وقيامته يصف يسوع المسيح بأنه «رجاؤنا بالقيامة» فقيامة يسوع هي وعد بقيامتنا أيضاً. (Sparrow- Simpson, RCF, 339)
ويقول سبارو- سمبسون أيضاً: «في رسالة القديس بوليكاربوس إلى أهل فيلبي (حوالي 110م) يتحدث الكاتب عن يسوع المسيح ربنا الذي «احتمل حتى الموت من أجل خطايانا، الذي أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت». وهو يقول إن الله «أقام ربنا يسوع المسيح من الأموات وأعطاه مجداً وأجلسه على العرش عن يمينه، وأخضعت له كل الأشياء مما في السماء وما على الأرض». ويسوع المقام «سيأتي دياناً للأحياء والأموات»، وقال أيضاً: «الذي أقامه من الأموات سوف يقيمنا أيضاً، إن صنعنا مشيئته وسلكنا في وصاياه».
«كان يسوع الممجد بالنسبة لبوليكاربوس هو «رئيس الكهنة الأبدي» وكانت صلاة هذا الأسقف الأخيرة قبل استشهاده أن يكون له نصيب في عداد الشهداء في كأس المسيح، إلى قيامة الحياة الأبدية للروح والجسد في عدم فساد الروح القدس. (Sparrow- Simpson, RCF, 341)
ويقول سبارو- سيمبسون في رسالة چاستن مارتر عن القيامة (حوالي 100- 165م): إنها «تتناول عقيدة مسيحية خاصة. كانت الأصوات المعارضة للإيمان في ذلك العصر، تقول إن القيامة مسألة مستحيلة، فهي مسألة غير مرغوب فيها لأن الجسد هو سبب الخطية، وهي مسألة غير معقولة لأنه لا معنى لاستمرار أعضاء الجسد. وقالت تلك الأصوات أيضاً أن قيامة المسيح كانت في الظاهر فقط ولم تكن حقيقة بالجسد. وجاوب چاستن مارتر على هذه الاعتراضات والصعوبات». (Sparrow- Simpson, RCF, 342)
ويذكر إلچين موير في كتابه «شخصيات تاريخ الكنيسة» أحد آباء الكنيسة وهو ترتليان: (حوالي 160- 220م) وهو أحد آباء الكنيسة اللاتين والمدافعين عن الإيمان، وُلد في قرطاج بشمال أفريقيا. وقد تلقَّى تعليماً وافراً مما يسَّر له الكتابة باللغتين اليونانية واللاتينية، ومعرفة السياسة والقانون والبلاغة الشرعية. وبعد أن عاش ثلاثين أو أربعين سنة في حياة الخلاعة، اعتنق المسيحية بإيمان عميق حوالي عام 190م، وكرَّس باقي حياته للدفاع عن المسيحية ضد الوثنيين واليهود والهراطقة. وكان مدافعاً قوياً عن الإيمان». (Moyer, WWCH, 401)
وينتهى برنارد رام إلى أن: «رؤية غير المؤمن لابد أن تنكر جميع شهادات الآباء... وتفترض أن هؤلاء الناس لم يكن لديهم الدافع أو المعايير التاريخية لفحص حقيقة قيامة المسيح. إن آباء الكنيسة تعتبرهم كل من الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الكاثوليكية الرومانية والكنيسة الإنجيلية ثقاة، ويوقِّرهم الإصلاحيون، ويشهد لهم جميع اللاهوتيين، إلا أن غير المؤمنين يسقطونهم من الحسبان. فهم يثقون فيما كتبوه من أمور العقيدة واللاهوت عن عصر الرسل أو ما بعده، أما في الأمور المتصلة بالحقائق والوقائع فلا يعتدَّون بشهادتهم. ولكن هذا أمر لابد منه، وإلا فلن تصمد إدعاءات غير المؤمنين». (Ramm, PCE, 206)
6(أ) مشاهد حول حادثة القيامة
1(ب) مشاهد ما قبل القيامة
1(ج) يسوع مات
فبيلاطس إذ كان يريد أن يعمل للجمع ما يرضيهم أطلق لهم بابراباس وأسلم يسوع بعد ما جلده ليصلب. فمضى به العسكر إلى داخل الدار التي هي دار الولاية وجمعوا كل الكتيبة. وألبسوه أرجواناً وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه عليه. وابتدأوا يسلمون عليه قائلين السلام يا ملك اليهود. وكانوا يضربونه على رأسه بقصبة ويبصقون عليه ثم يسجدون له جاثين على ركبهم. وبعدما استهزأوا به نزعوا عنه الأرجوان وألبسوه ثيابه ثم خرجوا به ليصلبوه. (مرقس 15: 15- 20).
يصف چون ماتنجلي عملية جلْد المتهم قبل صلبه قائلاً: «كانوا عادة ينزعون ثياب المجرم المحكوم عليه، ثم يوثوقونه إلى عمود في ساحة المحكمة. وبعد ذلك تنهال عليه الضربات الوحشية من الجلادين. ورغم أن الشريعة اليهودية تحدد عدد الجلدات بأربعين، إلا أن الرومان لم يجعلوا للجلدات حدوداً، فكان المتهم تحت رحمة جلاَّديه».
كانت الأداة الوحشية المستخدمة في الجلد تسمى Flagrum. ويصف هذه الأداة قائلاً: «يمكننا أن ندرك بسهولة كيف كانت أجزاء السوط الطويلة التي تنتهي بكرات عظمية أو معدنية تمزق الجسد». (Mattingly, COAC, 21)
ويصف الأسقف والمؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري في القرن الثالث في «رسالة الكنيسة في سميرنا» عملية الجلْد الرومانية للمحكوم عليهم قائلاً عن المجلود «كانت عروقه تظهر.. وكانت عضلاته وأعصابه وأحشاؤه تتكشف». (Mattingly, COAC, 73)
ويقول چون ما تنجلي نقلاً عن چون بيتر لانج عن ألام المسيح: «لعل جلدات المسيح قد تجاوزت قسوة الجلد المعتادة. فرغم أن عملية الجلد كان يقوم بها جلادون متخصصون، يعتقد لانج أن بيلاطس لم يكن لديه جلادون تحت يده، ومن ثم فقد استخدم العساكر بدلاً منهم. ومن الطبيعة الوحشية لهؤلاء العساكر يمكننا أن نتصور كيف تجاوزت قسوتهم قسوة الجلادين المتخصصين». (Mattingly, COAC, 33)
وبعد أن كابد أقسى أشكال العقاب الجسدي، كان على المسيح أن يتحمل عناء الرحلة إلى موضع الصلْب في الجلجثة. ويقول ما تنجلي عن هذه المرحلة في آلام المسيح:
1- ولابد أن التجهيز لهذه المسيرة كان سبب ألم شديد للمسيح، فيقول متى: «وبعدما استهزأوا به نزعوا عنه الرداء وألبسوه ثيابه ومضوا به للصلْب» (متى 27: 31). ولا شك أن نزع الرداء وإلباسه ثيابه على الجروح التي نتجت عن الجلد سببت الألم الكثير. (Mattingly, COAC, 35)
2- إن عبارة مرقس «وجاءوا به إلى موضع جلجثة» (مرقس 15: 22) تعني أن يسوع عجز عن السير فأحضروه قسراً أو حملوه إلى موضع الصلْب. وهكذا انتهت الآلام الرهيبة لمرحلة ما قبل الصلب، لتبدأ عذابات الصلب نفسه. (Mattingly, COAC, 36)
ويقول ما تنجلي عن عملية الصلب نفسها: «لا شك أن آلام الصلب كانت شديدة وقاسية. وقد أدرك خطيب روما الشهير ماركوس توليوس شيشرون بشاعة هذه الآلام فقال: يجب ألا تتردد كلمة الصليب على شفاه مواطني روما، بل يجب ألا تخطر على بالهم أو تمر أمام عيون خيالهم أو تطرق مسامعهم. (Mattingly, COAC, 62) (Marcus Tullius Cicero, pro Rabirio, V, 16)
ويقول مايكل جرين في وصفه آلام يسوع الجسدية: «بعد أن قضى يسوع ليلة بلا نوم، لم يتناول خلالها أي طعام، احتمل السخرية في محاكمتين، ومزقت جسده جلدات الرومان الوحشية، ثم اقتادوه إلى الصلْب. وكانت هذه أشنع وسيلة للإعدام، فكان كل عصب في الجسد يصرخ من شدة الألم». (Green, MA, 32)
ويرسم فريدريك فارار صورة حية للموت صْلباً:
إن موت الصليب يحمل في طياته كافة ألوان العذاب المريعة: الدوار والشد العضلي والعطش والجوع والأرق والحمى والتشنج والخزي والعار والآلام المستمرة والفزع من انتظار ما سيحدث والموت البطيء من الجراح المهملة- كل هذه الآلام اشتدت وتفاقمت بما لا يمكن احتماله، إلا أنها بقيت دون حد الإغماء فلم تتح للمصلوب الراحة من آلامه بفقدان الوعي.
وكان وضع المصلوب غير الطبيعي يسبب له آلاماً مع كل حركة، فكانت العروق الممزقة والأوتار المتقطعة تنبض بالألم المستمر، وكانت الجروح المكشوفة تلتهب وتكوِّن الصديد تدريجياً، وكانت الشرايين عند الرأس والبطن تحتقن بالدماء، وبينما أخذت هذه الآلام تشتد شيئاً فشيئاً، زاد عليها آلام العطش المستمرة والرهيبة. وتضافرت كل هذه الآلام الجسدية مسببة توتراً وقلقاً نفسياً مما جعل لحظة الموت - هذا العدو المجهول الذي يرتعب من قدومه الإنسان- تحمل مظهر الراحة المستعذبة. (Farrar, LC, 440)
«وجاءوا به إلى موضع جلجثة الذي تفسيره موضع جمجمة. وأعطوه خمراً ممزوجة بمُر ليشرب فلم يقبل. ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها ماذا يأخذ كل واحد. وكانت الساعة الثالثة فصلبوه. وكان عنوان علَّته مكتوباً ملك اليهود. وصلبوا معه لصين واحداً عن يمينه وآخر عن يساره... وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين آه يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام. خلص نفسك وانزل عن الصليب. وكذلك رؤساء الكهنة وهم مستهزئون فيما بينهم مع الكتبة قالوا خلَّص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلَّصها. لينزل الآن المسيح ملك إسرائيل عن الصليب لنرى ونؤمن. واللذان صلبا معه كانا يعيرانه. ولما كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة. وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إلوي إلوي لما شبقتني. الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني. فقال قوم من الحاضرين لما سمعوا هوذا ينادي إيليا. فركض واحد وملأ إسفنجة خلاً وجعلها على قصبة وسقاه قائلاً اتركوا. لنر هل يأتي إيليا لينزله. فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح. وانشق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل. ولما رأى قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم الروح قال حقاً كان هذا الإنسان ابن الله». (مرقس 15: 22- 27، 29 - 39)
ويقول إ. هـ. داي: «يؤكد القديس مرقس على تعجب بيلاطس عند سماعه بموت المسيح سريعاً، ولم يسمح بإنزال الجسد عن الصليب إلا بعد التأكد من ذلك بسؤال قائد المئة. ولم تكن مظاهر الموت غريبة على الجنود الرومان، فكان موت الصليب شيئاً مألوفاً بالنسبة لهم» (Day, ER, 46- 48) ويشير مايكل جرين إلى أن عمليات الصلب لم تكن غير شائعة في فلسطين. (Green, MA, 32).
طلب بيلاطس التحقق من موت المسيح. ويعلِّق جرين على هذا قائلاً: «أتى أربعة من العسكر لفحص المصلوب قبل أن يسمح ليوسف الرامي صديقه بأن يأخذ الجسد ليدفنه». (Green, MA, 32)
ويقول جرين عن هؤلاء الأربعة المتخصصين في فحص موت المصلوب: «كان بمقدورهم تمييز الشخص الميت- كما أن قائدهم كان قد سمع صرخة الموت بنفسه من المصلوب وأبلغ بيلاطس البنطي الوالي بذلك». «ولما رأى قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم الروح قال حقاً كان هذا الإنسان ابن الله» (مرقس 15: 39). «فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعاً فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات» (مرقس 15: 44). (Green, MA, 32- 33)
ويقول چون ستوت: «اندهش بيلاطس حقاً من موت يسوع سريعاً، ولكنه تأكد من ذلك بسؤال قائد المئة فسمح ليوسف بإنزال الجسد عن الصليب». (Stott, BC, 49)
وينوه داي إلى أن «قصة إنجيل متى عن حراسة القبر هو دليل واضح على أن اليهود من جهتهم تيقنوا من موت يسوع». (Day, RE, 46- 48)
ويقول الأستاذ داي متحدثاً عن كتاب «الأسباب الجسدية لموت المسيح» إن مؤلفه چيمس طومسون برهن أن موت المسيح لم ينتج عن الإنهاك الجسدي أو آلام الصلْب، بل نتج عن مشاعر الحزن الشديدة التي أدت إلى انفجار القلب. ويثبت نشاطه العقلي والبدني في أثناء عملية الصلب بما لا يدع مجالاً للشك أن موته لم يكن نتيجة لنفاذ قوته، ويأتي الطعن بالحربة من قِبَل أحد العسكر ليعلن للعالم أن موته نتج عن انفجار القلب». (Day, ER, 48- 49)
وفي بحث نشر في «جريدة الاتحاد الطبي الأمريكي» يستدل الكاتب من روايات الإنجيل على أن يسوع كان قد مات بالفعل قبل إنزاله عن الصليب: «من الواضح أن جميع الأدلة التاريخية والطبية تشير إلى أن يسوع كان قد مات قبل طعن جنبه وهذا يؤيد الرأي التقليدي بأن الحربة التي طعنت جنبه الأيمن ومرت بين الضلوع، ربما اخترقت ليس فقط الرئة اليمنى بل أيضاً غشاء التامور والقلب وهكذا تأكد موته. وعلى ذلك فإن الآراء التي تفترض أن يسوع لم يمت على الصليب تتناقض مع العلوم الطبية الحديثة». (Edwards, PDJC, 1463)
ويقدم الدكتور صموئيل هويتون عالم الفسيولوچيا الكبير بجامعة دبلن رؤيته عن العلَّة الجسدية لموت المسيح:
عندما طعن العسكري جنب المسيح بحربته، كان قد مات بالفعل. وتدفق الدم والماء من جنبه إما أنه ظاهرة طبيعية قابلة للتفسير بالعلل الطبيعية أو أنه معجزة. ويبدو من رواية يوحنا أنه لو لم تكن هذه معجزة فإنها على الأقل ليست ظاهرة عادية، ويظهر هذا من تعليق يوحنا على ذلك وتأكيده على صحة هذه القصة.
دلَّت الملاحظات والتجارب المتكررة التي أجريت على الإنسان والحيوان على النتائج التالية: عند طعن الجانب الأيسر من الجسد، بعد الوفاة، بسكين كبيرة تساوي في الحجم حربة الجندي الروماني، سجلت المشاهدات التالية:
1- لا يخرج شيء إلا قطرات قليلة من الدم.
2- سيل من الدم فقط يخرج من الجرح.
3- دفق من الماء فقط تتبعه قطرات قليلة من الدم.
وفي هذه الحالات الثلاث تغلب الحالة الأولى. أما الحالة الثانية فتحدث في حالات الموت غرقاً أو بتسمم الإستركنين، ويمكن مشاهدتها في الحيوان الذي يموت بهذا السم، ويمكن البرهنة على أنه الحالة العادية للشخص المصلوب. أما الحالة الثالثة فتحدث في حالة الموت بذات الجنب أو التهاب التامور أو انفجار القلب. وهذه الحالات التي ذكرناها يعرفها معظم أساتذة التشريح ممن وجَّهوا اهتمامهم لدراسة هذا الموضوع، ولكن الحالتين التاليتين رغم كونهما قابلتين للتفسير من الناحية الفسيولوچية، لا تسجلهما المراجع (إلا في إنجيل يوحنا) ولم يحالفني الحظ في أن أصادفهما:
4- سيل غزير من الماء يتبعه سيل غزير من الدم، عند الجرح.
5- سيل غزير من الدم يتبعه سيل غزير من الماء، عند الجرح.
ويحدث الموت صلباً احتقان الرئتين بالدم كما في حالة الغرق أو التسمم بالإستركنين. وتحدث الحالة الرابعة للمصلوب الذي كان يعاني قبل الصلب من حالة انسكاب رئوي. أما الحالة الخامسة فتظهر في المصلوب الذي يموت على الصليب نتيجة انفجار في القلب. ودراسة تاريخ الأيام الأخيرة من حياة المسيح تظهر أنه لم يكن مصاباً بحالة انسكاب رئوي قبل الصلب، وهي أيضاً غير واردة عند خروج الدم أولاً ثم الماء من الجرح. وعلى هذا لا يبقى أمامنا إلا احتمال خروج الدم والماء من جنب المسيح بسبب الصلب وحدوث انفجار في القلب.
وسبب موت المسيح هو حدوث انفجار في القلب كما يؤكد على ذلك الدكتور وليم ستراود، وأعتقد أنا أيضاً ذلك». (Houghton, as cited in Cook, CHB, 349 - 50)
يصف الرسول يوحنا بدقة بالغة ما رأه في الجلجثة . وعن ذلك يقول الدكتور هويتون: «ودلالة ذلك واضحة فهو يؤكد أن رواية القديس يوحنا في الأصحاح 19 لا يمكن أن تكون مختلقة، وأن الأحداث المدونة قد سجلها شاهد عيان، وأن هذا الشاهد قد تعجب مما رآه وأعتبر أن معجزة قد صاحبت الصلب». (Houghton, as cited in Cook, CHB, 349- 50)
ويكتب مايكل جرين عن موت المسيح قائلاً:
يخبرنا شاهد عيان عن خروج «دم وماء» من جنب يسوع المطعون (يوحنا 19: 34 و35). ويعلق هذا الشاهد أهمية كبيرة على هذا الأمر. فلو كان يسوع حياً عندما طعن جنبه، لخرجت دفقات غزيرة من الدماء مع كل نبضة من قلبه. إلا أن الشاهد قد لاحظ خروج دفقة من الدم المتخثر القاتم اللون وشبه الصَّلب، وهذه الدفقة تتميز وتنفصل عن الماء الذي خرج في الوقت نفسه. وهذا يدل على تخثر الدم في الشرايين الأساسية، وهو برهان طبي قوي على حدوث الموت. وما يزيد من قوة هذا البرهان أن البشير يوحنا لم يكن يعرف دلالة ذلك بالنسبة لعلْم الباثولوجي. إن خروج «دم وماء» من طعنة الحربة هو دليل إيجابي على أن يسوع كان قد مات. (Green, MA, 33)
ويقول صموئيل تشاندلر: «يتفق البشيرون جميعهم على أن يوسف طلب جسد يسوع من بيلاطس، الذي لما عرف من قائد المئة الذي كان يحرس الصليب أن يسوع قد مات وهب الجسد ليوسف». (Chandler, RJC, 62- 63)
ويؤكد تشانلدر أن: «عملية لف الجسد الميت مع الأطياب التي قام بها يوسف ونيقوديموس كعادة اليهود في الدفن هي برهان أكيد على أن يسوع كان قد مات، وأنهم أدركوا ذلك. ولو بقى أي أثر للحياة فيه عند إنزاله من على الصليب، لكانت الرائحة النفاذة القوية للمر والطيب، ولف الجسد بالكتان والوجه بمنديل كعادة اليهود في الدفن، كفيلة بالقضاء عليه». (Chandler, RJC, 62- 63)
ويقول الأستاذ ألبرت روبر: «صلب الجنود الرومان يسوع طبقاً للقوانين الرومانية، التي كان عليهم أن ينفذوها بكل حذافيرها». (Roper, JRD, 33)
وختاماً لهذا الموضوع، نوافق على شهادة الرسول يوحنا فيما يختص بمشاهداته لموت المسيح إذ يقول موثقاً شهادته: «الذي عاين شهد وشهادته حق وهو يعلم أنه يقول الحق» (يوحنا 19: 35).
2(ج) القبر
يشير ولبر م. سميث إلى أن كلمة «قبر» قدر وردت اثنتين وثلاثين مرة في روايات الأناجيل الأربعة عن القيامة». (Smith, IFET, 38)
كان قبر يوسف الرامي صباح يوم أحد القيامة هو حقاً موضوع اهتمام البشيرين الأربعة.
ويذكر سبارو- سيمبسون الملاحظات التالية عن دفن المسيح: كانت عادة الرومان أن يتركوا المصلوب معلَّقاً على الصليب لتنهشه الطيور والوحوش. وبالطبع كانت هناك استثناءات لهذه القاعدة. ويذكر أن يوسيفوس (Autobiography, ch. 75, Wars of the Jews, IV, v.2) أقنع الإمبراطور تيطس أن ينزل عن الصليب ثلاثة أشخاص كانوا لايزالون أحياء. فهل ينكر أحد هذه الحادثة كحادثة تاريخية لأنها كانت على خلاف ما هو متبع؟ أما العادة اليهودية فلا مراء أنها كانت دفن المجرم طبقاً للشريعة اليهودية. إلا أن يوسيفوس يؤكد لنا أنه حتى اليهود كسروا شريعة الدفن هذه في بعض الأحيان، إذ كتب في كتاب «حروب اليهود»: «لقد وصلوا إلى حد إلقاء أجساد المجدفين القتلى دون دفن، رغم أن اليهود اعتادوا العناية بدفن أجساد الموتى، حتى أنهم كانوا ينزلون أجساد المصلوبين عن الصليب لدفنها قبل غروب الشمس».
ويعتقد لويسي أن أقارب المصلوب كان يمكن لهم الحصول على تصريح بدفنه. إلا أن هذا لم يحدث مع أي قريب ليسوع، فلم يقم أي من تلاميذه الاثنى عشر بذلك. كما أن الثلاثة رجال المصلوبين الذين أقنع يوسيفوس الامبراطور بإنزالهم عن الصليب لم يكونوا أقارب له بل أصدقاءه فقط. وهو ىذكرهم باعتبارهم معارفه السابقين». ويمكن الاحتجاج على عدم مصداقية طلب يوسيفوس هذا، وعلى الاستجابة له. إلا أن أحداً لا يشكك في هذه الحقائق. فكثيراً ما يتم الاستشهاد بها كوقائع صحيحة. فلماذا نستبعد أن يكون يوسف الرامي قد قدَّم طلباً مماثلاً لبيلاطس؟. (Sparrow- Simpson, RCF, 12- 22)
ويقدم لنا هنري لاثام في كتاب «السيد المقام» المعلومات التالية عن دفن يسوع. وهو يستشهد أولاً. بوصف قبر ربنا عند اكتشافه على يد الإمبراطورة هيلانة. وهذا الوصف يقدمه يوسابيوس القيصري - أبو التاريخ الكنسي. وهو مأخوذ عن كتاب «الثيوفانيا»- وهو عمل أعيد اكتشافه خلال هذا القرن ونشر الدكتور لي ترجمة له في كمبريدچ عام 1843.
والقبر نفسه كهف منحوت على ما هو واضح، كهف محفور في الصخر لم يُدفن فيه أحد آخر من قبل. لأنه كان ينبغي لهذا القبر، الذي كان آية في حد ذاته أن يصون هذا الجسد وحده، إذ أنه من المدهش أن ترى هذه الصخرة قائمة وحدها على أرض مستوية، وبها كهف واحد فقط. ولو كان هناك أكثر من كهف، لكانت معجزة هذا الذي قهر الموت غامضة. (Latham, RM, 87- 88)
ويقول جوينبر في كتابه «يسوع»، صفحة 500، هذه العبارة التي لا تستند إلى دليل: «والحقيقة هي أننا لا نعرف، ولا التلاميذ أيضاً على الأرجح، أين ألقى الجلادون جسد يسوع بعد إنزاله عن الصليب. إن إلقائه في حفرة معدة لمن حكم عليهم بالإعدام هو احتمال أرجح من وضعه في قبر جديد». (Guignebert, J, as cited in Smith, TS, 372).
«ولما كان المساء جاء رجل غني من الرامة اسمه يوسف. وكان هو أيضاً تلميذاً ليسوع. فهذا تقدم إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع. فأمر بيلاطس حينئذ أن يعطي الجسد». (متى 27: 57ب و58)
«ولما كان المساء إذ كان الاستعداد، أي ما قبل السبت، جاء يوسف الذي من الرامة مشير شريف وكان هو أيضاً منتظراً ملكوت الله فتجاسر ودخل إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع. فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعاً، فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات. ولما عرف من قائد المئة وهب الجسد ليوسف». (مرقس 15: 42- 45)
«وإذا رجل اسمه يوسف وكان مشيراً ورجلاً صالحاً باراً. هذا لم يكن موافقاً لرأيهم وعملهم. وهو من الرامة مدينة لليهود. وكان هو أيضاً ينتظر ملكوت الله. هذا تقدم إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع» (لوقا 23: 50- 52).
«ثم إن يوسف الذي من الرامة وهو تلميذ يسوع ولكن خفية لسبب الخوف من اليهود سأل بيلاطس أن يأخذ جسد يسوع. فأذن بيلاطس فجاء وأخذ جسد يسوع» (يوحنا 19: 38).
1(د) يضع الأستاذ جوينبر هذه الافتراضات دون أي برهان يؤيدها.
2(د) وهو يغفل تماماً شهادة المصادر العلمانية والكنيسة على هذه الأحداث في القرون الثلاثة الأولى.
3(د) وهو يغفل أيضاً قصة الأناجيل الواضحة:
1(هـ) فلماذا نجد هذه القصة إن لم يكن يوسف الرامي قد أخذ الجسد فعلاً؟
إن النصوص تتحدث عن نفسها. ولا يمكن لجسد يسوع أن يكون قد ألقى في حفرة للمصلوبين.
2(هـ) وماذا عن أحداث الإعداد للدفن؟
لماذا سجلت هذه الأحداث إن لم تكن قد حدثت بالفعل؟
3(هـ) وماذا عن النسوة اللاتي كن يشاهدن يوسف الرامي ونيقوديموس أثناء تكفين جسد يسوع ووضعه في القبر؟
«وتبعنه نساء... ونظرن القبر وكيف وضع جسده» (لوقا 23: 55).
«وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر» (متى 27: 61).
«وكانت مريم المجدلية ومريم أم يوسي تنظران أين وُضع» (مرقس 15: 47). ولا شك أن هولاء النسوة كن يعرفن القبر، كما تسجل لنا الأناجيل.
4(هـ) وكيف نتجاهل المعلومات التي وردت عن القبر؟
«فأخذ يوسف الجسد... ووضعه في قبره الجديد» (متى 27: 59 و60) الذي «كان منحوتاً في صخرة» (مرقس 15: 46)، «حيث لم يكن أحد وضع قط» (لوقا 23: 53)، الذي كان «في الموضع الذي صلب فيه... في البستان» (يوحنا 19: 41).
ويذكر لنا العالم اليوناني هنري ألفورد ملاحظاته على الشواهد الموجودة في روايات الإنجيل: «متَّى وحده يذكر أن القبر كان خاصاً بيوسف. ويذكر يوحنا أنه كان في بستان و«في الموضع الذي صلب فيه» ويشير البشيرون جمعيهم ماعدا مرقس إلى أن القبر كان جديداً. ولكن يوحنا لا يذكر أن القبر كان ملكاً ليوسف». (Alford, GTCRT, 298-99)
وهو يقول عن يوسف الرامي: «السبب في رغبة يوسف أن يضع الجسد هناك هو أن القبر كان قريباً، وكان الاستعداد للسبت يستوجب السرعة». (Alford, GTCRT, 298-99)
ومن تعليقات الفورد يمكننا أن نستدل من هذه المعلومات على أن القبر (1) لم يكن كهفاً طبيعياً، ولكنه كان كهفاً منحوتاً في صخرة. (2) وأنه لم يكن محفوراً إلى أسفل، كما في قبورنا، بل أفقياً في الصخر. (Alford, GTCRT, 298-99)
«فأخذ يوسف الجسد ولفَّه بكتان نقي» (متى 27: 59).
«فاشترى كتاناً فأنزله وكفنه بالكتان» (مرقس 15: 46).
«وبعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه» (مرقس 16: 1).
«فرجعن (أي النسوة اللاتي جئن معه من الجليل) وأعددن حنوطاً وأطياباً» (لوقا 23: 56).
«فجاء (يوسف الرامي)... وجاء أيضاً نيقوديموس... وهو حامل مزيج مر وعود نحو مئة منا. فأخذا جسد يسوع ولفَّاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا» (يوحنا 19: 38- 40).
5(هـ) لماذا طلب اليهود من بيلاطس أن يضع حراساً على القبر، إن لم يكن هناك قبر؟
«وفي الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس قائلين. يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم. فمر ضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلاً ويسرقوه ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات. فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى فقال لهم بيلاطس عندكم حُرَّاس. اذهبوا واضبطوه كما تعلمون. فمضوا وضبطوا القبر بالحُرَّاس وختموا الحجر» (متى 27: 62- 66).
إن الحقيقة واضحة في هذا الأمر، وكما يقول ماجور: «لو أن جسد المسيح كان قد ألقي في مقبرة عامة وأهمل هناك، لما كان هناك داع لقلق أعدائه وإشاعة أن جسده قد سرق». (Major, as cited in Smith, TS, 578)
6(هـ) «وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر» (متى 28: 1)
«وباكراً جداً في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس» (مرقس 16: 2).
«ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين (أي النساء اللاتي خرجن معه من الجليل) إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس» (لوقا 24: 1).
«وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باق فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر» (يوحنا 20: 1).
لو لم يكن يسوع قد دُفن فعلاً في قبر يوسف، لما ورد ذكر لزيارة النسوة هذه في الأناجيل.
7(هـ) ثم ماذا نقول عن زيارة بطرس ويوحنا للقبر بعد أن سمعا أخبار النسوة؟
«فقام بطرس وركض إلي القبر فانحنى ونظر الأكفان موضوعة وحدها فمضى متعجباً في نفسه مما كان». (لوقا 24: 12).
«فخرج بطرس والتلميذ الآخر (أي يوحنا) وأتيا إلى القبر. وكان الاثنان يركضان معاً. فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولاً إلى القبر وانحنى فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل. ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده. فحينئذ دخل أيضاً التلميذ الآخر الذي جاء أولاً إلى القبر ورأى فآمن». (يوحنا 20: 3- 8).
ويتجاهل جوينبر هذا الدليل أيضاً.
8(هـ). ويقول ولبر م. سميث عن النظرية التي يفترضها جوينبر: «إن جوينبر ينكر ما تذكره الأناجيل بوضوح من أن جسد يسوع وضع في قبر يوسف الرامي. وهو لا يورد أدلة على إنكاره، ولكنه يضع فرضاً ينبع من خياله، وليس من خياله فقط بل من رؤيته الفلسفية المسبقة والمتحيزة، وليس من التاريخ». (Smith, TS, 372)
إن البراهين تتحدث عن نفسها، ولكن الأستاذ جوينبر يرفض الاعتراف بها لأنها لا تتفق مع رؤيته التي تعتبر المعجزات أمراً غير وارد. ويصل الأستاذ الفرنسي إلى نتائجه رغماً عن البراهين وليس منها. ويقول سميث عن نظريته: «إننا نرفض هذه النظرية، حيث لا أساس تاريخي لها، ولهذا السبب فهي لا تستحق المزيد من الدراسة بعد دراسة الوثائق التاريخية الأربع التي لدينا، والتي تعرف باسم الأناجيل». (Smith, TS, 372)
3(ج) الدفن
في مناقشته لقصة دفن يسوع في قبر يوسف الرامي، كتب ولبر سميث: إن ما نعرفه عن دفن الرب يسوع يفوق ما نعرفه عن دفن أي شخصية أخرى في التاريخ القديم كله. فنحن نعرف عن دفنه أكثر مما نعرفه عن أي شخصية أخرى في العهد القديم، أو ملوك بابل، أو فراعنة مِصر، أو فلاسفة الإغريق، أو قياصرة الرومان. إننا نعرف من أخذ جسده من على الصليب، ونعلم شيئاً عن تعطير جسده بالأطياب وعن أكفانه، ونعرف القبر الذي دُفن فيه، واسم صاحبه، يوسف من مدينة تدعى الرامة. ونعرف أيضاً أن موضع القبر كان في بستان قريب من مكان الصلب، خارج أسوار المدينة. وعندنا أربعة سجلات تاريخية عن الدفن، تتوافق جميعها، واحد منها لمتى تلميذ المسيح الذي حضر حادثة الصلب. والثاني لمرقس الذي يقول البعض إنه كتب القصة بعد صعود الرب بأقل من عشر سنوات. والثالث للوقا المؤرخ العظيم ورفيق الرسول بولس. والرابع ليوحنا آخر من غادر مكان الصلب، وكان مع بطرس، أول من رأى القبر الفارغ صباح أحد القيامة. (Smith, TS, 370- 71)
ويقول المـؤرخ ألفـريـد إديرشايم عن عادات الدفن عند اليهود: لم يكن الأغنياء وحدهم هم الذين يملكون قبوراً خاصة، بل كان متوسطو الحال أيضاً لهم قبور، وكانوا يجهزون القبر قبل الحاجة إليه بوقـت طويل، وكانت القبور تورَّث وتَّعامل على أنها ملكية خاصة. وفي هذه الكهوف، أو القبور المنحوتة في الصخر، كانت توضع الأجساد بعد تعطيرها بالأطياب مثل نبات الأس والعود، وفي زمن لاحق أيضاً بالزوفا وماء الورد وزيته. وكانت الأجساد تُكسى بالثياب، ثم أصبحت فيما بعد تلف بالأكفان، ولو أمكن كانوا يلفونها بأقمشة استعملت قبلاً في لف كتب الشريعة. وكانت القبور إما منحوتة في الصخر أو كهوف طبيعية أو سراديب ذات حوائط كبيرة بها فتحات على جانبي الجدران. (Edersheim, LTJM, 318- 19)
وكتب إديراشايم عن دفن المسيح:
لعله بسبب اقتراب السبت وضرورة الاستعجال، أن يوسف الرامي اقترح دفن المسيح في قبره الجديد الذي لم يسبق لأحد أن وُضع فيه.
وأُنزل الصليب إلى مستوى الأرض، وانتزعت منه المسامير الخشنة، وحُلَّت الحبال. ولف يوسف ومن معه الجسد المقدس «في كتان نقي»، ثم حمله مسرعاً إلى القبر المنحوت في الصخر في بستان قريب. وهذا القبر المنحوت في الصخر أو الكهف (Meartha) كان به فتحة جدارية (Kukhin) لوضع الجسد بها. وجدير بالذكر أنه كانت في مدخل القبر، داخل الكهف الصخري، ردهة مربعة طولها تسعة أقدام حيث كان يوضع النعش ويقوم حاملوه بآخر الواجبات من نحو جسد الميت. (Edersheim, LTJM, 617)
ويذكر إديرشايم أيضاً: «أن نيقوديموس، عضو مجلس السنهدريم... جاء حاملاً مزيجاً عطراً من المر والعود كان يستخدمه اليهود لأغراض التعطير والتكفين. وفي ردهة القبر تمت عملية التحنيط- لو كان يسوغ أن نطلق عليها ذلك- على عجل». (Edersheim, LTJM, 617)
جرت العادة في أيام المسيح على استدخام كميات كبيرة من الأطياب لتكفين الجسد وخاصة للشخصيات المبجلة.
ويقول مايكل جرين عن تجهيزات دفن جسد يسوع: «وضعوا الجسد على مصطبة صخرية، ولّفوه بقطع القماش بإحكام، وغطوه بالأطياب. ويخبرنا إنجيل القديس يوحنا أنه استخدم لهذا الغرض ما يقرب من سبعين رطلاً منها، وهي كمية كافية. كان يوسف غنياً ولا شك أنه أراد أن يعوِّض عن تقصيره من نحو المسيح أثناء حياته بصُنع جنازة فخمة له. ورغم هذه الكمية الكبيرة من الأطياب، إلا أن هناك حالات مماثلة لها. فعند موت غمالائيل، المعلم اليهودي المعاصر للمسيح، كفنوه بثمانين رطلاً من الأطياب». (Green, MA, 33)
ويصف فلافيوس يوسيفوس، المؤرخ اليهودي في القرن الأول الميلادي، جنازة أرسطوبولس الذي «قتل، ولم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر، وظل رئيساً للكهنة لعام واحد فقط». (Josephus, AJ, XV, iii, 3)
وفي جنازته أولى هيرودس عناية خاصة بها لتكون جنازة مهيبة فأمر بتجهيزات ضخمة للقبر الذي سيوضع فيه جسده (أي جسد أرسطوبولس) وكميات كبيرة من الأطياب، ودفن معه الكثير من أدوات الزينة». (Josephus, AJ, XV, iii, 3)
ويقول چيمس هاستنجز عن الأكفان التي وجدت في قبر يسوع الفارغ: «منذ عصر يوحنا فم الذهب (القرن الرابع الميلادي) عُرف أن المرّ كان دواءً يلتصق بالجسد ويلتحم به فيصعب معه نزع الأكفان عن بدن الميت». (Hastings, DCG, 507) (Joan. Hom. 85).
ويصف ميريل تيني الأكفان على النحو التالي:
عند إعداد الجسد للدفن بحسب عادة اليهود، كانوا يغسِّلونه ويسوونه، ثم يلفَّونه بإحكام من الإبطين إلى الكاحلين بقطع طولية من القماش الكتاني بعرض قدم. وكانت الأطياب العطرية، ذات القوام اللدن غالباً ما توضع بين طيات الأكفان. فكانت تعمل على حفظ الجسد وعلى لصق طيات القماش لتتماسك معاً في ذات الوقت... ويتفق تعبير يوحنا تماماً: «ولفَّاه بأكفان مع الأطياب» مع تعبير لوقا 23: 53 حيث يقول الكاتب: «ولفَّه بكتان»... وفي صباح اليوم الأول من الأسبوع اختفى جسد يسوع، لكن الأكفان بقيت. (Tenney, RR, 117)
ويقول چورچ ب. إيجر في «الموسوعة العالمية القياسية للكتاب المقدس» عن دفن المسيح:
كان يتفق تماماً مع قواعد ومتطلبات الشريعة الموسوية (تثنية 21: 23) («فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم. لأن المعلَّق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيباً») (وقارن ذلك مع غلاطية 3: 13) «المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة»، كما ظهرت به المشاعر الإنسانية الصادقة عندما ذهب يوسف الرامي إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع ليدفنه في نفس اليوم الذي صُلب فيه. (متى 27: 58). (Eager, as cited in Orr, ISBE, 529)
ويمضي إيجر قائلاً:
تخبرنا البعثات التي أُرسلت إلى سوريا كما يخبرنا سكان هذه البلاد أن عادات الدفن لازالت قائمة من غسل الجثة (انظر يوحنا 12: 7، 19: 90، مرقس 16: 1، لوقا 24: 1)، ولف اليدين والرجلين بالأكفان التي تكون عادة من الكتَّان (يوحنا 19: 40)، وتغطية الوجه أو لفه بمنديل (يوحنا 11: 44). ولازال من الأمور الشائعة وضْع الأطياب العطرية بين طيَّات الأكفان والقيام ببعض التجهيزات الأخرى من أجل الحفاظ على الجسد لأطول فترة ممكنة... ونحن نعرف أنه بعد دفن جسد يسوع أحضر نيقوديموس «مزيج مر وعود نحو مئة منا» وأيضاً أن نيقوديموس ويوسف الرامي «أخذا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا»، وأن مريم المجدلية واثنتين من النسوة معها أحضروا أطياباً لنفس الغرض (مرقس 16: 1، لوقا 23: 56). (Eager, as cited in Orr, ISBE, 529)
ويقول وليم لين كريج عن حماية قبور رجال الله المقدسين من اليهود: في أيام المسيح كان هناك اهتمام غير عادي بقبور شهداء اليهود ورجال الله المقدسين منهم، فكانوا يولون عناية خاصة بها ويبجلونها. وهذا يدل على أن قبر يسوع قد حظي بنفس هذه الرعاية. فلم يكن التلاميذ لديهم أدنى فكرة عن القيامة سوى القيامة العامة في نهاية العالم، ومن ثم فلم يكن من الممكن أن يتركوا الموضع الذي دُفن فيه المعلم دون أن يلاحظوه. وهذا الاهتمام يفسر أيضاً مراقبة النسوة لعملية الدفن ورغبتهم فيما بعد أن يدهن جسد يسوع بالحنوط والعطور (لوقا 23: 55، 56). (Craig, DJRD, as cited in Wilkins, JUF, 148- 49)
ويمضي كريج معلقاً على العلاقة بين الدفن والقبر الفارغ:
لو أن قصة الدفن مؤكدة، تكون الإشارة إلى قبر يسوع الذي وجد فارغاً هي أيضاً صحيحة لأنه لو كانت قصة الدفن صحيحة، لكان موضع قبر يسوع معروفاً لليهود والمسيحيين على حد سواء. وفي هذه الحالة، لم يكن من الممكن لعقيدة القيامة أن تثبت بينما جسد يسوع لايزال في القبر. ولم يكن للتلاميذ أن يؤمنوا بقيامة يسوع، ولو أنهم آمنــوا بذلك، لما صدق أحد بشارتهم عن قيامة يسوع، ولفضح أمرهم خصومهم من اليهود بعرضهم لجسد يســوع، كما تصورهم الكتابات اليهودية في العصور الوسطى...
لا يمكن لأحد أن يقر بصحة قصة الدفن من الناحية التاريخية ثم ينكر صحة قصة القبر الفارغ. (Craig, DJRD, as cited in Wilkins, JUF, 146- 47).
4(ج) الحجر
يقول آ.ب. بروس عن الحجر الذي كان على قبر يسوع: «كان اليهود يسمونه «جوليل». (Bruce, EGNT, 334)
ويقول هـ. و. هولومان نقلاً عن ج. م. ماكي: «كان مدخل الحجرة المركزية عليه حجراً دائرياً ثقيلاً وكبيراً يدور في مجرى منخفض قليلاً عند المنتصف أمام مدخل القبر». (Holloman, EPR, 38)
ويذكر ت. چ. ثوربرن أن هذا الحجر كان يُستخدم «للحماية ضد عبث الناس والوحوش» ويمضي قائلاً: «ويُشار إلى هذا الحجر مراراً في التلمود، إذ يشير إليه العالم اليهودي سيمونيدس». ويعلق الدكتور ثوربرن على ضخامة حجم هذا الحجر قائلاً: «كان عادة يحتاج لبضعة رجال ليحركوه». وبما أن الحجر الذي وُضع على قبر يسوع كان بغرض منع السرقة، فلعلَّه كان أضخم من الحجارة المستخدمة في الظروف العادية. (Thorburn, RNMC, 97- 98)
ويعلق ثوربرن على ثقل هذا الحجر قائلاً: «وجِد في إحدى مخطوطات القرن الرابع (المخطوطة البيزية وهي محفوظة في مكتبة جامعة كمبريدچ) تعليق بين قوسين على مرقس 16: 4 يقول: «وعندما وضع هناك، وضع (أي يوسف) على باب القبر حجراً لا يستطيع عشرون رجلاً أن يدحرجوه». وندرك أهمية ملاحظة الدكتور ثوربرن إذا عرفنا قواعد تدوين المخطوطات. جرت العادة على أن الناسخ إذا كان يريد أن يضيف تعليقاً خاصاً له، فإنه يقوم بتدوينه في الهامش ولا يضعه داخل النصّ. ومن هنا يمكننا أن نستنتج أن وضع هذه العبارة داخل النصّ كان نقلاً عن نصّ مبكر أقرب لزمن المسيح، ربما عن مخطوطة ترجع إلى القرن الأول. وقد يكون من سجل هذه العبارة شاهد عيان أدهشته ضخامة الحجر الذي دُحرج على قبر يسوع. ويشير جلبرت وست من جامعة أكسفورد أيضاً إلى أهمية هذه العبارة الموجودة بالمخطوطة البيزية وذلك في صفحـتي 37 و 38 من كتـابـه «ملاحظـات على تاريخ وبراهـين قيامة يسوع المسيـح (Thorburn, RNMC, 1-2).
ويقول صموئيل تشاندلر: «يتفق الشهود جميعاً على أن النسوة عندما أتين إلى القبر وجدن الحجر قد دحرج. ولم يكن بقادرات على تحريكه إذ كان ثقيلاً للغاية». (Chandler, RJC, 33)
ما هو كفن تورينو؟
كفن تورينو هو قماش من الكتان طوله 14.25 قدماً وعرضه 3.58 قدماً وهو موجود في تورينو بإيطاليا. وعلى هذا الكفن انطبعت صورة مزدوجة كاملة لرجل حيث تظهر صورتان للجسد إحداهما أمامية والأخرى خلفية.
وقد عُرف بوجود هذا الكفن منذ عام 1354، ولكن الكثيرين يعتقدون بأنه أقدم من هذا التاريخ بكثير. وفي عام 1978، خضع الكفن لأبحاث علمية مستفيضة. وأسفرت الأبحاث عن عدم وجود أثر لأي صبغة على الكفن تبرر وجود الصورة المنطبعة عليه. وقد وجد أن هذه الصورة ثلاثية الأبعاد وأنها على السطح الخارجي للقماش فقط.
إلا أنه في عام 1988، قامت ثلاثة معامل منفصلة بإجراء التجارب على خيوط من الكفن لتحديد عمره باستخدام الكربون المشع، وأشارت هذه التجارب جميعها إلى أنه يرجع إلي فترة متأخرة من العصور الوسطى. إلا أن البعض قد عارض بأن العينات المستخدمة في التجارب كانت من أجزاء تالفة من الكفن الذي كان قد تعرض لحريق بإحدى الكنائس في العصور الوسطى.
فهل هذا الكفن هو كفن المسيح فعلاً؟ هناك جدل حاد حول هذا الأمر. ومن يؤيدون ذلك يؤكدون على السمات الفريدة له. بينما يشير المعارضون إلى نقص الأدلة التاريخية المؤيدة له والأدلة العلمية المخالفة لذلك. (Geisler, BECA, 706)
ويقول ألفريد إديرشايم المسيحي اليهودي الأصل المتخصص في تاريخ العهد الجديد، عن دفن يسوع:
«وهكذا وضعوا جسده داخل القبر الجديد المنحوت في الصخر، وعند خروجهم دحرجوا «حجراً عظيماً»- أو «جوليل»- ليغلقوا مدخل القبر حسب عادة اليهود. ولعلهم سندوا الحجر الكبير، كما جرت العادة، بحجر آخر صغير يسمونه «دوفج»، والأغلب أن السلطات وضعت الختم عند اتصال الحجرين في اليوم التالي، رغم أنه كان سبتاً، حتى يظهر أقل تغير يطرأ عليهما». (Edersheim, LTJM, 618)
ويعلِّق فرانك موريسون على زيارة مريم وصديقاتها لقبر يسوع صباح الأحد باكراً بقوله:
لابد أن مسألة دحرجة الحجر قد حيرت النسوة. فقد شاهدت اثنتان منهن على الأقل عملية الدفن وعرفتا كيف ُوضع الحجر. فكان الحجر الكبير يمثل مشكلة كبيرة أمامهن. فعندما نقرأ الكلمات الآتية في أقدم الروايات الإنجيلية، وهي رواية مرقس: «من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟» لا نملك سوى الشعور بأن انشغال النسوة بمسألة الحجر ليست عاملاً نفسياً أساسياً في المشكلة فحسب، بل أنها أيضاً عامل تاريخي فاعل حتى لحظة وصولهن إلى القبر. (Morison, WMS, 76)
ويدعو موريسون الحجر الذي كان على قبر يسوع الشاهد الصامت الذي لا يخطيء على مجمل الأحداث- وهناك حقائق معينة بشأن هذا الحجر تستدعي الدراسة الدقيقة والبحث.
ولنبدأ أولاً بمسألة حجم الحجر وطبيعته... لا شك أن الحجر كان كبيراً ثقيل الوزن. وهذه الحقيقة يؤكدها أو يدلل عليها كتبة الوحي. فيقول القديس مرقس إنه كان «عظيماً جداً»، ويقول القديس متى أنه كان «حجراً كبيراً». ويقول بطرس: «لأن الحجر كان كبيراً» وما يؤيد ذلك أيضاً ما قيل عن حيرة النسوة بشأن تحريكه. ولو لم يكن الحجر ثقيلاً لكانت قوة النسوة الثلاثة معاً كافية لتحريكه. وهذا يدلنا على أنه كان أثقل مما يستطعن زحزحته وحدهن. وكل هذه الشواهد لها أهميتها بالنسبة للقضية. (Morison, WMS, 147).
5(ج) الختم
يقول متى: «فمضوا وضبطوا القبر بالحرَّاس، وختموا الحجر» (متى 27: 66).
ويقول أ. ت. روبرتسون إن الطريقة التي ختم بها الحجر عند قبر يسوع ربما باستخدام حبل يُشَّد عَرضياً على الحجر ويُختم عند كلا طرفيه كما ورد في دانيال 6: 17: «وأتى بحجر ووضع على فم الجب وختمه الملك بخاتمه وخاتم عظمائه لئلا يتغير القصد في دانيال» ولقد تم ختم الحجر في حضور الحرَّاس الرومان الذين بقوا لحراسة ختم السلطة الرومانية هذا. وقد قاموا بالحراسة ليمنعوا السرقة والقيامة، ولكنهم أخفقوا في هذا الأمر بعد أن أصبحوا هم أيضاً شهود لحقيقة القبر الفارغ وقيامة يسوع. (Robertson, WPNT, 239)
ويشير أ.ب. بروس إلى أن «عبارة (وختموا الحجر) تشير إلى إجراء احتياطي إضافي من جانبهم بوضع خيط على الحجر وختم القبر عند كلا طرفيه. وفعلوا ما بوسعهم لمنع السرقة والقيامة» (Bruce, EGNT, 335).
هنري سومنر ماين هو عضو بالمجلس الأعلى للهند، خبير بالقضاء والقانون المدني في المعبد الأوسط، وأستاذ للقانون المدني في جامعة كمبريدچ. وهو يتحدث عن السلطة القانونية المرتبطة بالختم الروماني مشيراً إلى أنه كان «يعتبر شكلاً من أشكال التوثيق». (Maine, as cited in Lewis, M, 203)
ويمضي ماين قائلاً إنه من الناحية القضائية «يمكننا أن نلاحظ أن ختم الوصية الرومانية والوثائق الأخرى ذات الأهمية لا يشير فقط إلى حضور أو موافقة صاحب التوقيع، ولكنه كان ختماً فعلياً يجب فضُّه قبل أن تعرف محتويات الوثيقة». (Maine, AL, 203- 04)
كان الختم الروماني على قبر يسوع إذاً يهدف إلى منع أية محاولة للعبث بمحتوياته. فأي شخص يحاول أن يزحزح الحجر عن باب القبر كان سيكسر الختم وبالتالي يقع تحت طائلة القانون الروماني.
ويقول هنري ألفورد: «كانوا يختمون الحجر عن طريق شد حبل أو خيط عرضياً على الحجر عند باب القبر، ويثبتونه عند الطرفين على الصخر بصلصـال لاصق» (Alford, GTCRT, 301)
ويقول مارفين فينسنت: «كانوا يختمون الحجر في حضور الحراس، ثم يتركون الحرَّاس للقيام بعملهم هناك. وكان من الضروري أن يشهد الحرَّاس ختم القبر. كان الختم يتم بأن يمد حبل عَرضياً على الحجر ويثبت على الصخر عند الطرفين بصلصال لاصق. ولو كان باب القبر يغلق بعارضة خشبية على الحجر، كانوا يختمون هذه العارضة على الصخر». (Vincent, WSNT, 147)
ويقول د.د. ويدون: «وهكذا لم يكن ممكناً فتح باب القبر دون كسر الختم، وهذا كان يعتبر جريمة في حق سلطة الدولة الرومانية التي وضعت الختم. وضُع الحرَّاس لحراسة القبر والحيلولة دون خداع التلاميذ، بينما وُضع الختم لضمان عدم تواطؤ الحرَّاس. وذكر في (دانيال 6: 17): «وأتى بحجر ووضع على فم الجب وختمه الملك بخاتمه وخاتم عظمائه». (Whedon, CGM, 343)
ويسجل يوحنا فم الذهب، أسقف القسطنطينية في القرن الرابع، الملاحظات التالية عن إجراءات الحراسة التي اتخذت عند قبر يسوع:
وعلى أية حال نرى أن هذه الكلمات تشهد لصحة كل من هذه الحقائق إذ يقول الإنجيل: «تَّذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي (أنه بعد موته): إني بعد ثلاثة أيام أقوم. فمر بضبط القبر (أي أنه قد دفن) لئلا يأتي تلاميذه ويسرقوه». إذ أنه لو خُتم القبر، لما كانت هناك خدعة، لأن هذا يصبح غير ممكن. إذاً فقد تبرهنت القيامة بما تقدم لأنه لما خُتم القبر لم يكن مجال للخداع. وإذ أنه ليس في الأمر خداع، ومع وجود القبر الفارغ، فمن الواضح أنه قد قام، وهذا أمر بَيِّن لا جدال عليه. هل ترى إذاً كيف قدموا البرهان على حقيقة القيامة، دون قصد منهم. (Chrysostom, HGSM, as cited in Schaff, SLNPNF, 525)
وفي الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس قائلين: يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضلّ قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم. فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلاً ويسرقوه ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات. فتكون الضلالة الأخيرة أشرّ من الأولى. فقال لهم بيلاطس عندكم حراس. اذهبوا واضبطوه كما تعلمون. فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر» (متى 27: 62- 66)
6(ج) الحراس عند القبر
1(د) حقيقة وجود الحراس
تعليقاً على النص السابق، يذكر ألبرت روبر في كتابه: «هل قام يسوع من الأموات؟» الملاحظات التالية:
خرج وفد من عند قادة اليهود بقيادة رؤساء الكهنة حنانيا وقيافا إلى بيلاطس طالبين أن يُختم قبر يسوع وأن ُيضبط بالحُرَّاس الرومانيين معللين ذلك بخوفهم من أن يأتي أصدقاء يسوع ليلاً ويسرقوا جسده ويقولوا إنه قام.
وافق بيلاطس على مطلبهم قائلاً: «عندكم حُرَّاس اذهبوا واضبطوه كما تعلمون». فذهبوا ومعهم جنود من الحرس الروماني يتراوح عددهم ما بين عشرة وثلاثين جندياً. وبتوجيه منهم ختموا القبر بأختام الامبراطورية الرومانية وختم الوالي نفسه الذي تُعد إزالته جريمة كبرى، وهكذا قام أعداء يسوع بدون قصد بالترتيب مقدماً لبرهان لا يدحض يناقض تفسيرهم اللاحق للقيامة -وهو تفسير غير مقبول في ضوء هذه الحقائق. (Roper, DJRD, 23- 24)
ويمضي الأستاذ روبر قائلاً:
وعلى رأس الحُرَّاس كان قائد المائة الذي عيَّنه بيلاطس، ولعله كان يحظى بالثقة الكاملة لديه، وقد حفظ التقليد لنا أن اسمه بترونيوس. فمن المنطقي أن يكون ممثلو الامبراطور هؤلاء قد عهد إليهم بحراسة القبر بكل حرص وأمانة تماماً كما نفذوا عقوبة الصلْب. فلم تكن لديهم مصلحة في أداء المهمة التي أنيطت بهم سوى التزامهم بأداء واجبهم كجنود من نحو الامبراطورية الرومانية التي أعلنوا ولاءهم إليها. كان الختم الذي على الحجر عند باب القبر شيئآً مقدساً بالنسبة لهم أكثر من كل فلسفة إسرائيل أو قدسية عقائدها القديمة. فالجنود الذين يتجرَّدون من مشاعرهم لدرجة المقامرة على رداء مصلوب يحتضر لا يمكن أن يخدعهم جليليون ضعفاء أو يخاطروا بحياتهم بالنوم في فترة حراستهم. (Roper, DJRD, 33).
2(د) من هم الحُرَّاس؟
هناك جدل واسع حول قول بيلاطس: «عندكم حُرَّاس. اذهبوا واضبطوه كما تعلمون». (متى 27: 65) والسؤال هو: هل كان الحُرَّاس جنوداً رومانيين، أم كانوا من حرس الهيكل؟
يعلق هنري ألفور على ذلك قائلاً: إن هذه العبارة يمكن أن تترجم إما كعبارة دلالية أي «لديكم» وهنا يطرح سؤال نفسه: أي حُرَّاس لديهم؟ ولو كان لديهم حُرَّاس، لماذا يذهبون إلى بيلاطس؟ ولعل المقصود فرقة من الحُرَّاس وضعت تحت تصرفهم أثناء العيد- ولكن لا يوجد ما يؤكد ذلك... أو أن العبارة تدلّ على صيغة الأمر ويكون المعنى المقصود: خذوا فرقة من الحُرَّاس. (Alford, GTCRT, 301)
ويقول
إ. لو كامي:
يعتقد البعض أن بيلاطس هنا يقصد خدام الهيكل الذين كان يعيِّنهم رؤساء الكهنة والذين كانت لهم مصلحة في حراسة القبر. ويمكننا أن نعلل بسهولة فساد هؤلاء أكثر مما لو كانوا جنوداً رومانيين عندما حثهم رؤساء اليهود على القول بأنهم كانوا نياماً أثناء فترة حراستهم. إلا أن الكلمة المستخدمة هنا وهي (Koustodia) المستعارة من اللغة اللاتينية تشير إلى الحرس الروماني. كما أن ذكر «الوالي» (متى 28: 14) تجعل هذا الرأي هو الأرجح. (Le Camus, LC, 392).
ويقول أ. ت. روبرتسون، العالم الضليع باللغة اليونانية إن عبارة: «عندكم حُرَّاس» (Echet Kousodian) تعبر عن صيغة الأمر وتشير إلى الحراس الرومانيين وليس حرس الهيكل». (Robertson, WPNT, 239)
ويشير روبرتسون أيضاً إلى أن الكلمة اللاتينية «حراس» Koustodia ترد في بردية أوكسرينكوس Oxyrhynchus التي ترجع إلى عام 22 م.» (Robertson, WPNT, 239).
ويقول ت. ج. ثوربرن: «يُعتقد بوجه عام أن عبارة متى تشير إلى الجنود الرومانيين.. مع أن الكهنة كانوا يعينون حراساً للهيكل اليهودي. ولم يكن الرومان ليسمحوا لهم بأداء أي مهمة خارجاً عن نطاق عملهم بالهيكل. وهكذا يمكننا أن نفهم جواب بيلاطس على وجهين: «خذوا حُرَّاساً» أو «لديكم حُرَّاس» (وهذا المعنى الأخير يعد رفضاً بأسلوب مهذب، لو أنهم طلبوا جنود رومانيين). ولو أن الحُرَّاس كانوا يهوداً فهذا قد يفسر تغاضي بيلاطس عن إهمالهم . إلا أن (متى 28: 14): «وإذا سمع ذلك عند الوالي، فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين «هذه الفقرة لا تؤيد هذا الرأي» (Thorburn, RNMC, 179- 82)
ويقول أ. ب. بروس إن عبارة: «عندكم حُرَّاس» هي «جملة تفيد الأمر على الأرجح وليست خبرية، بمعنى «لديكم حراسكم». ولنلاحظ هنا استعداد بيلاطس للموافقة على مطلبهم، ومع اعتقاده بأنه ليس هناك ما يستدعي ذلك، لا يبدي مانعاً في أن يلبي رغبتهم في أمر بسيط كهذا». (Bruce, EGNT, 335)
وفي القاموس اليوناني الإنجليزي للعهد الجديد الصادر عن جامعة شيكاغو، 1952، يورد أرندت وجينجريتش التعريف التالي لهذه الكلمة: «حرس من مجموعة من الجنود» (متى 27: 66، 28: 11).. وعبارة: «عندكم حُرَّاس» تعني «خذوا حراساً» (متى 27: 65). (Arndt, GEL, 448)
ويقدم لنا هارولد سميث في «قاموس المسيح والأناجيل» المعلومات التالية عن الحرس الروماني: «كلمة حُرَّاس» هي ترجمة لكلمة Koustodia (وباللاتينية Custodia) (متى 27: 65 و66، 28: 11)، وهي تشير في النصوص المشار إليها إلى الجنود الذين أخذهم رؤساء الكهنة والفريسيون من بيلاطس لحراسة القبر. وحاجة اليهود للحصول على تصريح من بيلاطس في هذا الأمر، وخشية الجنود من عقوبته لهم (متى 28: 14) تبيِّن أن هؤلاء الحراس كانوا من جنود القوات الرومانية في أورشليـم ولـيس من حراس الهيكـل اليهودي. ولعلَّهـم نفـس الجـنود الذيـن كانـوا يحرسون الصليـب... وقـد تكون عبارة «عندكم حراس» جملة أمر يقصـد بهـا: «خـذوا حُرَّاساًَ».(Smith, as cited in Hastings, DCG, 694)
ويورد لويس وشورت التعريف التالي في قاموسهما اللاتيني: Custodia: حراسة، مراقبة، حرس، رعاية، حماية. وتأتي هذه الكلمة عادة في صورة الجمع، وهي إحدى التعبيرات العسكرية، لتدل على مجموعة من الأشخاص يعملون في الحراسة أو المراقبة». (Lewis, LD, 504- 05)
ويؤكد سياق الحديث في (متى 27، 28) أن الحُرَّاس الرومانيين هم الذين كانوا يحرسون قبر يسوع. ولو أن بيلاطس كان يشير إلى حرس الهيكل، لكان هؤلاء الحراس مسئولين أمام رؤساء الكهنة فقط وليس أمام بيلاطس. ولكن لو كان بيلاطس يشير إلى الحرس الروماني، لكانوا مسئولين أمام بيلاطس وليس أمام رؤساء الكهنة. وهذا الأمر نراه في الآيتين 11 و14 من أصحاح 28.
تسجل الآية 11 أن الحُرَّاس أتوا إلى رؤساء الكهنة وأُخبِروا بالقيامة. ويبدو للوهلة الأولى من هذه الآية أنهم كانوا مسئولين أمام رؤساء الكهنة. و لكن لو أن الحُرَّاس قد أخبروا بيلاطس بذلك لكانوا قد قُتلوا على الفور- كما سنرى. وتؤكد الآية 14 الرأي القائل بأنهم كانوا من الحُرَّاس الرومانيين تحت رئاسة بيلاطس مباشرة: «وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين» (متى 28: 14). فلو كانوا من حرس الهيكل، فلماذا يخشون معرفة بيلاطس بالأمر؟ لا يوجد ما يدل على أنهم كانوا تابعين لبيلاطس. ومن ثم فإن الكاتب يروي الأحداث على النحو التالي: أمر بيلاطس الحُرَّاس الرومانيين أن يحرسوا القبر ترضية لقادة اليهود الدينيين، بعد أن طلب رؤساء الكهنة الحراسة الرومانية للقبر: «فمر بضبط القبر» (متى 27: 64).
لـو أن رؤسـاء الكهنة أرادوا أن يعيِّنوا بعضاً من حُـرَّاس الهيكـل لحـراسة القبر، لما احتاجوا استصـدار أمـر من بيلاطس بذلك. وما حدث هو أن الحراس الرومانيين لجأوا إلى رؤساء الكهنة، لأنهم كان يعرفون أن لهم تأثيراً على بيلاطس لحمايتهم من القتل: «نحن نستعطفه (أي بيلاطس الوالي) ونجعلكم مطمئنين» (متى 28: 14).
3(د) النظام العسكري عند الرومان
يقول چورچ كاري: «كان ترْك خدمة الحراسة يعاقب بالموت طبقاً للقانون. (Dion. Hal, Antiq Rom. VIII. 79) وأشهر ما قيل عن صرامة النظام العكسري نجده في كتابات بوليبيوس، وهو يشير إلى أن الخوف من العقوبة أدى إلى الالتزام الشديد بواجبات الخدمة العسكرية وخاصة في الحراسات الليلية. وتكتسب هذه الكتابات أهميتها من مركز الكاتب الذي كان يصف ما أتيح له أن يراه بعينيه. ونجد مثيلاً لما كتبه بوجه عام في كتابات غيره من المؤرخين». (Currie, MDR, 41- 43)
ويقول كاري نقلاً عن بوليبيوس: «كانت العقوبة توقع على التقصير في الحراسات الليلية والسرقة والشهادة الزور وإيذاء الذات ومحاولة ترك الخدمة بسبب الخوف... وكانت العقوبة توقع بأن يمر الجندي بين صفين من الجنود حيث يضربونه بالعصى». (Currie, MDR, 43- 44)
ويمضي كاري قائلاً: «يتحدث فيچيتوس عن الملاحظة اليومية لقائد الجيش بدقة النظام العسكري (Military Institutes 11.9). وهو يعتقد (Military Institutes 1. 21) إن الرومان في العصر السالف (في زمن المسيح) كان النظام العسكري عندهم أكثر صرامة مما هو عليه في عصره». (Currie, MDR, 43- 44)
ويتحدث كاري عن تعليقات فيجيتوس على الجيش الروماني قائلاً: «يفرض النظام الذي يصفه لنا أشد العقوبات. وكان يبَّوق بالبوق كإعلان عن إجراء الإعدام. وكانت مهمة القائد اليومية العمل على سير النظام وانضباطه». (Currie, MDR, 49- 50)
كما يشير كاري إلى أنه ذكر في قوانين جوستنيان ثماني عشرة جريمة يعاقب عليها بالموت، وهي على النحو التالي: انضمام الجندي إلى الأعداء، الهروب، فقد الجندي لسلاحه أو التخلص منه، العصيان زمن الحرب، صعود سور أو متراس، بدء تمرد، رفض حماية القائد أو ترك الحراسة، التهرب من الانضمام إلى الخدمة العسكرية، القتل، الاعتداء على رتبة أعلى أو شتم قائد، الهروب من ميدان المعركة وتشجيع الآخرين على ذلك، إفشاء السر للأعداء، جرح زميل بالسيف، إحداث عاهة للذات أو محاولة الانتحار دون عذر مقبول، ترك الحراسة الليلية، كسر عصا القائد أو ضربه عند تنفيذه للعقوبة، الهروب من معقل الحراسة، تعكير السلام. (Currie, MDR, 49-50)
ويذكر كاري الأمثلة التالية نقلاً عن التاريخ العسكري للامبراطورية الرومانية التي توضح الإجراءات التأديبية التي كانت تتبع في الجيش الروماني: «تلكؤ أحد الجنود في ميدان المعركة وقتله على يد القائد، نوم جندي في أثناء الحراسة فألقى به من أعلى الجبل، تقصير جندي في أداء الواجبات العسكرية فعوقب بالضرب وتقليل الرتبة، تقصير جندي وتوقيع العقوبة عليه، تلكؤ جندي فعوقب بالضرب بالسلاح... وهذه الأمثلة لتوقيع العقوبات المختلفة تبرر استخدام كلمة (صارم) لوصفها». (Currie, MDR, 33)
ويمضي كاري قائلاً: «من بين 102 حالة لتوقيع العقوبة هناك 40 حالة كانت العقوبة فيها هي الموت، ومن هنا يتضح أن العقوبة في الجيش الروماني كانت أشد مما هي عليه في الجيوش المعاصرة». ويتحدث كاري عن الجيش الروماني «كأداة للغزو والهيمنة» ويتحدث عن النظام الصارم لهذا الجيش قائلاً: «يشير فاليريوس ماكسيموس إلى الملاحظة الدقيقة للانضباط والنظام العسكري باعتباره السبب الرئيسي في قوة الدولة الرومانية. وغزواتها الواسعة». (Currie, MDR, 33, 38, 43- 44)
ويقدم ت. چ. تكر الصورة الحية التالية للأسلحة التي يحملها الجندي الروماني:
يحمل في يده اليمنى الرمح الروماني الشهير، وهو سلاح قوي طوله يزيد على 6 أقدام، ويتكون من رأس حادة من الحديد مثبتة في قصبة خشبية. ويمكن للجندي أن يهاجم به كحربة، أو يرمي به كرمح ثم يقاتل عن كثب بسيفه. وعلى ذراعه اليسرى يحمل درعاً كبيراً، وهذا له أشكال متعددة وأحد أشكاله الشائعة هو الدرع المقوس إلى الداخل عند الحواف، ويصل طول هذا الدرع إلى 4 أقدام طولاً * 2.5 قدم عرضاً، وهناك أيضاً الدرع السداسي الشكل- على شكل معين ولكن بزوايا غير حادة. وأحياناً يكون الدرع على شكل بيضاوي. وهو يصنع من الأغصان المجدولة أو الخشب المكسو بالجلد.. ويُزَّين بزخارف حربية معدنية، وأحد أشهر هذه الزخارف هو نقش للصاعقة. ويصنع للدرع مقبض حتى يمكن حمله، وقد يكون له أيضاً حزام لحمله على الكتف اليمنى. وحتى يكون السيف -وهو سلاح للطعن أكثر منه للبتر يصل طوله إلى ثلاثة أقدام- بعيداً عن الدرع، فهو يعلق على الجانب الأيمن بواسطة حزام يصل إلى الكتف اليسرى. وقد يبدو هذا الوضع غير ملائم للحركة، ولكن علينا أن نتذكر أن السيف لا يُستخدم إلا عندما تفرغ اليد اليمنى من حمل الرمح، وأنه يمكن حمله بسهولة على الجانب الأيسر بواسطة حزام معلَّق، وهكذا يمكن استلاله. ويحتفظ الجندي بخنجر في حزامه على الجانب الأيسر.(Tacker,342-44).
4(د) من هو الحارس الروماني؟
عندما نتطرق لموضوع «الحارس الروماني»، يجب علينا أن نلجأ إلى قاموس الآثار اليونانية والرومانية الذي ألَّفه الدكتور وليم سيمث حيث يعطينا معلومات متعددة، فالشرذمة (تقسيم فرعي من الجيش الروماني) تتكون من 60 أو 120 جندياً «مجهزين تماماً... وملحقين بفرقة معينة وهما.. مجموعتان من الحراس.. تتكون كل مجموعة من أربعة رجال مخصصين للحراسة، بعضها يقف أمام الخيمة والبعض الآخر خلفها بين الخيول. ونلاحظ هنا أن مجموعة الحرس تتكون دائماً من أربعة أفراد.. يعين واحد منهم كحارس، أما الباقون فإنهم يتمتعون بنوع معين من الراحة، لكنهم يجب أن يكونوا على أهبة الاستعداد عند صدور أول إشارة لوجود خطر وشيك».(Smith, William, DGRA,250-51)
ويخبرنا هارولد سميث بالآتي: «فرقة الحراسة تتكون دائماً من أربعة أفراد(Polb.vi 33) ، كل منهم له فترة مخصصة للحراسة، بينما يستريح الباقون بالقرب منه حتى يمكنهم أن ينتبهوا للاستجابة لأقل إشارة». (Smith,as cited in Hastings, DCG,694)
ويقول الأستاذ هدون: فيما يختص بموضوع الحراسة «من المحتمل أن تكون و حدة الحراسة مكوَّنة من أربعة حُرَّاس، ومثل هؤلاء هم الذين كانوا ملازمين ليسوع أثناء الصلب». (Whedon,CGM,343)
5(د) من هم حراس الهيكل؟
يعطينا المؤرخ اليهودي، ألفرَّيد أيدرشايم فكرة مفصلة عن حراسة الهيكل: «في الليل كان الحراس يتمركزون في أربعة وعشرين نقطة عند البوابات وفي القاعات الداخلية، ويشغل اللاويون إحدى وعشرين نقطة من تلك النقاط، النقاط الداخلية الثلاث الباقية يحرسها الكهنة ومعهم بعض اللاويين. وكل مجموعة حراسة تتكون من عشرة أفراد وبذلك يتيسر للمائتين وأربعين لاوي ومعهم ثلاثين من الكهنة أن يباشروا أيضاً الخدمات الليلية. وكان الحُرَّاس يستريحون أثناء النهار ولكنهم يعملون جميعاً في الليل، وفيما تنقسم الحراسات الرومانية إلى أربعة حراسات، فإن الحراسات اليهودية كانت ثلاث فقط، أما الحراسة الرابعة فهي حراسة النهار. (Edersheim, TMS, 147-49)
وتخبرنا المشناة اليهودية (التي ترجمها هربرت دانبي سنة 1933 بمطبعة جامعة أكسفورد) فيما يختص بموضوع حراسة الهيكل بالآتي: «من مهام الكهنة أن يحرسوا ثلاثة أماكن محددة داخل الهيكل: غرفة البخور، غرفة الشعلة، وغرفة الموقد. أما اللاويون فإنهم يحرسون واحد وعشرين مكاناً، خمس مجموعات تتركز أمام البوابات الخارجية للهيكل، وأربع يحرسون الأركان الأربعة الداخلية للهيكل، وخمس مجموعات أمام البوابات الخمسة الداخلية للهيكل. ومجموعة واحدة أمام غرفة التقدمات، وواحدة في غرفة الحجاب، وواحدة خلف مكان «بساط الرحمة».(The mishnah, Middoth, 1,1)
ويسجل لنا هندرسون آتكن الآتي «كانت مهمة رئيس جبل الهيكل أن يراعي الحفاظ على النظام داخله وأن يزور أماكن الحراسة أثناء الليل ويلاحظ أن الحراس منتبهون ومتواجدون في أماكنهم ومتيقظون، ويعتبر هو ومساعدوه ممن أشار إليهم الكتاب المقدس بلفظة «الرؤساء» كما في عزرا 9: 2 ونحميا. (Aitken,as cited in Hastings, DCG, 271)
6(د) النظام العسكري لحرَّاس الهيكل
يعطينا ألفريد إديرشايم وصفاً للنظام الدقيق الذي كان يعمل في ظله حُرَّاس الهيكل: «أثناء فترات الليل يقوم «الرئيس» بجولاته التفقدية، وأثناء مروره يقوم الحراس من أماكنهم ويؤدون له التحية بطريقة معينة، وكل من يوجد نائماً يُضرب أو تُنزع منه ملابسه وتُحرق -وهو كما نعلم، عقاب رادع وأكثر إذلالاً يمكن أن يتعرض له حراس الهيكل «طوبي لمن يسهر ويحفظ ثيابه» (رؤ 16: 15). (Edersheim, TMS,147-49)
«وتحدد المشناة العقاب الذي يلحق بمن ينام أثناء خدمته «كان رئيس جبل الهيكل معتاداً على المرور ليلاً متفقداً أماكن الحُرَّاس يتقدمه حاملو المشاعل، وإذا لم يقف الحارس المعين على مكان محدد قائلاً له «السلام لك يا رئيس جبل الهيكل المبجل» حينئذ يدرك الرئيس أنه نائم، لذا يضربه بعصاه، وله الحق أيضاً أن ينزع عنه ثيابه ويحرقها. ويقال حينذاك «ما هذه الجلبة التي تصدر من قاعات الهيكل؟» «ويكون الرد أن هناك لاوي يُضرب وملابسه تُحرق بالنار لأنه استغرق في النوم أثناء حراسته».
ويذكر أليعازر بن يعقوب في المشناة «وجدوا مرة أخا لوالدتي نائماً وحرقوا فعلاً ملابسه».
وتعلِّق «الموسوعة اليهودية» في الباب الخاص بحصر الأماكن المقدسة داخل حدود الهيكل «كل المعينين للحراسة داخله لم يكن يسمح لهم بالجلوس، وبالطبع ليس مسموحاً لهم بالنوم. وعلى رئيس حُرَّاس الهيكل أن يتأكد من أن كل فرد متيقظ ومنتبه، ويعاقب الكاهن الذي ينام أثناء خدمته، وأحياناً يعاقبه بأن يحرق القميص وهو يرتديه كإنذار للآخرين.(Mid,K.I), (The Jewish Encyclopedia, 81)
7(د) الخلاصة
يقول أ. لوكامي معلقاً على تأمين الحراسة التي فرضت على قبر يسوع: «لم يحظ أي «مجرم» بالاعتناء في حراسته بعد إعدامه. وفوق كل شيء لم يحظ مصلوب من قبل بشرف حراسته بسرية كاملة من جنود الحراسة». (Le Camus, LC,396-97)
ويستنتج من ذلك ج. و. كلارك: «لقد اتخذت كل الإجراءات التي يمكن أن تحققها السياسات والذكاء البشري لمنع القيامة، وكانت هذه الاحتياطات نفسها ذات تأثير مباشر لأنها أسست وأوضحت القيامة».(Matt, 27- 55), (Clark,GM)
7(ج) تفرق عنه التلاميذ وذهب كل منهم في طريق
يوضح لنا القديس متى في إنجيله حالة الجُبن الذي اكتنف تلاميذ يسوع (مت 26: 56). لقد تم القبض على يسوع في بستان جثسيماني «حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا».
ويعلِّق على ذلك چورچ هانسن: «لم يكونوا بشكل طبيعي ذوي جسارة أو قدرة على التصرف. وبطريقة كلها جُبن وخوف عندما وجدوا أن سيدهم قد قُبض عليه، تركه الجميع ليواجه مصيره بنفسه».(Hanson, RL,24-26)
ويقول ألبرت روبر معلقاً على تصرفات سمعان بطرس «لقد انكمش داخل نفسه عندما استمع لما ذكرته الجارية في دار رئيس الكهنة، وأنكر معرفته بيسوع وهو يلعن ويسب ويقول «إني لا أعرف هذا الرجل».
ثم يؤكد ذلك بقوله «كان الخوف والذعر التام خوفاً على سلامته الذاتية هي التي دعت بطرس أن ينكر ذلك الرجل الذي أحبه بكل إخلاص. إنه الخوف الجبان الذي دعاه لأن ينكر ذاك الذي اختاره وهو منهمك في شباك الصيد ليكون صياداً للناس».(Roper, JRD,50)
فيما يختص بشخصية التلاميذ، يعلِّق روبر قائلاً «إنهم جليليون، ومعظمهم من صائدي الأسماك، ومعظمهم تعتبر حياة المدينة غريبة عليهم، وواحد تلو الآخر التصق بالمعلم الشاب وانتهج أسلوبه في الحياة. لقد تبعوه متحلِّين بالبهجة والإقدام حتى ساعة الأزمة الكبرى. وعندما قُبض عليه في رحاب بستان جثسيماني تراجعوا جميعاً على أعقابهم وخافوا من تلك المشاعل الموقدة والجلبة والسيوف المشهرة. لقد اختبأ كل (التلاميذ) داخل أماكن سكناهم ولم يسمع عنهم شيئاً إلى أن استمعوا للأخبار المدهشة التي حضرت بها مريم المجدلية في صباح اليوم الثالث. لذلك تقدَّم اثنان منهم -اثنان فقط- وبكل تهور تقدما وأسرعا ليتأكدا بنفسيهما عما إذا كانت تلك الأخبار التي استمعا عنها حقيقية أم أنها كما كانا يعتقدان بأنها «كلام كالهذيان». كان المظهر الذي يتصف به كل التلاميذ هو الخوف والجبن بهدف الحفاظ على النفس.(Poper, JRD, 34-35)
يعلق الحاخام اليهودي فينحاس لابيد على تحوُّل التلاميذ قائلاً: هذه الجماعة المذعورة الخائفة. الذين كادوا أن يتركوا كل شيء وراءهم راجعين إلى الجليل، هؤلاء الرعاة الفلاحين وصائدو السمك، الذين خانوا وأنكروا سيدهم بشكل مؤسف، يستطيعون فجأة و في مدى بسيط أن يتحولوا إلى مجتمع متحمس من المبشرين مقتنعين بالخلاص وقادرين على شق طريقهم بكل جسارة ونجاح بعد القيامة أكثر بكثير عما قبلها، لذا أقول إنه لا يوجد أي مجال للرؤى أو الخيالات بقادرة أن تشرح لي معنى هذا التغيير الفجائي الثوري. (Lapide, RJ,125)
ويعلق دوجلاس جروثيس على رد فعل التلاميذ بالنسبة لقيامة السيد المسيح «يسوع القائم من الأموات نزع كل إمارات الشك من قلوب التلاميذ ولاسيما عندما ظهر لهم وقال لتوما «هات إصبعك إلى هنا وأبصر يديَّ وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً (يو 20: 27). فصرخ توما قائلاً «ربي وإلهي». لقد أظهر يسوع نفسه له في الجسد، مصلوباً كما يجب أن يكون عليه المسيح لكنه هو الآن قائم من الأموات كسيد ورب. (Groothuis, JAC,256)
يتساءل ألفريد اديرشايم، «ما هي الأفكار التي طرأت على أذهان يوسف الذي من الرامة وكذلك نيقوديموس والتلاميذ والسيدات الفاضلات اللاتي تبعنه عندما رأوا المسيح الميت؟ (Edershim, LTJM,623)
لهذا السؤال يجيب إديرشايم على نفسه قائلاً «لقد صدقوا أنه مات فعلاً ولم يتوقعوا أبداً قيامته من الأموات -على الأقل في مفهومنا نحن وتحليلنا للمكتوب -وهناك دلائل متعددة تؤكد ذلك منذ لحظة موته، في تحضير الحنوط التي جلبها نيقوديموس، وتلك التي جهزّتها النسوة (وكل هذه الحنوط كانت ضد فساد الجثمان)، وفي الأسى الذي ارتسم على ملامح النسوة أمام القبر الفارغ، في اعتقادهن بأن الجسد قد تمَّ نقله، في الحيرة التي ارتسمت على ملامح التلاميذ، وفي الشكوك التي خامرت عدداً كبيراً منهم. وفي الحقيقة يوضح ذلك الأمر الجملة التي تقول «لإنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات» (يو 20: 9). (Edershim,LTJM, 623)
يعلق ج. ب مورلاند على شهادة النسوة قائلاً: «في القرون الأولى لنشأة اليهودية، كانت شهادة المرأة لا قيمة لها، ولم يكن مسموحاً لها أن تدلي بشهادتها أمام المحاكم إلا في أحوال نادرة. ولا يمكن لأي إنسان أن يخترع قصة ما ويجعل النسوة أول من يدلين بشهادتهن فيما يختص بالقبر الفارغ. فإن إدلاء النسوة بشهادتهن هو إحراج للرجال، وربما هذا يفسر أن رؤية النسوة ليسوع أولاً لم تذكر في كورنثوس الأولى 15. وكذلك في العظات التي وردت في سفر أعمال الرسل طالما أن هذه المواعظ كانت تبشيرية المقصد. لم يكن هناك داعياً لأن يتضمن خطاب تبشيري تفصيلات عرضية ربما تسبب إرباكاً وتعثراً للمستمعين بينما يترك الهدف الرئيسي من الخطاب. والحقيقة أن الأناجيل تضمنتها في محاولة لوصف ما حدث، ولا يوجد تغيير آخر ملائم يستطيع أن يفسر هذه الحقيقة. (Moreland, SSC, 168)
ويقول ج. ب مورلاند في مجال احتمال قيام التلاميذ باختراع المسيحية: ذلك مستحيل لسبب وحيد هو أنه ليس هناك مكسب أو مغنم قد يحصل عليه التلاميذ من البدء في التبشير بدين جديد. لقد واجهوا المصاعب والشدائد المتعددة، وتعرضوا للهزء والسخرية والعداوة والموت كشهداء. في ضوء كل هذا لم يكن معقولاً أن يستمروا في هذا الطريق إذا علموا أن ما يبشرون به ليس سوى كذبة كبرى. لم يكن التلاميذ جماعة من الأغبياء وبولس بالذات كان إنساناً متعلماً ذا عقلية فذَّة من الدرجة الأولى، لقد تعددت الفرص خلال ثلاثة أو أربعة عقود من التبشير لأن يعيدوا النظر وأن ينبذوا تلك الفرية. وكان هذا الدين الجديد قد منحهم كل ما يصبون إليه، لكن تلك الهبات بزغت من خلال اعتقاد راسخ بأن ما يعيشون لأجله هو حق وصدق. (Moreland, SSC, 171)
يكتب كل من چون انكربيرج ومعه چون والدون عن نشأة الكنيسة الأولى:
هل يمكن القول بأن نشأة الكنيسة وظهورها للوجود كان نتيجة لما حدث بعد صلْب يسوع ودفنه، بواسطة مجموعة من التلاميذ من المحبطين المتشككين؟ ليس هناك أي فرصة لحدوث ذلك.
ليس هناك سوى قيامة المسيح من الأموات هي التي أعطت وشحنت التلاميذ بكل المحفزات اللازمة لأن يهبوا حياتهم للتبشير بالمسيح، وأن يرعوا الكنيسة الناشئة التي أرسى السيد أساسها. إنه من الصعوبة بمكان أن نقدِّر تأثير قيامة المسيح على التلاميذ، الذين ضحَّوا بكل شيء من أجل يسوع، شاملاً في ذلك أعمالهم، بيوتهم، وعائلاتهم (مت 19: 27) وكل ما هو ذو قيمة أو شأن تم التضحية به في سبيل يسوع.
كان التلاميذ مثبطين وواهني العزم عندما استنتجوا أن المسيح ليس هو المنتظر (لو 24: 21) وهم كان في تلك الحالة، من الصعب أن يروا شيئاً مفرحاً. إنهم لم يكونوا مستعدين لأن يصدقوا ويؤمنوا. حقيقة أن يسوع وبخهم لعدم إيمانهم موضحاً بكل جلاء أنه ليس توما فقط هو المتشكك الوحيد. ففي أكثر من مرة وجه يسوع توبيخاً للأحد عشر تلميذاً لعدم إيمانهم بقيامته (مت 28: 17، لو 24: 25 و27، 38، 41، يو 20: 24- 27). وهذا يدل على اقتناعهم في النهاية رغماً عن إرادتهم.
كما تُبيِّن الأناجيل، أنهم رفضوا أول التقارير التي وصلتهم عن قيامة يسوع. ولم يقنعوا إلا بعد ظهور يسوع لهم أكثر من مرة، وعندما تحدث معهم وهو يشجعهم على لمسه ليتأكدوا أن له جسد طبيعي، مظهراً لهم جراحاته التي في يديه وجنبه، هنا فقط صدَّقوا وآمنوا (يو 29: 20، 27) ولو كانوا متوقعين للقيامة لانتظروا حدوثها، لكنهم لم يكونوا كذلك، وكان يلزمهم قدر كبير من الإقناع عندما حدثت القيامة فعـلاً (أع 1: 3). (Ankerberg, RWA, 82)
2(ب) مشاهد ما بعد القيامة
1(ج) القبر الفارغ
يكتب ونفريد كوردوان عن حقيقة القبر الفارغ:
إذا ظهرت أي حقيقة ذات تاريخ قديم غير قابلة للشك أو الجدل، فإنها يجب أن تكون ذلك القبر الفارغ. فمنذ يوم أحد القيامة ولاحقاً وجد هناك قبر عرف بأنه قبر يسوع، لكنه لا يحوي جسده، فهو أمر لا يقبل الشك فيه، حيث انتهج تعليم العقيدة المسيحية منذ البدء والتبشير بحقيقة المخلِّص المقام من الأموات. لقد عارضت اليهودية هذا التعليم وكانت مستعدة لأن تصل إلى أقصى الحدود لكي تخمد هذه الحقيقة. كانت مهمتهم ستصبح أكثر سهولة لو دعوا بعض المؤمنين بالمسيح لزيارة سريعة إلى القبر وهناك يرون بأعينهم جسد يسوع. هذا بالطبع سوف تكون نهاية الرسالة المسيحية. الحقيقة هي أن الكنيسة نشأت ونمت على أساس المسيح المقام من الأموات وتوضح أن هناك قبراً فارغاً.
يعلق وليم لين كريج عن أهمية القبر الفارغ قائلاً: القبر الفارغ هو سند القيامة. وفكرة أن يسوع قام لابساً جسداً جديداً بينما استمر جسده القديم داخل القبر تعتبر من الأفكار الحديثة. والعقلية اليهودية لا تقبل أبداً فكرة تواجد جسدين لشخص واحد. وحتى إذا فشل التلاميذ من النظر داخل القبر الفارغ، فإن السلطات اليهودية سوف تعتبر مقصرة وقصيرة النظر إذا لم تراع ذلك. لذلك فإنه عندما بدأ التلاميذ بالتبشير بقيامة يسوع في أورشليم استجاب الناس، وعندما انتصبت السلطات الدينية اليهودية عاجزة عن فعل أي شيء، كان القبر فارغاً. الحقيقة البسيطة تقول إن من تحوَّلوا إلي المسيحية آمنوا بالمسيح المقام من الأموات، وهذا الاتجاه نما وازدهر في نفس المدينة التي حكم عليه فيها ودفن بها، وهو برهان دامغ على صحة تاريخية القبر الفارغ.(Craig, DJRD, as cited in Wilkins, JUF, 151-52)
يشير سبارو- سمبسون إلى أن القبر الفارغ لم يكن هو السبب الوحيد لأن يؤمن التلاميذ بالقيامة. فيوحنا قيل عنه «أنه رأى وآمن» (يو 20: 8)، لكن هذا ربما حدث لأنه تذكَّر أن المسيح قال هذا سابقاً عن قيامته. أما مريم المجدلية وكذلك النسوة وحتى بطرس لم يصدِّقوا شهادة القبر الفارغ.(Sparrow-Simpson, as cited in Hastings, DCG,506)
كان ظهور يسوع اللاحق هو الدليل الدامغ على قيامته من الأموات. القبر الفارغ استمر كحقيقة تاريخية تؤكد ظهوراته المتتالية وأنه ليس سوى يسوع الناصري المقام من الأموات بجسده ودمه.(Hastings, DCG,506)
يتساءل ج أندرسون المحامي والأستاذ المتخصص في القوانين الشرقية بجامعة لندن قائلاً:
«هل لاحظت كيف أن أدلة تواجد القبر فارغاً كُتبت جميعاً في الأناجيل؟ لقد كُتبت لتعطي المجتمع المسيحي كل الحقائق التي يريدون معرفتها. في المواعظ الملقاة على كافة غير المؤمنين، كما هو واضح في سفر أعمال الرسل، يلاحظ أن هناك تأكيد مستمر على حقيقة القيامة، إلا أنه ليس هناك أدنى إشارة عن القبر الفارغ. لكن لما حدث هذا؟ بالنسبة لي ليس هناك سوى رد واحد: ليس هناك مبرر واحد لإثارة موضوع القبر الفارغ. فالجميع سواء الأصدقاء أو الأعداء يعلمون أنه كان فارغاً، والأسئلة التي تستحق أن تناقش هي لماذا كان القبر فارغاً، وعلى ماذا يبرهن ذلك؟». (Anderson, CWH,4-9)
وفي كتابات أخرى يقول أندرسون:
القبر الفارغ يظهر أمامنا كصخرة قوية، وكعنصر أساسي ومهم في موضوع القيامة. ولنفترض أن القبر لم يكن فارغاً، كما يدَّعي البعض فإن هذا يعتبر قولاً سخيفاً. فالحقيقة التاريخية تدلنا على أن الرسل منذ البدايات الأولى غيرّوا العديد من الأشخاص في أورشليم، بالرغم من عداوة هؤلاء المعروفة، وذلك بنشر الأخبار المفرحة بأن يسوع قد قام من القبر - وفعلوا ذلك بأن ذهبوا في رحلة قصيرة إلى القبر. وكان في استطاعة أي مستمع لهم أن يقوم بزيارة قصيرة أثناء فترة الغداء، أليس هذا ليتأكدوا أن القبر فارغ أو أن جسده مازال باقياً في قبر يوسف الرامي معرضاً للتحلل؟ وهل يمكن لعدد كبير من الكهنة والفريسيين المتعصبين أن يتأثروا بحقيقة قيامة يسوع من الأموات بينما في حقيقة الأمر لم تحدث أي قيامة، فهي ليست سوى رسالة روحية تكمن في تعبيرات مضللة لتشرح موضوع القيامة من الأموات؟(Anderson, CWH,95,96)
يقول بول ألثوس: «في أورشليم حيث جرت أحداث صلْب وقيامة يسوع، سرت أخبار قيامته من الأموات بعد موته بقليل. والموقف هنا يستدعي أن يبرز دليل مؤكد بين الرعيل الأول بأن القبر كان فارغاً. وانتشار حقيقة القيامة ما كان لها أن تصمد ولو ليوم واحد أو لساعة واحدة في أورشليم إذا لم يتحقق الجميع بأن القبر كان فارغاً ويستطيع الجميع أن يتحقق منه.(Althus, as cited in Pannenberg, JGM,100)
ويعلق على ذلك أ.هـ.داي قائلاً: إذا تأكد فعلاً أن القبر لم يكن خالياً، فهناك الكثير من الصعوبات التي تواجه هذا النقد، فعلى سبيل المثال الاعتقاد الراسخ لحدوث القيامة السريعة، فإن هذه الصعوبة لم تؤخذ مأخذ الجد. والمشكلة الأخرى وهي الظروف التي أدت لهذا المعتقد. والمشكلة الثالثة هي فشل اليهود في إثبات أن القيامة لم تحدث أساساً، وذلك لأنهم لم يجدوا جسد يسوع أو عمل فحص رسمي للقبر، حيث أنه برهان له أهميته القصوى لكي يحتفظوا به ويبرزوه. (Edersheim, LTJM,25-26)
ويعلق على ذلك المحامي الإنجليزي الشهير فرانك موريسون: «في كل الكتابات المتفرقة وردود الأفعال التي وصلتنا عن ذلك الزمن البعيد على شكل حوارات وجدل قديم دائر، لم يخبرنا أحد أن هناك شخصاً مسئولاً أكد أن جسد يسوع كان لا يزال في القبر، ولم يعط لنا سوى أسباب عن عدم تواجد الجسد هناك. وباستجلاء كل هذه السجلات القديمة لا نجد سوى حقيقة واحدة، هي أن القبر كان فعلاً فارغاً. هل يمكن لنا حينذاك أن ننكر تلك الحقائق التي أجمع شارك فيها الجميع بكل تأكيد؟ في الواقع يصعب علينا تحقيق ذلك. لأن تتابع المصادفات في منتهى القوة.(Edersheim, LTJM, 25-26)
يوضح لنا مايكل جرين عن تواجد مصدر علماني له جذور قديمة تؤيد شهادة القبر الفارغ. هذا الدليل هو ما يسمى «مرسوم الناصرة»، وقد سمي كذلك على اسم المدينة التي وجد فيها. وهو مرسوم امبراطوري يتكلم عن قيامة يسوع، ويختص بفترة حكم طيباريوس (14- 37م) أو كلوديوس (41- 54م)، وهو مرسوم كله ذمّ وانتقاد، ويحوي تحريمات متعددة ضد الاهتمام بموضوع القبور والأموات! ويبدو أن موضوع القبر الفارغ قد وصل إلى روما بشكل مشوَّه (كان على بيلاطس أن يبلغ روما، ومن الواضح أنه قال في أحد تقاريره إن هذا القبر بالذات قد نُهب)، وكان هذا المرسوم رد الفعل على ذلك.(Green, MA, 36)
ويستنتج من ذلك جرين بقوله، «لم يكن هناك أدنى شك أن قبر يسوع كان فارغاً من اليوم الأول للقيامة». (Green, MA, 36)
يخبرنا القديس متى في (مت 28: 11- 15) عن محاولات السلطات اليهودية رشوة الحراس الرومانيين لكي يقولوا إن تلاميذه قد سرقوا جسده. ويعلِّق على ذلك «قاموس الكنيسة الرسولية» قائلاً:
«الإجراء التحايلي للأعداء يعترف بحقيقة أن القبر كان فارغاً- وهو اعتراف يدل على أن القبر الفارغ كان حقيقة مشهورة لا تقبل الجدل أو الدحض». (Hastings, DAC,340)
ويستنتج من ذلك مورلاند قائلاً: «على وجه الإجمال، فإن خلو ذكر القبر الخالي في العظات الواردة في أعمال الرسل يمكن تفسيره بأن حقيقة القبر الفارغ لم يكن هناك جدل بشأنها حينذاك، وبالتالي ليس هناك مبرر لذكرها. كان التحدي الحقيقي هو في تفسير، لماذا كان القبر فارغاً؟. ... ولم يكن هناك حاجة ملحَّة لأن يثير المبشرون الأوائل بالمسيحية موضوع القبر الفارغ، لأنه كان حقيقة معروفة ومؤكدة، ويمكن التأكد منها إذا استدعى الأمر كذلك.(Moreland, SSC, 163)
ويكتب و. ج. سبارو - وسمبسون «خلو القبر عرفه المضادون وكذلك أكَّده التلاميذ. وأيضاً حاول الحراس الرومانيون أن يبرزوا دليلاً مزيفاً لخلو القبر (مت 28: 11- 15). لكن الاتهامات اليهودية التي وجهت للتلاميذ اعتبرت أن خلو القبر أمر مفروغ منه. وكل ما كان مطلوباً هو تواجد تفسير لذلك... والمعلومة الخاصة بخلو القبر امتدت إلى كل التعليقات اليهودية اللاحقة الخاصة بهذا الموضوع». (Sparrow-Simpson, as cited in Hastings, DCG,507-08)
ويؤكد سبارو - سمبسون هذه النقطة بضرب مثال، «في القرن الثاني عشر سرى بين الأوساط اليهودية المضادة للمسيحية مقولة تختص بالقبر الفارغ. تقول هذه القصة إنه عندما علمت الملكة أن الرؤساء نفذوا الحكم على يسوع ودفنوه، وأنه فعلاً قام من الأموات، طلبت منهم الملكة أن يظهروا جسد يسوع في ظرف ثلاثة أيام وإلا فقدوا أرواحهم. حينذاك تكلم يهوذا مخاطباً الملكة قائلاً «تعالى معي وأنا أجعلك تشاهدين الرجل الذي تبحثين عنه: لأنني أنا الذي أخذت جسد هذا الذي ليس له أب من قبره، ولأنني خفت من قيام تلاميذه بسرقة الجثة، لذلك خبأتها في حديقتي وجعلت جدولاً من الماء يمر فوقه». وتتابع تلك القصة المزيفة مسيرتها لتشرح كيف ظهر بعد ذلك جسد الميت. (Sparrow-Simpson, as cited in Hastings, DCG,507-08)
من ذلك يخلص سبارو - سمبسون: «ليس هناك حاجة لأن نلاحظ أن هذا الادِّعاء الجسور لإظهار جسد الميت هو أيام العصور الوسطى، لكن على أية حال هو تأكيد هام وضروري لإظهار الحقائق، حيث أن القبر الخالي قد تأكد كحقيقة مؤكدة. أما حقيقة القيامة فقد أُنكرت».(Sparrow- Simpson, as cited in Hastings, DCG,507-08)
يذكر أرنست كيفان دليلاً يعبِّر عنه قائلاً: بأنه دليل لا يدحض عن حقيقة القبر الفارغ. فالقبر كان فعلاً فارغاً، وأعداء المسيح ما كانوا لهم أن ينكروا ذلك». (Kevan, RC,14)
وهو يؤكد ذلك بقوله، «حقيقة القبر الفارغ توجِّه ضربة قاضية لكل الادعاءات والافتراضات التي يشهرها البعض ضد المسيحية. فهذه الصخرة التي تتحطم فوقها كل النظريات المضللة، ليس من المدهش أن نكتشف أن المعارضين كانوا يتحاشون دائماً الإشارة إلى القبر الفارغ في مناقشاتهم. (Kevan, RC,14)
وطبقاً لما ذكره سبارو- سمبسون في مجال التعليق على الناقد الأعظم للعهد القديم وهو الباحث الألماني جوليوس فيلهوزن عندما ذكر شهادته فيما يختص بقيامة المسيح قائلاً: «من الواضح ملازمة القيامة باختفاء جسد يسوع من القبر، ولا يمكن تفسير ذلك على أسس واقعية».
لماذا لم يكن قبر يسوع مجالاً للتبجيل والإجلال؟ يعلق على ذلك ج.ن. أندرسون قائلاً، «يظهر بشكل جلي أنه لم تصلنا أية إشارات تدل على أن قبر يسوع كان مكاناً مقدساً يحج إليه الناس في المراحل الأولى لنشأة الكنيسة. وحتى إذا كان المسيحيون مقتنعين تماماً بأن زيارة القبر غير مجدية لأن سيدهم قد قام من الأموات، لكن ما شأن هؤلاء الذين استمعوا إلى عظاته، بل وعرفوه وشاهدوا معجزاته الشافية، لكنهم لم ينضموا إلى المجتمع المسيحي؟ هؤلاء أيضاً، كما يبدو، علموا أن جسده لم يكن متواجداً في القبر، واستنتجوا بالطبع أن زيارة القبر غير ضرورية ولا معنى لها.(Anderson, CWH,97)
يمدنا فرانك موريسون بملاحظة مثيرة في كتابه المعنون «من دحرج الحجر»
«عندما نأخذ في اعتبارنا عدم وجود أي أثر في سفر أعمال الرسل أو الرسائل أو حتى الأسفار الأبوكريفية في مرحلة الجدل المبكرة تدل على أن أحداً ذهب إلى قبر يسوع ليعلن تبعيته له. فإن ذلك أمراً مدهشاً - هذا الصمت الرهيب الذي يختص بأقدس الأماكن في الوجدان المسيحي. ألم يخطر لواحدة من النسوة ومازال شخص يسوع ماثلاً في ذهنها أن ترغب في قضاء قليل من الوقت في رحاب هذا المكان المقدس؟ ألم يخطر ببال بطرس أو يوحنا أو يعقوب أن يشعروا بقداسة هذا المكان الذي يضم داخله جسد المعلم العظيم؟ ألم يفكر شاول نفسه، وهو يتذكر مدى غروره وثقته بنفسه السابقة أن يقوم بزيارة وحيدة لهذا المكان المقدس، ويذرف هناك الدموع الثخينة التي تظهر ندمه لإنكاره الاسم الحسن؟ أليس غريباً أن لا يفعل كل هؤلاء ذلك إذا علموا فعلاً أن السيد كان مدفوناً هناك؟
لأي إنسان منتقد لحقيقة القيامة، فإن السكوت القديم الذي لحق بهذا القبر ينشيء شعوراً لهم بعدم الارتياح أو الاقتناع.(Morison, WMS, 137)
2(ج) الأكفان
في السرد التالي، يوضح لنا القديس يوحنا اللاهوتي معنى تواجد الأكفان كدليل على قيامة يسوع:
«فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا إلى القبر. وكان الاثنان يركضان معاً. فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولاً إلى القبر وانحنى فنظر الأكفان موضوعة، ولكنه لم يدخل. ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع لوحده. فحينئذ دخل أيضاً التلميذ الآخر الذي جاء أولاً إلى القبر ورأى فآمن. لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات» (يو 20: 3- 9).
وتعليقا ًعلى ما كتبه يوحنا، يقول لنا المؤرخ ج.ن. أندرسون في مجال تعليقه على القبر الفارغ:
يبدو أنه لم يكن فارغاً حقاً. أنت تذكر بالطبع ما كتب عنه يوحنا في إنجيله كيف أن مريم المجدلية ركضت وأخبرت بطرس ويوحنا وكيف أن كليهما أسرعا جرياً نحو القبر، وأن الأصغر عمراً وهو يوحنا سبق بطرس وأتى أولاً إلى القبر. وانحنى (اختلس النظر) نحو الداخل (الذي أعتقد أنه التعبير الصحيح عن الكلمة اليونانية). ونظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان على رأسه. ثم حضر بطرس وبطبيعته المندفعة دخل فوراً إلى القبر ثم تبعه يوحنا، وكليهما لاحظا الأكفان والمنديل المبتعد قليلاً عن الملابس، ومكوم في مكان الرأس. والتعبير اليوناني يوضح أن الأكفان كانت في مكانها الطبيعي وليست مبعثرة في أرجاء القبر وأن هناك فجوة حيث كانت رقبة يسوع، وأن المنديل الذي كان ملفوفاً فوق رأسه ليس مختلطاً بملابس الأكفان لكنه متباعد وملفوف في مكانه، وأعتقد أن شكله كما لو كان على الرأس فعلاً. ويبدو كأنما الجسد انسحب بلطف بعيداً عن ملابسـه، وقيل لنا أيضاً أن ما رآه يوحنا لا يحتاج لشهــادة سواء من إنسان أو حتى ملاك! هو رأى وآمـن. وهذه الشهادة وصلـت لنا. (Anderson, RJC,7-8)
يعلق أ. هـ. داي على رواية يوحنا قائلاً:
«إن ما رآه يوحنا ولمسه فيه الدليل القاطع المقنع ليس كشاهد عيان بل لملاحظ دقيق... فركض التلميذان، وتتابع وصولهما للقبر، وكيفية دخولهما. وانحنى يوحنا وأخذ ينظر من خلال الباب المنخفض ورؤيته للأكفان في مكانها، وكان بطرس أكثر منه شجاعة وسبقه في الدخول- والكلمة اليونانية تعني أنه (نظر) الأكفان، التي قد تحمل في معناها أنه فحص الأمر مليَّاً وبكل دقة، ووصف أماكن تواجد الملابس والمنديل، وهو وصف دقيق مختار في ألفاظه، ثم دخول يوحنا تالياً، والإيمان الذي اكتنفه عندما رأى الأكفان، هذه الأمور جميعاً تعني أنه (نظر) وأن ذاكرته مازالت ترسم له المنظر كما شاهده، وأن رؤيته للقبر الفارغ والملابس المهجورة كانت نقطة فارقة في إيمانه ثم كل حياته بعد ذلك.(Day, ER, 16-17)
يكتب لاثام عن ملابس الوجه التي غطت وجه يسوع:
العبارة التي تقول «ليس موضوع مع الأكفان» توضِّح لي أمر ما... إنها توضح أن الأكفان كانت في موضع واحد، وإذا كانت هذه موضوعة كما أتخيل، على الجزء الأسفل من النتوء، فإن التعبير يكون بذلك في منتهى الوضوح، لكن إذا كانت ملابس الأكفان إحداها هنا والأخرى هناك، كما لو كانت قد ألقيت بشكل متعجل فليس هناك معنى في قوله بأن المنديل «ليس موضوعاً مع الأكفان» لأن «الأكفان» لن تحدد مكاناً معيناً. ونحن نلاحظ مرة أخرى أن استخدام لفظة «موضوعة» ليست مناسبة بالضرورة. المنديل لم يكن مسطحاً كما هو الحال بالنسبة للأكفان، وربما لاحظ القديس يوحنا الفرق.(Latham, RM,44)
يضيف لاثام: المنديل الذي كان ملفوفاً تعتبر جملة غامضة نوعاً، وأظن أن المنديل كان ملتوياً على نفسه كالخاتم ومماثل لطيات العمامة المخلوعة من الرأس.(Latham, RM,44)
يستنتج لاثام من ذلك:
هنا ترقد الملابس، لقد هبطت على بعضها قليلاً، لكنها ملفوفة بطيات واضحة فوق بعضها البعض، ولا توجد ذرة من الحنوط في غير موضعها. والمنديل أيضاً، يرقد على المصطبة المنخفضة التي تستخدم كمخدة للرأس، وهو ملتوي كشكل الشعر المستعار ومتجمع في مكان واحد- كان هدوء المنظر يبدو كأنه ينقل رسالة ما، فهو يخاطب من رآه ويتكلم معي أيضاً عندما أستحضره في ذهني ونور الصباح يشع من باب القبر. وأستمع إلى ما تهمس به، فكل ما كان يعانيه يسوع اختفى ولم يعد له وجود. أما نحن -ملابس القبر والحنوط والمنديل- ننتمي جميعاً إلى الأرض، لذا بقينا في أماكننا.(Latham, RM,11)
3(ج) الختم
يعلق أ.ت. روبرتسون «كان الختم يوضع في حضور الجنود الرومانيين الذين خصصوا لحراسة الشعار الروماني الذي يمثل قوة ونفوذ روما»
يقول د. د. هدون «لا يمكن فتح الباب بدون كسر الختم، وهذا يمثل جريمة شنعاء في حق مالك الختم». لقد انكسر الختم عندما تدحرج الحجر، والشخص أو الأشخاص الذين لا يتورعون على كسر الختم سوف يكونون مسئولين أمام الحاكم المحلي ووكلائه، في الحقيقة كان كسر الختم في زمن قيامة المسيح يخشاه الجميع.
4(ج) الحراس الرومانيون
أن نفهم من هم هؤلاء الحراس، يجعل من رواية (متى 28) ذات تأثير قوي، فالمنظر الذي صاحب قيامة يسوع كان مفزعاً مما جعل هؤلاء الحرَّاس الصارمين يرتعدون. «ارتعد الحراس وصاروا كأموات» (مت 28: 4).
وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحرَّاس وصاروا كأموات».
«وفيما هما ذاهبتان إذ قوم من الحرَّاس جاءوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان، فاجتمعوا مع الشيوخ وتشاوروا وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين. قولوا إن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام. وإذا سُمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين. فأخذوا الفضة وفعلوا كما علَّموهم. فشاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم» (مت 28: 2- 4، 11- 15).
يعطينا روبر هذا الوصف لهؤلاء الحراس:
لم يكونوا مهتمين أبداً بإنجاز المهمة المكلفين بها. كان همهم الوحيد هو أن يؤدوا مهام وظيفتهم كجنود تابعين للامبراطورية الرومانية التي ألزموا أنفسهم بالولاء لها. والختم الروماني الذي أُلصق على الحجر أمام قبر يوسف كان له قداسة كبرى تفوق كل فلسفة إسرائيل أو قداسة تاريخها القديم... كانوا في منتهى برود الأعصاب لدرجة أن جماعة أخرى منهم ألقوا قرعة على ملابس المصلوب فوق جبل الجلجثة.(Roper, JRD,33)
يشرح لنا ت. ج. تكر بتفصيلات أكبر عن الأسلحة التي يحوذها أحد أفراد المئة. الصورة التي ينقلها لنا تبين أننا أمام آلة حرب متحركة.
ويخبرنا توماس ثوربورن أن الجنود القائمين بالحراسة كانوا في مأزق حقيقي بعد أن تزحزح الحجر من مكانه وانكسر الختم، إنهم معرَّضون الآن للمحاكمة العسكرية: «لا يمكن للجنود أن يدعوا بأنهم كانوا نائمين، لأنهم يعلمون أن عقوبة النوم أثناء الحراسة عقابها الوحيد هو الموت، وهي عقاب تكرر حدوثه».
ويضيف ثوربون قائلاً «ليس أمام هؤلاء الجنود من حلِّ لمشكلتهم هذه سوى الاعتماد الكلِّي على صلات رؤساء الكهنة بالسلطات المحلية، فالجسد (كما نفترض) اختفى وإهمالهم سوف يتسبب في قتلهم في الظروف العادية».
5(ج) يسوع كان حياً، كما بينته ظهوراته العديدة بعد ذلك.
1(د) أهمية الظهورات
يكتب س. لويس فيما يختص بظهورات المسيح بعد القيامة: «الحقيقة الأولى في تاريخ المسيحية هي مجموعة الناس الذين قالوا بأنهم شاهدوا القيامة، وإذا ماتوا بدون إقتناع أي أحد بصدق تلك البشارة، لما كتبت هذه الحقيقة في الأناجيل».(Lewis, M, 149)
يقول ج. ب. مورلاند في شأن ظهورات يسوع:
«أخيراً، يتم تناول موضوع ظهورات المسيح بعد القيامة بأكبر قدر من التحفظ، وعندما يقارن الإنسان تلك الظهورات بما قيل عنها في الأناجيل الأبوكريفية (القرن الثاني الميلادي وما بعده) يلاحظ أن هناك فرقاً مدهشاً. في تلك الأخيرة توجد تفسيرات مفصَّلة توضح كيف كانت الظهورات، لقد أضيفت تفصيلات عديدة. مثلاً في إنجيل بطرس (منتصف القرن الثاني) يُحكى عن صليب ظهر من القبر خلف يسوع، وأنه كان فائق الطول حتى أنه يناطح السحاب!».(Moreland, SSC, 175)
يعلق وليم لين كريج عن الطبيعة الواقعية للظهورات:
«لأن التلاميذ كانوا محافظين على التقليد اليسوعي، وهم الذين وجهوا المجتمع المسيحي بعد ذلك، لذا فإنه من الصعوبة بمكان أن لا تتوافق القصص الخاصة بالظهورات مع خبرتهم وأيضاً أن تنشط وتتصاعد طوال فترة حياتهم. قد ينشأ التعارض بالشبه للتفصيلات الثانوية، والمنظرون الإنجيليون قد يؤثروا على التقليد المسلم، لكن التقليد الأساسي لا يمكن أن يتدرج تحت بند الأسطورة.
الأحداث الأساسية غير التاريخية فيما يختص بيسوع لم تظهر سوى في القرن الثاني الميلادي، وحتى في ذلك الحين كانت هذه ترفض بشدة من الكنيسة.
يكتب ج.ن. أندرسون عن شهادة الظهورات:
أكثر الطرق عنفاً لطمس الحقائق هي ادعاء بأن هذه القصص غير حقيقية، وأنها ليست سوى أكاذيب متعمدة. لكن، وعلى حد علمنا، لا ينتهج واحد من النقاد هذا الأسلوب.. وفي الحقيقة، هي مهمة صعبة. تذكر عدد شهود الظهورات، وهم أكثر من 500 شخص. تذكر حقيقة شخصية هؤلاء الشهود من رجال ونساء الذي منحوا العالم أعظم المعايير الأخلاقية التي عرفت على الأرض، والتي، حتى من وجهة نظر أعدائهم، عاشوا بها وفي ظلالها ومارسوها في حياتهم. تذكر التعارض النفسي عندما نتصور هذه الجماعة الصغيرة من الجبناء المذعورين المنكمشين على أنفسهم داخل العلية في يوم ما، ثم بعد عدة أيام قليلة يتحولون إلى جماعة أخرى لا يثنيهم أي اضطهاد أو تعذيب يتعرضون له- ثم يحاول النقاد بعد ذلك أن ينسبوا هذا التحول العجيب إلى قصص ملفقة يدسونها على العالم. هذا كله ليس فيه أي نوع من المنطق.
ويعلق على هذا أيضاً
چون مونتجمري:
لاحظ أنه عندما أعلن التلاميذ موضوع القيامة، فعلوا ذلك كشهود عيان ومازال الكثير منهم في ذلك الحين أحياء وكانوا على صلة وثيقة بما حدث. في سنة 56 م، كتب بولس أن هناك أكثر من 500 أخ شهد بعينيه المسيح المقام من الأموات، وأن معظمهم مازال على قيد الحياة (1كو 15: 6). إن هذا يفوق حدود التصور بأن المسيحيين الأوائل اخترعوا هذه القصة ثم يبشرون بها أمام هؤلاء الذين في مقدورهم بكل سهولة أن يفندوها وذلك بإظهار جسد يسوع.(Montgonery, HC,78)
يكتب برنارد رام «إذا لم تكن هناك قيامة، فيجب أن يعترف النقاد المتطرفون أن بولس قد خدع التلاميذ عندما أخبرهم بظهور المسيح له، وهم أيضاً من جانبهم خدعوه عن ظهورات المسيح بعد القيامة لهم. إنه من الصعب أن تطعن فيما ورد بالرسائل الخاصة بتلك النقطة، لأنها تحتوي إثباتات قوية يتعذر دحضها.(Ramm, PCE, 203)
ظهورات المسيح في حياة الأفراد
1. لمريم المجدلية: مرقس 16: 9، يوحنا 20: 14.
2. للنساء العائدات من القبر: متى 29: 9 و10.
3. لبطرس في وقت متأخر من النهار: لوقا 24: 34، 1كو 15: 5.
4. لتلميذي عمواس: لوقا 24: 13-33.
5. للتلاميذ بدون توما: لوقا 24: 36-43، يوحنا 20: 19- 24.
6. للتلاميذ ومعهم توما: يوحنا 20: 26- 29.
7. للسبعة وهم بجوار بحيرة طبرية: يوحنا 21: 1- 23.
8. لخمسمائة شخص بالإضافة إلى المؤمنين فوق جبل الجليل: 1كو 15: 6.
9. ليعقوب! 1كو 15: 7.
10. للأحد عشر رسولاً: متى 28: 16- 20، مرقس 16: 14- 20، لوقا 24: 33- 52، أعمال الرسل 1: 3- 12.
11- في الصعود: أعمال الرسل 1: 3- 12.
12- لبولس: أعمال 9: 3- 6، 1كو 15: 8.
13- لاسطفانوس: أعمال 7: 55.
14. لبولس وهو في الهيكل: أعمال 22: 17- 21، 23: 11.
15. ليوحنا وهو في بطمس: الرؤيا 1: 10- 19.
يعلق ج.ب. مورلاند على طبيعة جسد يسوع بعد القيامة قائلاً: أولاً، يتفق كتَّاب الأناجيل ومعهم بولس أن يسوع ظهر بجسد طبيعي. ومن المعترف به أن يسوع له حالياً طبيعة روحانية تختلف كلية عن شكله عندما كان يعيش وسط البشر. لكن يسوع مازال له جسد روحاني، وليس بولس أو كتَّاب الأناجيل يدركون فقط أن معنى الجسد الروحاني هو أنه يصعب إدراكه إلا بالخيال الذهني. لكن هذا الجسد الذي رأوه يمكن له أن يُرى وُيلمس وله استمرارية واتصال بالجسد الذي وُضع في القبر. فالمسيح المقام كما رأوا بأعنيهم يستطيع أن يأكل. (لو 24: 41- 43).(Moreland, SSC, 82)
يقول وليم لين كريج عن طبيعة السجد المقام:
لكن في الحقيقة، يعلِّم بولس أن جسدنا المقام سوف يشابه جسد يسوع، وأنه سوف يكون ذو طبيعة روحانية، لكن لم يتبع ذلك بقوله إن هذه الأجساد لن تكون بشكلها الطبيعي.. مثل هذا التأويل لا تدعمه التفسيرات التي وردت في عظات بولس. عندما نقرأ جملة «سوما نوماتيكن» نفسرها بأنها «الجسد الروحاني». هنا يفهم الإنسان أنه جسد غير مدرك أو ملموس وغير قابل للنمو والتطور، وأنه ليس مادياً. ثم يتعذر علينا بعد ذلك أن نتأكد أن بولس على علم بأنه سوف يحدث لنا مثل تلك النوعية من القيامة الجسدية. يتفق مفسرو العهد الجديد أن لفظة «نوماتيكس» تعني «الروحاني» (1كو 2: 15، 10: 4). إن تحوُّل الجسد الأرضي إلى «سوما نوماتيكن» لا ينقذه من المادية لكن يحميه من الفناء والموت.
إن «سوما» أي الجسد الذي لا يتغير أو لا يدرك، كان له تفسيرات متعارضة عند الرسل. جسد القيامة سوف يكون خالداً، قوياً، ممجداً، جسد يقوده الروح كلية، مناسب لوجود خليقة جديدة فيه.. كل المتخصصين يتفقون على أن بولس لم يعظ بخلود الروح فقط، لكن كل تأكيداته الخاصة بقيامة الأجساد سوف تصبح باطلة وغير محددة إذا كان قصده أن القيامة سوف تكون مادية ملموسة. لذا فإن الدليل التفسيري لا يدعم التشعب الذي حدث ما بين بولس وباقي الإنجيليين فيما يختص بطبيعة قيامة الأموات. (Craig,DJRD, as cited in wilkims, JUF,157)
6(ج) أعداء المسيح لم يدحضوا أو يفندوا حقيقة القيامة
1(د) كانوا صامتين
يسجل لنا لوقا موعظة لبطرس في سفر أعمال الرسل الأصحاح الثاني، في يوم حلول الروح القدس. ولم يحدث من قبل أن رفض اليهود إعلانه بكل شجاعة عن قيامة يسوع من الأموات. لكن لماذا؟ لأن دليل القبر الفارغ كان متواجداً ويستطيع أي إنسان أن يتأكد منه. لقد علم كل إنسان أن القبر لا يحوي داخله جسد يسوع.
في سفر أعمال الرسل الأصحاح 25، نرى بولس مسجوناً في قيصرية، وفستوس «جالس على كرسي الولاية... وأمر أن يؤتى ببولس، فلما حضر وقف حوله اليهود الذين كانوا قد انحدروا من أورشليم وقدموا على بولس دعاوي كثيرة وثقيلة لم يقدروا أن يبرهنوها (أع 25: 6، 7). لكن ما هي تعاليم بولس التي أُغضبت ووتَّرت اليهود؟ ما هي النقاط التي تجنبوا إثارتها وهم يدلون بشكايتهم؟.
يصف فستوس للملك أغريباس، السبب الرئيسي لشكواهم بقوله: «إنه عن واحد اسمه يسوع قد مات وكان بولس يقول إنه حي». اليهود لم يستطيعوا أبداً تفسير لغز القبر الفارغ.
لقد اصطنعوا كل أنواع الاتهامات الشخصية في الهجوم على بولس، لكنهم تجنبوا الدليل الموضوعي الخاص بالقيامة. لقد انحدروا إلي مرحلة الشتم وامتنع عليهم مناقشة الشاهد الصامت، ألا وهو القبر الفارغ. كان صمت اليهود يتكلم بصوت أعلى من أصوات المسيحيين، أو كما عبر فيربيرن «كان صمت اليهود له نفس وقع خطاب المسيحيين».(Fairbairn, SLC,357)
يخبرنا الأستاذ داي «أن الدحض البسيط، والتحدي الفعَّال لحقيقة القيامة، كان قادراً على توجيه ضربة مهلكة للمسيحية، وكان ميسوراً لهم تنفيذ ذلك لو كان هذا فعلاً من الممكن تحقيقه».(Day, ER, 33-35)
يذكر د. باننبرج الآتي «المعارضة المبكرة لليهود للرسالة المسيحية الخاصة بقيامة يسوع لها آثار واضحة في الأناجيل، وهي لا تقدم لنا أي اقتراح بأن قبر يسوع ظلّ غير مطروق. المعارضون اليهود سوف يهتمون بشكل خاص بالحفاظ على أي تقرير يؤيد وجهة نظرهم. مع ذلك، فقد حدث العكس وشاركوا معارضيهم من المسيحيين بأن القبر كان فعلاً فارغاً. وجاهدوا بأنفسهم في شرح تلك الحقيقة ولكن بأسلوبهم الخاص».(Pannenberg, as cited in Anderson, CWH, 96)
لقد تأسست الكنيسة على موضوع القيامة، ودحض هذه القيامة كان كفيلاً بتدمير كل الحركة المسيحية. مع ذلك، وبدلاً من تقديم الدليل المضاد، خلال القرن الأول، ثم تهديد المسيحيين واضطهادهم بالجلْد والضرب والقتل بسبب إيمانهم هذا، كان من السهل جداً عليهم أن يخرسوهم وذلك بإبراز جسد يسوع. لكن هذا لم يحدث أبداً.
وكما عبَّر عن ذلك چون ستوت أفضل تعبير عندما كتب: «كان صمت أعداء المسيح هو الدليل البارع عن القيامة إلى شهد بها التلاميذ».(Stott,BC,51)
2(د) لقــد ســخــــــروا
1 (هـ) فـــــي أثيــنــــا
عندما تكلم بولس مع الأثينيين عن المسيح، لم يستطيعوا مجاوبته أو معارضته، «لما سمعوا بالقيامة من الأموات كان البعض يستهزئون» (أع 17: 32). لقد ضحكوا بكل سخرية لأنهم لم يفهموا كيف يمكن لإنسان أن يقوم من الأموات، وحتى أنهم لم يحاولوا أن يدافعوا عن وجهات نظرهم تلك. وكأنهم يقولون، «من فضلك، لا تربكنا فيما يختص بالحقائق، التي استقرت في عقولنا على وضع معين».
لماذا واجه بولس مثل هذا الإنكار في بلاد اليونان ولم يواجه مثله في أورشليم؟. كان هذا بسبب أن أورشليم بها مقر القبر الفارغ ويستطيع أي إنسان أن يأتي ليفحصه، لكن في أثينا كان الدليل بعيداً لأن القبر الفارغ لم يكن من المعلومات المعروفة، مستمعو بولس لم يكن في مقدورهم التحقق من أقواله، وفضَّلوا أن لا ينشغلوا بفحص الحقائق، لقد ارتضوا أن يحوِّلوا الموضوع إلى شأن مضحك وذلك بكل جهل. إن الانتحار العقلي هو أبلغ وصف لحالتهم هذه.
2 (هـ) أمام أغريباس وفستوس في قيصرية
أخبر بولس أغريباس وكل الحاضرين في المحكمة أن المسيح «المقام من الأموات وهو مزمع أن ينادي بنور للشعب اليهودي وللأمم» (أع 26: 23). وبينما ينادي بولس في مجال دفاعه، ردّ عليه فستوس بصوت عالِ: «أنت تهذى يا بولس، الكتب الكثيرة تحولك إلى الهذيان. فقال لست أهذى أيها العزيز فستوس بل أنطق بكلمات الصدق والصحو. لأنه من جهة هذه الأمور عالم الملك الذي أكلمه جهاراً. إذ أنا لست أصدِّق أن يخفى عليه شيء من ذلك. لأن هذا لم يفعل في زاوية. أتؤمن أيها الملك أغريباس بالأنبياء. أنا أعلم أنك تؤمن. فقال أغريباس لبولس بقليل تقنعني أن أصير مسيحياً» (أع 26: 24- 28).
ومرة أخرى، كما حدث في أثينا، يواجه بولس بعدم التصديق، كانت رسالته هي أن المسيح قام من الأموات (أع 26: 23). ومرة أخرى لم يقدم له دليل مناقض بدفع الحجة بالحجة، لم يقابل سوى بسخرية غبية من فستوس، بينما كان دفاع بولس منطوقاً بكلمات كلها «صدق وصحو» (أع 26: 25). لقد أكَّد بولس على الطبيعة التجريدية للحالة التي يشرحها بقوله: «لأن هذا لم يفعل في زاوية» (أع 26: 26). لقد تحدَّى كل من أغريباس وفستوس بتقديم الدليل، لكن فستوس مثل الأثينيين لم يفعل شيئاً سوى أن يضحك. هذه الحادثة جرت في قيصرية، حيث لم يكن معروفاً لـكل فرد أي قبر كان فارغاً. لكن الرحلة إلى أورشليم كانت كفيلـة بـأن توضِّح الأمور.
3(ب) حقائق تاريخية ثابتة
القبر الفارغ، هو الدليل الصامت عن قيامة المسيح لم يتم تفنيدها أبداً. لم يستطع سواء اليهود أو الرومان أن يظهروا جسد يسوع أو حتى يشرحوا أين اختفى. مع ذلك رفضوا التصديق والإيمان. هناك الكثير من الرجال والنساء يرفضون القيامة، ليس بسبب عدم كفاية الأدلة، لكن بالرغم من كفايتها فعلاً.
يكتب أ. هـ. داي قائلاً «في هذا القبر الفارغ، أدركت الديانة المسيحية وشهدت بمعقولية إيمانها، لم يشك المسيحيون أبداً واعتبروها حقيقة مجردة بأن القبر وجد خالٍ بعد اليوم الثالث، وكاتبو الأناجيل يؤكدون ذلك. وتقديم الدليل لا يقع على عاتق من يتمسكن به، لكن على من ينكرون وجود القبر الخالي، أو يشرحون غياب جسد السيد بنظرية معقولة. (Day, ER,25)
يقول چيمس ديني «القبر الفارغ ليس نتيجة روح تبريري ساذج، روح لا يسعد بدليل حدوث القيامة المتضمن داخله. حقيقة أن السيد ظهر لخاصته وأسرع بهم محققاً حياة منتصرة،... إنه جزء حقيقي، ومستقل، وجزء غير متحيز من الشهادة الرسولية».(Denney, as cited in smith, TS,374)
4(ب) حقائق نفسية ثابتة
1(جـ) حياة الرسل المتحولة
يقول چون د. ستوت «ربما يكون تحوَّل حياة التلاميذ هو الدليل الأكبر على قيامة المسيح».(Sttot, BC, 58-59)
ويخبرنا سيمون جرينليف وهو محام خريج جامعة هارفرد، «كان من المستحيل أن يصرِّوا على تأكيد الحقائق التي سردوها لو لم يكن يسوع قد قام فعلاً من الأموات، وتكون معرفتهم لهذه الحقائق مؤكدة كأي حقيقة أخرى يؤمنون بها».
«بالكاد تمدنا الحوليات الحربية بمثال مشابه في البطولة الراسخة والصبر والشجاعة المقدامة. كان لديهم كل الإمكانيات المتاحة لأن يستنبطوا بكل دقة تلك الحقائق، وكذلك أدلة الحقائق الكبرى التي أكدوها وآمنوا بها». (Greenland, TE,9)
يتساءل بول ليتل «هل كان هؤلاء الرجال الذين ساهموا في تغيير أخلاقيات مجتمع بأسره كاذبين محترفين أو مجموعة من المجانين المخدوعين؟ هذه التحولات التي حدثت يصعب تصديقها بدون حدوث القيامة، لم يكن متاحاً لهم أبداً أي دليل آخر يسندهم».(Litle, KWHY B,63)
تأمل في الحياة المتحولة ليعقوب أخ يسوع. قبل القيامة كان يحتقر كل ما يمثله أو يدافع يسوع عنه. كان يعتقد أن ما يعلنه أخوه ليس سوى بطلان صارخ وليس له هدف سوى تلطيخ اسم العائلة. مع ذلك، فإنه بعد القيامة وُجد يعقوب بين التلاميذ يبشر بإنجيل السيد، ورسالته التي كتبها توضح تلك العلاقة الجديدة التي ربطته بالمسيح، هو يصف نفسه بأنه «عبد لله والرب يسوع المسيح» (يع 1: 1). التفسير الوحيد لهذا التغير الذي حدث له هو ما شرحه بولس عدما قال «وبعد ذلك ظهر ليعقوب» (1كو 15: 7).
يقول چورچ ماثيسون:
تشكُك توما يرجع إلى اعتقاده الجازم أن موت يسوع هو نهاية لمملكته. «دعنا نذهب لنموت معه». هذا الرجل الذي نطق بهذه الكلمات كان يفتقد تماماً الأمل في قيامة يسوع. ولا يمكن لأي إنسان أن يقترح الموت مع آخر بينما هو يتوقع أن يراه بعد ساعات قليلة. في تلك اللحظة بالذات تخلَّى توما عن كل اعتقاداته الذهنية، لقد وجد أنه لا أمل متاح أمام يسوع. هو لم يؤمن بقواه الذاتية، لقد اقتنع فكره أن قوى العالم الخارجي سيكون لها الغلبة على يسوع وأنه سوف يسحقه ويفنيه. (Matheson RMNT,140)
مع ذلك، فإن يسوع أظهر نفسه لتوما أيضاً، وظهرت النتيجة المبهرة في إنجيل يوحنا عندما صرخ توما قائلاً «ربي وإلهي» (يو 20: 28). لقد تغير توما تماماً بعد تأكده من قيامة يسوع. ومات أخيراً كشهيد.
2(جـ) الحياة المتغيرة على مدى ألفي عام
كما غير يسوع حياة تلاميذه، كذلك تحولت حياة ملايين من الرجال والنساء على مدى ألفي عام. للاطلاع على دلائل أخرى تختص بالشهادة عن الحياة المتغيرة. انظر الفصل الثاني عشر من هذا الكتاب.
3 (جـ) القرار
إذن فالحقائق النفسية التي تظهر في الحياة المتغيرة، هي أسباب معقولة للإيمان بالقيامة. إنها دلائل ذاتية تحمل في طياتها حقائق موضوعية توضح أن يسوع المسيح قام من الأموات في اليوم الثالث، لأنه لا توجد سوى قيامة المسيح القادرة أن تنشيء هذه المقدرة العجيبة في تغيير حياة أي إنسان.
في يوم الصلْب امتلأت قلوبهم بالحزن، أما في اليوم الأول من الأسبوع فقد امتلأت قلوبهم بالفرح. في مشهد الصلْب فقدوا الأمل، وفي اليوم الأول من الأسبوع شعَّت في قلوبهم دفقات من الأمل واليقين. عندما وصلتهم الأخبار الأولى عن القيامة قابلوها بعدم التصديق والإنكار، وما أن تأكدوا فإن الشك لم يطرق بعد ذلك باب قلوبهم. ما الذي يمكن أن يقال عن هذا التغير المدهش الذي حدث لهؤلاء في ذلك الوقت القصير للغاية؟ فمجرد نقل الجثمان من القبر ليس بقادر أبداً أن يغيِّر أرواحهم وشخصياتهم، وثلاثة أيام ليست كافية لبزوغ أسطورة تسيطر عليهم بالكامل. فلكي تنجح أي أسطورة يجب أن ينقضي وقت كاف لتنغرس في النفوس. إن ما حدث حقيقة نفسية تحتاج إلى قدر كبير من الفحص والتفسير.
تذكَّر شخصية الشهود من رجال ونساء، وهم الذين منحوا العالم أعظم الدروس الأخلاقية التي عرفتها الإنسانية، وباعتراف الأعداء عاشوا بمقتضاها ومارسوها في حياتهم. تذكَّر أنها تعتبر طفرة نفسية غير معقولة إذا تصورنا هذه المجموعة الصغيرة من الأفراد المنهزمين المنكمشين على أنفسهم المذعورين داخل غرفة عليا في يوم ما، وبعد أيام قليلة يتحولون إلى جماعة لا يمكن لأي اضطهاد أو تعذيب أن يثنيهم عن التبشير- ثم بعد ذلك يزعم البعض أن هذا التغيير مصدره ليس إلا كذبة بائسة حاول التلاميذ أن يدسوها على العالم. هذا ليس معقولاً بالمرة. (Anderson, RJC,5-6)
5(ب) حقائق اجتماعية ثابتة
1(جـ) المؤسسة: الكنيسة المسيحية
1(د) الأساس الرئيسي لتأسيس الكنيسة هو التبشير بقيامة السيد المسيح من الأموات. يقول سفر أعمال الرسل في 1: 21 و22: «فينبغي أن الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذي فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج منَّذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي ارتفع فيه عنا يصير واحداً منهم شاهداً معنا بقيامته».
وفي سفر الأعمال 2: 23 و24 يقول «هذا أخذتموه مسلماً بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه. الذي أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت إذ لم يكن ممكناً أن يُمسَك منه».
وفي سفر الأعمال 2: 31 و32 يقول «سبق ورأى فتكلم عن قيامة المسيح أنه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فساداً. فيسوع هذا أقامه الله ونحن شهود لذلك». وفي سفر الأعمال 3: 14 و15 يقول «ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك».
وفي سفر الأعمال 3: 26: «إليكم أولاً، إذ أقام الله فتاه يسوع أرسله يبارككم بردّ كل واحد منكم عن شروره».
وفي سفر الأعمال 4: 10: «فليكن معلوماً عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل أنه باسم يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه أنتم الذي أقامه الله من الأموات. بذاك وقف هذا أمامكم صحيحاً».
وفي أعمال الرسل 5: 30: «إله أبائنا أقام يسوع الذي قتلتموه معلقين إياه على خشبه».
وفي أعمال الرسل 10: 39 و41 «ونحن شهود بكل ما فعل في كورة اليهودية وفي أورشليم. الذي أيضاً قتلوه معلقين إياه على خشبة. هذا أقامه الله في اليوم الثالث وأعطى أن يصير ظاهراً. ليس لجميع الشعب بل لشهود سبق الله فانتخبهم نحن لنا الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات».
وفي أعمال الرسل 13: 29- 39: «ولما تمموا كل ما كتب عنه أنزلوه من الخشبة ووضعوه في قبر. لكن الله أقامه من الأموات. وظهر أياماً كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم شهوده عند الشعب. ونحن نبشركم بالموعد الذي صار لآبائنا. إن الله أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضاً في المزمور الثاني: «أنت ابني أنا اليوم ولدتك». إنه أقامه من الأموات غير عتيد أن يعود أيضاً إلى فساد فهكذا قال إني سأعطيكم مراحم داود الصادقة. ولذلك قال أيضاً في مزمور آخر: (لن تدع قدوسك يرى فساداً). لأن داود بعد ما خدم جيله بمشورة الله رقد وانضم إلى آبائه ورأى فساداً. وأما الذي أقامه الله فلم ير فساداً. فليكن معلوماً عندكم أيها الرجال الإخوة أنه بهذا ينادي لكم بغفران الخطايا وبهذا يتبرر كل من يؤمن من كل ما لم تقدروا أن تتبرروا منه بناموس موسى».
وفي أعمال الرسل 17: 30 و31 «فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضياً عن أزمنة الجهل. لأنه أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عيَّنه مقدماً للجميع إيماناً إذ أقامه من الأموات».
وفي أعمال الرسل 26: 22 و23 «فإذا حصلت على معونة من الله بقيت إلى هذا اليوم شاهداً للصغير والكبير وأنا لا أقول شيئاً غير ما تكلم الأنبياء وموسى أنه عتيد أن يكون. أن يؤلَّم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات مزمعاً أن ينادي بنور للشعب وللأمم».
2(د) الكنيسة هي حقيقة من حقائق التاريخ، وتفسير تواجدها هو إيمانها الأكيد بالقيامة. وفي خلال سنواتها الأولى، قاست معاناة شديدة من اليهود والرومان. الأفراد منهم عُذبوا وتعرضوا للموت في سبيل سيدهم الذي آمنوا أنه قام من الأموات.
يخبرنا ولبر سميث أنه حتى المعارضين أمثال الدكتور جونبرت لم يجدوا سوى أن يعترفوا بتلك الحقيقة:
«ما كان للمسيحية أن تقوم وتزدهر لو لم يكن الإيمان بالقيامة قد نشأ واستقر، وكل من فكرة الخلاص والتعاليم الأساسية في المسيحية تقع على كاهل الإيمان بالقيامة، والعبارة التي يجب أن تزين الصفحة الأولى من العقيدة المسيحية يجب أن تكون إعلان بولس القائل «وإن لم يكن المسيح قد قام. فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم» (1كو 15: 14). ومن وجهة النظر التاريخية البحتة فإن أهمية الإيمان بالقيامة ليس أقل أهمية... بواسطة هذا الاعتقاد، فإن الإيمان بيسوع ورسالته يصبح هو العنصر الأساسي للدين الجديد، والذي عندما ينفصل عن اليهود يصبح منافساً لها، ويبدأ في غزو العالم بأجمعه.(Smith, GCWC,20-21)
يوضح لنا بول ليتل أن الكنيسة التي كان بدء نشأتها حوالي سنة 32 ميلادية، لم تظهر للوجود اعتباطاً، لكن كان لها هدف ورسالة محددة. وقد قيل أن مسيحيي أنطاكية في الأيام الأولى قلبوا العالم رأساً على عقب (أع 17: 6) وكان سبب هذا التأثير البالغ هو القيامة.(Little, KWHYB,62)
يقول هـ. د. ماجور «إذا حدث وكان صلْب يسوع هو نهاية خبرة التلاميذ معه، لصعب حينذاك تصوُّر قيام الكنيسة في الأصل. لقد نشأت الكنيسة على أساس أن يسوع هو المسيح. والمسيح المصلوب لم يكن من وجهة نظرهم هو المسيح، إنه شخص أدانته الديانة اليهودية ولعنه الرب، لكن هي قيامة المسيح، كما أخبرنا بولس في رسالته إلى أهل روما 1: 4، حيث يذكر أنه تعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة».(Major, as cited in smith, TS,368)
ويخبرنا كينيث لاتوريت «كان الإيمان بقيامة يسوع من الأموات هو الذي انتشل تابعيه من هوة اليأس الذي سببه لهم موته، وهي التي داومت من الحركة المندفعة إلى الأمام التي بدأها السيد بنفسه. ولولا اعتقادهم الجازم أن الميت قد قام من الأموات وأنهم رأوه وحادثوه، فإن موت المسيح بل وهو شخصياً كان مصيره النسيان والهجر إذا لم تكن هناك قيامة.(Latourette, as cited in Straton, BLR,3)
2(ج) ظاهرة يوم الأحد المسيحية
يوم الراحة والعبادة عند اليهود هو يوم السبت، الذي قيل عنه إن الله أنهى فيه الخلْق واستراح في اليوم السابع. يوم السبت هو أحد الأعمدة الأساسية في الديانة اليهودية، وأكثر الأمور قداسة عند اليهود هو الحفاظ على يوم السبت. أما المسيحيون فإنهم يجتمعون للعبادة في اليوم الأول من الأسبوع اليهودي لتذكار قيامة السيد المسيح. هؤلاء المسيحيون نجحوا في اتخاذ يوم الأحد هذه القرون الممتدة وجعلوه هو يوم الراحة والعبادة. مع ذلك، تذكَّر، أن المسيحيين الأوائل كانوا يهوداً!، وفكِّر فيما كان يدور في أذهانهم إذا كانوا مخطئين، يجب أن نعلم أن هذا من المحتمل أن يكون هو أكثر القرارات خطورة اتخذته جماعة المؤمنين! كيف نفسِّر هذا التغيير في تحديد يوم العبادة ليكون هو يوم الأحد بدلاً من يوم السبت؟(Green, MA,51)
يلاحظ ج. ن. أندرسون أن معظم المسيحيين الأوائل كانوا في الأصل يهوداً، وكانوا متمسكين بشكل متعصب بيوم السبت، لذلك كان هناك شيء ملفت للنظر أدى إلى تغييرهم لهذه الشعيرة، إنها ليست سوى القيامة!(Anderson, RIC,9)
3(ج) ظاهرة القداسات المسيحية
1(د) جماعة المؤمنين
(انظر أع 2: 46، يو 6، مت 26: 26، مر 14: 22، لو 22: 19، 1كو 11: 23 و24).
كان العشاء الرباني هو تذكار لموته، لكن نقرأ في سفر أعمال الرسل 2: 46 أنه كان فرصة لإبداء الفرحة والبهجة. والآن إذا لم يكن هناك قيامة، فكيف يكون هناك فرحاً؟ ذكرى العشاء السري قاد مباشرة إلى الخيانة ثم الصلْب، وبالطبع هذه الذكرى تتسبب في زيادة معاناتهم وأحزانهم. ما الذي حول الكرب والضيق الذي لحق بيوم العشاء الأخير إلى اجتماع للمؤمنين فرح وبهجة؟ الذي يعمُّ العالم كله؟.
يعلق على ذلك
مايكل جرين:
لقد تقابلوا معه في هذا التقديس، إنه لم يمت ويختفي عن الوجود، لكنه قام من الأموات، وهو بالحقيقة حي. إنهم يحتفلون ويفرحون بموته مستحضرين في أذهانهم قيامته المجيدة، ثم عودته في نهاية العالم (1كو 11: 26). نحن لدينا صلاة مقدسة تعود إلى الأجيال الأولى التي كانت تتحدث بالآرامية (1كو 16: 22) وهي: ماران آثا، التي تعني «سيدنا عائد». كيف يكون هذا اتجاه المسيحيين الأوائل عندما يتقابلون ليحتفلوا بعشاء السيد فيما بينهم، إنه اتجاه يصعب تفهمه بدون قيامته حقاً من الأموات في اليوم الثالث.(Breen, MA,53)
2(د) العماد
(انظر كولوسي 2: 12، رو 6: 1- 6)
المسيحون يحتفلون باحتفالية مميزة وهي العماد. هنا تجرأوا أن يبتعدوا مرة أخرى عن اليهودية. لقد ظلَّ اليهود في تطبيق وصية الختان، لكن المسيحيون التزموا بوصية سيدهم الخاصة بالعماد. هنا يدعى الشخص لكي يندم على خطاياه، مؤمناً بالمسيح القائم من الأموات، ثم يعمد. والآن ما الذي يمثله هذا العماد؟ هناك قليل من الشك فيما يختص بهذا الموضوع! يشرح بولس هذا الأمر بأن عماد المؤمنين بالمسيح يؤدي إلى الاتحاد معه في موته وقيامته. عندما يغطس الإنسان في الماء يموت عن طبيعته الخاطئة، ثم يقوم من الماء ليشارك المسيح في قيامته. ولا يوجد في المسيحية أقدم من هذا السر المقدس، مع ذلك هو مرتبط بموت وقيامة يسوع المسيح، لذلك كيف يمكن تفسير ارتباط العمـاد بموت وقيامة المسيح بدون حدوث هذا الأمر فعلاً؟
4(ج) الظاهرة التاريخية للكنيسة
إذن كان تأسيس الكنيسة من وجهة النظر التاريخية لا يمكن أن يفسرها سوى بقيامة الرب يسوع، والطقوس التي يراعيها المسيحيون تخدم أيضاً كدليل مستمر على أصل الكنيسة.
يعلق ل. ل. موريس عن أحوال المؤمنين الأول الذين شهدوا قيامة المسيح:
كانوا في الأصل من اليهود، هؤلاء اليهود يراعون بكل دقة عاداتهم وموروثاتهم الدينية، مع ذلك فقد دعـى هـؤلاء يوم الرب، وهو يوم ذكرى القيامة من الأموات بـدلاً مـن يوم السبت. في يوم الرب هذا، احتفلوا مجتمعين به، لم يكن كذكرى للمسيـح الذي مـات، لكـن هو تذكُّر كلـه امتنان للبركات التي نالوها من السيد الحـي المنتصر، أمـا تقديساتهم الأخـرى، كالعماد فهي ذكرى للمؤمنين، كأنهـم قد ماتوا فعـلاً معـه ثم قاموا منتصرين (كو 2:12). (Morris, as cited in Douglas, NBD,1082)
7(أ) نظريات مغلوطة عن القيامة
يعلق وينفردي كوردوان على النظريات المغايرة عن القيامة في مجملها:
يجب على التفسيرات التي تقول بعدم تواجد معجزة في القيامة أن تواجه اختباراً صعباً: إما أن تعيد كتابة الأدلة في سياق منتظم لتناسبهم، أو أن يرتضوا بأنهم غير متقبلين الأدلة الحالية. الافتراض الوحيد الذي يناسب البرهان الحالي هو أن يسوع قد قام فعلاً من الأموات.
هل يستطيع الإنسان الذي تنبأ عن موته وقيامته، أن تحدث هذه جميعاً كما قال، أن يكون شيئاً سوى أن يكون هو الله؟. (Corduan,NDA,227)
نسجل فيما يلي تصنيفاً لأهم النظريات المعروفة التي تعطي تفسيراً مغايراً لقيامة المسيح. وكل نظرية منها سوف تعتبر في دورها مع دلائل تفنيدها. والمحامي الإنجليزي الشهير ج.ن. أندرسون يتعامل بحرص مع أهمية الدليل الواثق في الحكم على دقة أي مسألة، وفيما يختص بشهادة التاريخ عن القيامة كتب قائلاً:
هناك نقطة تحتاج أن نتثبت منها، وأن نعتبرها بشكل مجمل أنه من السهولة بمكان أن نجد تفسيراً مختلفاً لاتجاه معين أو لآخر، لكن هذه الإثباتات لا قيمة لها إذا لم تتوافق مع باقي خطوات الشهادة. هناك العديد من النظريات، ربما تتوافق مع بعضها وتطبق على جزء من الدليل، لكن هي في ذاتها لا تلتحم مع نموذج واضح ومفهوم، ولا يمكن أن تغني عن الدليل الوحيد الذي يفسر كل جوانب المسألة.
وهذا هو الاتجاه الذي سوف نتخذه عند فحص النظريات التالية:
1(ب) نظرية الإغماء
1(ج) استعراض للنظرية
عرض تلك النظرية يقول بأن المسيح لم يمت على الصليب، لكنه تعرض فقط لحالة من الإغماء، وعندما وُضع في قبر يوسف الرامي كان مازال على قيد الحياة. وبعد عدة ساعات، تسبب الهواء البارد من إفاقته، لذا قام وغادر القبر.
يقول ج. ن. أندرسون معلقاً على تلك النظرية: «هذه النظرية ظهرت أولاً بمعرفة رجل اسمه فينتوريني منذ فترة طويلة جداً، وقد انتعشت هذه النظرية في أيامنا هذه إلى حد ما بأشكال مختلفة من قِبَل جماعة تنسب نفسها إلى الإسلام تسمى بالأحمدية، ومقرهم الأساسي مكان اسمه قاديان، ولهم مقر فرعي في لندن.
وتفسيرهم يجري هكذا: لقد تم تثبيت يسوع على الصليب بالمسامير، وعانى بشكل مريع من الصدمة وفقدان الدم والألم، لذا أُغمى عليه، لكنه لم يمت.. ولم تكن المعرفة الطبية متقدمة في تلك الأيام، لذا ظن التلاميذ أنه مات فعلاً. وقد نما إلينا، أن بيلاطس تعجَّب من موته السريع أليس كذلك، والتفسير المؤكد أنه عندما أُنزل من الصليب وهو مغمى عليه، ظن الجميع أنه مات، لذا وضعوه في القبر. وكان الجو بارداً في القبر فأفاق وقام وخرج من القبر، لكن تلاميذه الجهلاء لم يصدقوا أن هذا عبارة عن إفاقة وانتعاش، لذا أصروا أنه قام من الأموات.(Anderson, CWH,7)
ويضيف الأستاذ كيفان على نظرية الإغماء هذه بأن الحنوط التي وضعت بين الأكفان كان لها تأثير على إفاقته من الإغماء.
2(ج) التفنيد
يؤكد أندرسون أن هذه النظرية باطلة وضعيفة.
ويقول سبارو- سمبسون: «إنها الآن من النظريات المهجورة».
وفي العبارات التالية سأوضح لماذا استنتج هؤلاء ذلك:
1(د) مات المسيح على الصليب، طبقاً لحكم كل من الرومان ويوسف الرامي ونيقوديموس، ويكتب بول ليتل معلقاً على نظرية الإغماء هذه:
«من الواضح أنه لم يصدر في الزمن القديم مثل هذا الإدعاء، بالرغم من الهجوم العنيف المتكرر الذي صادفته المسيحية. وكل السجلات تؤكد موت المسيح على الصليب».
ويذكر ت. ج. ثوريوبرن عما قاساه يسوع على يد بيلاطس قائلاً: «بالإضافة إلى المعاناة التي لاقاها يسوع في البستان، ثم موضوع القبض عليه في منتصف الليل، والمعاملة الفظة التي تعرض لها في قصر رئيس الكهنة ثم في مقر إقامة بيلاطس، ثم الذهاب والعودة ما بين بيلاطس وهيرودس. والجلْد الذي مارسه عليه الجنود الرومان بكل قسوة، ثم الرحلة إلى مكان الصلْب وهو مجهد ومتعب، ثم التعذيب الهاديء عند تنفيذ الصلْب ثم العطش والارتعاش الذي صاحبه...». (Thorburn, RNMC,183-85)
يلاحظ ثوريوبرن «يصعب تصوَّر أن يتعرض أي إنسان قوي لكل هذه المآسي ثم لا يموت. بالإضافة إلى ذلك فإنه من المعروف والمسجَّل أن ضحية الصلْب من النادر أن يعيش حتى وهو يواجه أفضل الظروف الممكنة». (Thorburn, RNMC,183-85)
ويستنتج من ذلك الآتي: «لا يمكن لنا أن نذكر الأدلة المقنعة المعارضة لتلك النظرية أكثر من تلك الكلمات...
إنه أمر مستحيل، أن يسوع الفقير الضعيف والذي صعب عليه أن يقف منتصباً> ثم بعد ذلك يقال إنه اختبأ وتنكر ثم مات- إنه يسوع الذي يؤمن به الكثيرون والذي يسيطر على مشاعر وأحاسيس تابعيه، المنتصر على الموت وهو ابن الله. هنا تعتبر تلك النظرية سخيفة وباطلة وليست جديرة إلا بالإهمال والترك». (Thorburn, RNMC,183-85)
يعلق ج.ن. أندرسون على الافتراض القائل بأن يسوع لم يمت على الصليب:
حسناً، إنها نظرية عبقرية، لكنها لا تعمد للفحص الدقيق. لنبدأ. كانت هناك خطوات تتخذ -كما يبدو- للتأكد من أن يسوع قد مات فعلاً، وهذا ما يعنيه مثلاً ضرب الحربة في جنبه. لكن فلنفرض جدلاً أنه لم يمت فعلاً، فهل يتصور بقاؤه لساعات وساعات في القبر وبدون أي رعاية طبية في فجوة داخل القبر بفلسطين أيام عيد الفصح حيث تنخفض الحرارة ليلاً بدرجات كبيرة، هل يمكن لهذا كله أن ينعشه، بدلاً من تأكيد النهاية الحتمية لحياته التي هي على شفا النهاية. ثم يكون عليه أن يخلِّص نفسه من أمتار طويلة من ملابس الأكفان المثقلة بأرطال من الحنوط، ثم يقوم بدحرجة الحجر الذي عجزت ثلاثة من النسوة عن مجرد تحريكه، ثم يسير على قدميه أميالاً وأميالاً ورجلاه مجروحتان ومثقوبتان؟(Anderson, RJC,7 )
ويتساءل ستوت «هل يجب أن نصدق أنه بعد متاعب المحاكمة والهزء والجلْد والصلْب يستطيع يسوع أن يعيش لمدة ستة وثلاثين ساعة في قبر صخري بلا تدفئة كافية ولا طعام أو رعاية طبية؟ ثم عليه بعد ذلك أن يبذل جهداً خرافياً ليزيح الحجر الضخم الذي يسد فوهة القبر، وكل هذا يحدث دون أن يثير انتباه الحُرَّاس الرومانيين؟، وهو حينذاك جائع، ضعيف ومريض، ثم يظهر أمام التلاميذ فجأة ليؤثر عليهم ويدَّعي بأنه هزم الموت؟ ويقول بأنه مات فعلاً ثم قام من الأموات، وبذلك استطاع أن يبعث بهم ليبشروا به العالم كله ويعدهم بأنه سوف يلازمهم دائماً حتى نهاية كل الأزمان؟ ثم يعيش مختبئاً لمدة أربعين يوماً، وبعدها يظهر لهم فجأة، ثم أخيراً يختفي بدون أي تفسير معقول؟ هذه الادعاءات جميعاً صعبة التصديق وتفوق شك توما».(Stott,BC,48-49)
قبل صلْب يسوع تعرَّض للكثير من المتاعب سواء كانت بدنية أو نفسية. لقد مر بظروف توقُع الموت وهو في بستان جثسيماني، وجاز الآلام المفزعة للجلْد التي تركت آثاراً غائرة على ظهره، ثم ثقبوا يديه و رجليه بالمسامير وما تبقى من قوته المتناقصة أجهدتها ست ساعات من المتاعب المريعة وهو عطشان ومرهق، وفي النهاية أسلم الروح بعد صيحته الأخيرة كما أخبرنا البشيرون، ثم ضرب أحد الحراس الرومان حربته في جنبه. بلا طعام أو شراب وبدون تواجد أي إنسان يضمد جراحه ويخفف عنه آلامه. لقد جاز يوماً بأكمله وليلتين في قبر منحوت في الصخر حيث استقر جثمانه -مع ذلك، فإنه في فجر اليوم الثالث ظهر مرة أخرى حياً ونشيطاً ومتألقاً.(F,Godet,as cited by E.F,Kevan)
يكتب أ. لوكامي معلقاً على بعض المعترضين في العصر الحديث على حقيقة قيامة المسيح:
هم يقولون: «إذا كان قد قام فعلاً، فإنه لم يمت، أو أنه إذا كان قد مات فعلاً، فإنه لم يقم».
هما حقيقتان، كلاهما مؤكد في ظل ظروف تلك المأساة. الأولى هي أنه في مساء يوم الجمعة مات يسوع، والثانية هي أنه ظهر حياً في يوم الأحد وفي الأيام التالية. إن موته مساء يوم الجمعة، لا ينكره أحد، سواء من السنهدريم أو قصر بيلاطس أو على جبل الجلجثة. كان بيلاطس هو الوحيد الذي أبدى دهشته من وفاته السريعة، لكن هذه الدهشة تعزز فقط تأكيدات من طالبوا بجسده.
لذلك، فإن الأصدقاء والأعداء، وهم ينظرون إلى المصلوب، رأوا أنه لم يعد كما كان. ولكي يتم التأكد من ذلك، قام جندي بطعنه بالحربة، ولم يصدر من الجثة أي حركة، ومن الجرح انبثق مزيج من الماء والدم والذي يكشف عن تحلل سريع للعناصر الحيوية. ما حدث لم يتسبب في موته، لأنه كان قد مات فعلاً. ولأن الظروف التي حدثت فيها تلك الطعنة تؤكد أنه لم يعد حياً قبل لحظات من حدوثها. ولم يخامر حتى أقسى أعدائه مثل رؤساء الكهنة أي شك في حقيقة موته. كل ما كانوا يخشونه هو أن يلجأ تلاميذه إلى تزوير أو خداع حيث يمكنهم أن يسرقوا الجسد، لكن ما كانوا ليخشوا أي خطر من ناحية يسوع الذي فنى وهم ينظرون إليه. ثم تم إنزاله من على خشبة الصليب، وكما لم يصدر منه أي حركة عندما طُعن بالحربة، كذلك استقر جثة هامدة باردة بين اليد الحنونة التي احتضنته وأُخذ الجسد وتم لفُّه بالأكفان ووضعت أيضاً الحنوط ووضعوه في القبر بعدما غمروه بكل ما يثبت شدة حزنهم وحبهم له.
هل يمكن أن نتصور أي إغماء فيه اكتمال أكثر أو توقيت أنسب؟ دعنا نضيف لذلك قولنا أي نهايات هذه المليئة بالمصادفات لحياة عظيمة في قداستها، وفي تأثيرها. إنها مصادفات مستحيلة! إنها أكثر إعجازاً من القيامة ذاتها.(Le Camus, LC, 485--86)
2(د) لم يدرك تلاميذ يسوع أنه قد أفاق من إغماء. دافيد شتراوس- وهو ليس من المؤمنين بالقيامة- سدد ضربة قاضية لأي فكر يقول إن يسوع تعرض لإغماء عندما كتب يقول: «من المستحيل لشخص أن يفيق وهو نصف ميت داخل القبر، ثم يزحف وهو في منتهى الضعف والألم ومحتاج لرعاية طبية عاجلة وفي حاجة لضمادات تربط جراحاته وتترفق به، ثم يتغلب على كل تلك المصاعب، ويعطي تلاميذه انطباعاً بأنه قاهر للموت والقبر، ورئيس للحياة. هو انطباع يستقر في أعماق مستقبل بشارتهم. مثل تلك الإفاقة تضعف تماماً ذلك التأثير الذي أحدثه سواء في أيام حياته أو موته. وهذا قد يتسبب فقط في إطلاق بعض الصيحات الحزينة، لكن ليس هناك احتمال أن يتغير حزنهم هذا ليصبح حماساً منقطع النظير، وأن يرفع من درجة اعتبارهم ليسوع ليصبح محل عبادة وتقديس». (Strauss, LTP,412)
وليم ميليجان وهو يشرح ظهورات يسوع لتلاميذه، قال عنهم: «لم يتجمعوا كأنهم في منزل إنسان مريض، لكن شملتهم جميعاً قوة عاجلة تدعوهم للانغماس في عمل عظيم ينشغلون به في التو واللحظة»، ويضيف «اليأس حل محله الأمل، الإحباط استبدل بالحماس، القوى المنهكة تحوِّلت إلى نشاط عنيف».(Milligan,RL, 76-77)
ويضيف قائلاً: «ما أن زالت مخاوف التلاميذ الأولى، حتى تحوَّلوا إلى حالة من الفرح والبسالة والحماس، لا نلمس منهم أي شعور بالإشفاق أو المواساة المجهدة، أو الرغبة في المعونة المطلوبة لنجدة إنسان أُغمى عليه من الإجهاد والتعذيب، هذا الذي استمر في إغمائه منذ ظهر يوم الجمعة حتى صباح يوم الأحد، وذاك الذي هو في أولى مراحل الشفاء». (Milligan, RL, 76-77)
يقول أ.هـ. داي «عندما نستعرض ظهورات السيد المسيح المقام من الأموات، لا نجد أي إشارة إلى تواجد أي مظهر من مظاهر الضعف الطبيعي، إذا كان المسيح فعلاً قد أفاق من موت محقق. في الحقيقة، وجد التلاميذ في سيدهم المقام، ليس ذلك الذي مازال يعاني من جراحاته وما قاساه من متاعب، لكن وجدوا أمامهم رئيس الحياة وقاهر الموت، لم يعد كما كان في أيام بشريته مكبلاً بالحدود الطبيعية للجسد البشري».
3(د) هؤلاء الذين يقترحون نظرية الإغماء هذه، يجب أن يقولوا أيضاً إن يسوع عندما أفاق كان قادراً على صنع معجزة التخلص من الأكفان التي كتَّفته بكل إحكام في طيات مختلفة محيطة بكل منحنيات جسده، ثم يغادرها بدون أن يعبث بنظامها.
يقول ميريل تيني وهو يصف ملابس القبر:
«عند تجهيز الجسد للدفن طبقاً للتقاليد اليهودية، فقد كان يُغسَّل ويُفرد أولاً، ثم يلفُّوه بقماش الأكفان بشكل محكم ابتداء من الرقبة حتى الرسغ على شكل طيات متعددة، ويبلغ عرض هذا القماش حوالي قدم، ثم توضَع العطور ذات الطبيعة الصمغية بين طيات الكفن، وهذه تخدم بشكل جزئي للحفاظ على الجسد، جزئياً أيضاً كوسيلة للصق الطيات ببعضها ليتحول الكفن إلى غطاء محكم... وتعبير يوحنا بقوله «مربوطاً» (باليونانية: إيديسان) تتفق تماماً مع تعبير لوقا في 23: 53 عندما كتب بأن الجسد كان «ملفوفاً بالكتّان».
في صباح اليوم الأول من الأسبوع، اختفى جسد يسوع، لكن الأكفان كانت مازالت هناك.... وطيَّات المنديل في مكانها حيث كان الرأس يستقر ومنفصل عن باقي الأكفان بمسافة ما بين نهاية الكتف حتى الرقبة. وكان شكل الجسد متمثلاً فيها، لكن اللحم والعظم ليسا موجودين. كيف انزلقت الجثة من بين الأكفان طالما أنها لا يمكن أن تنسل من خلال طيات الكفن الملفوفة بإحكام؟ (Tenney, as cited in smith TS,116-17)
4(د) هؤلاء الذين تمسكوا بتلك النظرية يقولون إن المسيح وهو في أضعف حالاته البدنية، قادر على أن يزحزح الصخرة من على فم القبر- وهو جهد يلزمه عدد كبير من الرجال كما قال المؤرخون- ثم يخطو خارج القبر بدون إثارة انتباه الحراس (إذا افترضنا أنهم كانوا فعلاً نائمين، بينما نعلم يقيناً أنهم لم يكونوا كذلك) ثم يخطو فوق الحراس ويهرب. (Rosscup, CN,3)
ويعلق أ.هـ. داي على تلك النقطة قائلاً: «العقبات الطبيعية غير المحتملة لهذه الافتراضات محيرة للغاية. حتى إذا أنكرنا حديث حراس القبر (طوعاً لما أثارته بعض الانتقادات التي وجدت فيها حادثة غير مقنعة). ثم توجد هناك صعوبة افتراض أن يسوع عندما أفاق من إغمائه استطاع أن يحرك الحجر الذي يسد باب القبر، لأنه كان حجراً ضخماً».(Day, ER, 48-49)
إنه من السخف افتراض أن يسوع قد تعارك مع الحُرَّاس الرومان، حتى إذا استطاع أن يزيح الحجر، فإن هؤلاء لن يجدوا أي مشقة في التعامل مع «ذاك الذي خرج من القبر وهو نصف ميت» كما يشرح شتراوس حالة يسوع. وأيضاً، فإن عقوبة الإهمال في الحراسة هي الموت، لذا فإن الحُرَّاس سوف يكونون في حالة صحو كامل.
5 (د) إذا افترضنا أن يسوع أفاق من حالة الإغماء، فإن السير لمسافة طويلة حتى «قرية تسمى عمواس التي تبعد سبعة أميال من أورشليم» (لو 24: 13)، سوف تكون في حكم الاستحالة.
يلاحظ الأستاذ داي الآتي: «السير لمسافة طويلة، ثم يتبع ذلك ظهوره لتلاميذه في أورشليم غير مقنع أن يقوم به شخص أفاق من إغماءة طويلة بسبب جراحاته وإرهاقه».(Day, ER, 48-9)
ويعلق أ. ف كيفان على تلك النقطة:
يسير يسوع مستخدماً قدميه المثقوبتين منذ يومين فقط ثم يمشي بكل خفة لمسافة طويلة ما بين قرية عمواس وأورشليم، إنه إذن في قمة النشاط، حتى أنه أثناء كسر الخبز يختفي فجأة من أمام أعين رفيقيه في السفر، وعندما يعود هذان التلميذان إلى العاصمة ليبشرا التلاميذ بالأنباء السعيدة، يجدونه هناك أيضاً: لقد سبقهم. وبكل السرعة التي لازمت تحركاته يظهِر نفسه بشكل فجائي في العلية التي تجمَّع فيها التلاميذ. هل هذه تصرفات إنسان أُنزل نصف ميت من خشبة الصليب؟. (Kevan,RC,9- 10)
6(د) إذا كان يسوع قد أفاق من إغماءة تشبه الموت، لكان قد شرح لتلاميذه تلك الحالة، لكن أن يصمت عن الشرح، فإن هذا يُفهم منه أنه كاذب ومخادع، وبذلك يكون قد دعى تلاميذه لأن ينشروا خبر قيامته التي ليست سوى قصة خيالية.
كتب أ. لوكامي:
«مرة أخرى دعنا نقول، إنه إذا تعرَّض يسوع لإغماءة، فإنه لن يستطيع أن يقنع أحداً بموته. وبدلاً من أن يقدم نفسه كقائم من الأموات، فإنه بكل بساطة يقول بأن الصدف لعبت دورها وهي التي حفظته من الموت. في الحقيقة، فإننا هنا وكذلك باستطلاع الأناجيل، نلاحظ تلك المشكلة العويصة: إما أن يكون يسوع هو البار، وأتى من الله أو يعتبر أكثر الناس إجراماً، إذ عرض ذاته كقائم من الأموات وهو لم يكن كذلك، هنا يعتبر متهماً بالتزوير ويحرم عليه أن نصدقه أو نؤمن به.(Le Camus, LC,85- 86)
يعلق بول ليتل على تلك النظرية ويقول إنها تلزمنا أن نصدق أن المسيح نفسه منخرط في ترويج فرية فاضحة، فتلاميذه علموا أنه مات فعلاً، لكنه عاد حياً مرة أخرى، ولم ينكر يسوع هذا التعليم، بل إنه شجعه أيضاً».(Little, KWHYB,66)
يقول أيضاً چون نوكس المتخصص في دراسة العهد الجديد: «لم تكن هي حقيقة قيامة رجل من الأموات، لكن هو شخص محدد حقق هذا وأدى إلى بداية الحركة المسيحية... إن شخصية يسوع تكمن في عمق رسالته». (Knox,as cited in straton, BLR,3)
يسوع لن يكون له دور في نشر هذه الكذبة التي تقول بأنه قام من الأموات، وهو لم يكن كذلك. مثل هذا الادعاء يعتبر مناقضاً بشكل بات حتى نستجلي شخصيته وصفاته التي لا غبار عليها.
7(د) إذا لم يكن يسوع قد مات فعلاً، فمتى حدث ذلك فعلاً وفي أي ظروف؟
يؤكد لنا أ.هـ. داي الآتي، «إذا قبلت نظرية الإغماء هذه، فإنه يلزم أن نشطب من الأناجيل وأعمال الرسل كل موضوع الصعود، وأن ندَّعي بأنه حدث توقف مفاجيء للظهورات، وأنه سحب نفسه منهم كلية ليعيش ويموت في مكان منعزل تاركاً إياهم بانطباعات مزيفة تختص بشخصيته وتعاليمه، وكذلك التبشير به للعالم كله».(Day, ER, 50)
ويكتب وليم ميليجان عن احتمال إغماء يسوع ثم صحوه:
«يجب عليه حينذاك أن ينسحب إلي مكان منعزل غير معروف حتى لأقرب تلاميذه، بينما كنيسته تنمو وتزدهر بسببه، مزلزلة العالم القديم من أساساته ومنتشرة في كل مكان، وهي تواجه صعوبات خرافية، هي وتواجه المعارضة وتحاط بتجارب متنوعة وتتعرض للمتاعب، بالاختصار توضع في ظروف تجعلها معتمدة أساساً عليه وعلى شخصيته، بينما هو غائب عنها، منهياً ما تبقى من أيامه، سواء كانت قليلة أم كثيرة، في مكان لا يمكن أن نصفه سوى بأنه عزلة غير شريفة. وفي النهاية بالطبع سوف يموت- ولا يستطيع أحد أن يحدد متى وأين وكيف حدث هذا! ليس هناك أي بصيص من ضوء ينير لنا الظلام، وهؤلاء المسيحيون الأوائل المزدهرون، كما قيل لنا، في الأساطير، ليس لديهم أي أسطورة يحكونها عن هذا الموضوع تساعدنا.(Milligan, RL,79)
3(ج( خلاصة
يمكن أن نقول مشتركين في ذلك مع چورچ هانسن فيما يختص بنظرية الإغماء: «يصعب علينا تصديق أن تلك القصة كانت هي المفضَّلة للمعارضين في القرن الثامن عشر». فالأدلة تتحدث بنفسها معارضة مثل هذا الافتراض، لذا هو مستبعد الآن.(Hanson,G.,RL,19)
2(ب) نظرية السرقة
1(ج) استعراض للنظرية
هذه النظرية يُفترض أن التلاميذ أتوا ليلاً وسرقوا جثمانه من القبر.
1(د( يسجل لنا القديس متى الآتي، كنظرية سائدة في زمانه لشرح قيامة المسيح.
«وفيما هما ذاهبتان إذ قوم من الحُرَّاس جاءوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان. فاجتمعوا مع الشيوخ وتشاوروا وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين. قولوا إن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام. وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين. فأخذوا الفضة وفعلوا كما علموهم. فشاع هذا القول عند اليود إلى هذا اليوم» (متى 28:11-15).
2 (د) كـون أن نظـريـة السرقة كما وردت في إنجيل متى معروفة عند اليهود لفترة من الزمن، نستطيع أن نستجليها من كتابات الشهداء چاستن مارتر وترتليان وآخرين.
يلاحظ الأستاذ ثوريورن:
في كتابه «حوارات ضد تريفو» بقلم چاستن، يتكلم اليهود: «هناك من يسمى يسوع، وهو إنسان مخادع وقد تم صلبه، لكن تلاميذه سرقوه ليلاً من القبر، وهم الآن يخدعون الآخرين بادِّعاء أنه قام من الأموات وصعد إلى السموات».
ونقرأ أيضاً في كتاب «الدفاع 21» الذي ألَّفه ترتليان حيث كتب: «وُجد القبر خالياً من كل شيء ما عدا ملابس الكفن، لكن بالرغم من ذلك، كان رؤساء اليهود يهتمون بأمرين هما: أن ينتشر الخبر في الخارج على أن القيامة كذبة، وأيضاً أن يجعلوا الناس تابعين ومطمئنين لهم إيمانياً، لذا نشروا أن جسد المسيح سُرق بمعرفة تلاميذه». ومرة أخرى وبمنتهى الاحتقار يسجل في (دي سبكتاكا 30) «هذا هو الذي سرقه تلاميذه سراً حتى يقال إنه قام من الأموات، إو أن البستاني أخذ ما أخذ لكي يتجنب أن تداس زراعته بأقدام الزائرين!».
نجد تلك الجملة مكررة في الأدب اليهودي الوسيط، وأيضاً سجلها ريماروس في كتابه: «تلاميذ يسوع» عندما كتب: «اختلسوا جسد يسوع قبل دفنه بأربع وعشرين ساعة- ولعبوا في مكان الدفن كوميديا القبر الفارغ، وأجَّلوا الإعلان العلني عن القيامة حتى يوم الخمسين، عندما أصبح تحلُّل الجثة كاملاً».
وقد نقض أوريجانوس في كتابة (ضد سلس) هذا الإدعاء.(Thorburn, RNMC,191-92)
3(د) يقول چون كريسوستوم الأنطاكي (347-407م) معلقاً على نظرية سرقة الجسد: «حتى هذا يمكن أن يؤسس حقيقة القيامة، أعني ما قالوه عن سرقة تلاميذه للجسد، لأن ذلك هو أسلوب من يعترفون بأن الجسد لم يكن هناك، لذا عندما يعترفون بأن الجسد لم يكن هناك، يتضح أن موضوع السرقة كله كذب ولا يصدق، لأنهم كانوا يراقبون القبر، وقد تمَّ ختمه، وأيضاً هناك عنصر خوف وذعر التلاميذ، لذا فإن برهان القيامة يبدو أنه غير قابل للنقاش».(Chrysostom,as cited in clark, GM, 531)
2(ج( التفنيد
1(د) يجب تفسير موضوع القبر الفارغ على أي حال:
يقول أ.ف. كيفان، إنه بالرغم أن القبر الفارغ ليس بالضرورة يؤيد وقوع القيامة، إلا أنه يعرض لنا اختلافين محددين «القبر الفارغ إما أنه عمل إلهي أو عمل بشري، وكلا الخيارين يجب أن ينظر إليهما بموضوعية شديدة، والذي يحظى باحتمالية أكبر يكون صحيحاً ويجب قبوله.
يصف كيفان: «مع ذلك، ليس هناك صعوبة في تقييم كلا الخيارين. فأعداء يسوع ليس لديهم الدافع في سلب جثمانه، وأصدقاء يسوع ليس لهم قوة على تحقيق ذلك. وسوف يكون من مصلحة السلطات أن يظل الجسد في مكانه، ووجهة النظر التي تدَّعي أن تلاميذه سرقوه تعتبر مستحيلة. لذا فإن القوة التي أخفت جسد المخلِّص من القبر لابد أن تكون إلهية.(Kevan,RC,14)
يوجد شرحان فقط عن القبر الفارغ
عمل إلهي :
- التفسير الأكثر منطقية
عمل بشري:
- السرقة بواسطة الأعداء - لا يوجد دافع لذلك
- السرقة بواسطة الأصدقاء - لا توجد قوة لذلك
ويضع كامي
هذه الأشكال هكذا:
إذا كان يسوع الذي وُضع في القبر يوم الجمعة، لم يكن موجوداً هناك يوم الأحد، فهو إما أن يكون قد نُقل أو أنه استخدم قواه وقام من الأموات. ولا يوجد بديل آخر لذلك.
هل هو فعلاً نُقل؟ ومن فعل ذلك؟ بواسطة الأصدقاء أم الأعداء؟ الذين وضعوا شرزمة من الجنود لحراسته.
لذا لم تكن لديهم نية لأن يتسببوا في اختفاء يسوع. وفوق ذلك، فإن ذكاءهم لن يساعدهم لفعل ذلك. وهذا يسهل مأمورية قيام التلاميذ بخلْق قصص تحكي عن قيامته من الأموات. الطريقة الوحيدة الحكيمة هي أن يحرسوه كدليل.. وبذلك يستطيعون أن يجاوبوا عن أي تساؤل قد يخطر على بال أحد «هذا هو الجثمان، إنه لم يقم». أما عن أصدقائه، فإنهم يفتقدون كل من النية والقدرة على نقله. (Le Camus, LC,482)
يكتب ولبر سميث: «هل هؤلاء الجنود لم يعرفوا كيف يفسرون موضوع القبر الفارغ، لقد لقنوا ما يجب عليهم الإدلاء به بواسطة السنهدريم وتمت رشوتهم ليكرروا في خوف هذه القصة المختلقة على وجه السرعة».(Smith, GCWC,22-23)
ويعلق على ذلك أ.ب بروس: «التقرير الذي سوف يرسل للخارج يفترض أن هناك حقيقة يجب استجلاؤها، وهي موضوع اختفاء الجثمان. ويتضمن ذلك أن العبارات التي سوف يرددها الجنود سوف تكون زائفة».(Bruce, EGNT, 37-38)
2(د) إن سرقة تلاميذ يسوع الجسد لا يعتبر تفسيراً مقنعاً للقبر الخالي:
1 (هـ) شهادة الحُرَّاس لم تخضع للمساءلة. يسجل لنا القديس متى الآتي: «قوم من الحراس جاءوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان» (مت 28: 11).
يلاحظ د. س. لنسكي أن رسالة قيامة المسيح سُلِّمت إلى رؤساء الكهنة من خلال شهادتهم «الجنود الذين نصبوهم في أماكنهم كانوا هم أكثر الشهود صدقاً» قُبلت شهادة الحراس كأنها الحقيقة ذاتها! لقد كانوا يعلمون أن الحرَّاس لن يكذبوا.(Lenski,INGM, 1161-62)
يكتب لنا ولبر سميث: «يجب أن نلاحظ قبل كل شيء أن السلطات اليهودية لم تتساءل أبداً عن فحوى شهادة الحُرَّاس. ولم يذهبوا هم أيضاً ليتأكدوا أن القبر فارغ، لأنهم كانوا يعلمون أنه فارغ، ولا يمكن للجنود أن يعودوا وعلى ألسنتهم تلك الرواية، إلا إذا كانوا يُدلون بحقائق حدثت فعلاً وكما وصلت إلى وعيهم. والقصة التي وضعتها السلطات اليهودية ليعلنوها كان الهدف منها شرح لماذا وجد القبر فارغاً».(Smith, Ts, 375-76)
يقول ألبرت روبر معلقاً على حنانيا وقيافا «تعلن تفسيراتهم الملفقة عن غياب جسد يسوع عن زيف ادعاءاتهم، وإلا لماذا سعوا إلي إغراء الجنود للإدلاء بشهادة كاذبة؟».(Roper, JRD,37)
إذن فاليهود بعدم فحص صحة شهادة الجنود، يعطون موافقة ضمنية على خلو قبر المسيح. وادِّعاءاتهم المختلقة عن قيام التلاميذ بسرقة الجسد هو عذر عاجز، لأنه ليس هناك بديل آخر له.
2 (هـ) وضعت عقبات كثيرة ضد سرقة الجسد، وهذه العقبات تعتبر منيعة ويصعب على التلاميذ تجاوزها أو التغُّلب عليها. وذلك لتنفيذ أي خطة لسرقة الجثمان.
ويقول ألبرت روبر:
لنكن منصفين. نحن نواجه هنا بتفسيرات لا تقف صامدة أمام المنطق العاقل، هو حلّ ليس له تفسير. وعندما طلبوا من بيلاطس «بضبط القبر إلى اليوم الثالث» فإن السجل الحقيقي يؤكد أن القبر كان في ظل حراسة مشددة ولذلك كان من المنطقي - أن نستنتج أن هناك إجراءات اتُخذت لتمنع أصدقاء يسوع من سرقة جثمانه. وهذا يقدم لنا دليلاً لا يُدحض أنهم لن يستطيعوا ولم يستطيعوا أن يسرقوه.(Roper, JRD,34)
يكتب چون كريسوستوم وهو يتكلم عن النساء اللاتي أتين مبكراً يوم الأحد إلى قبر يسوع: «لقد اعتبرن أنه من المستحيل أن يأخذه أي إنسان طالما أن الحرس حول قبره، إلا إذا قام هو بنفسه».
3(هـ) الانقباض والجبن الذي لازم التلاميذ هو حالة تؤكد أن هؤلاء الخائفين لا يمكنهم مواجهة الحُرَّاس المدججين وسرقة الجسد. إنهم في الحقيقة لم يكونوا في حالة تسمح لهم بتنفيذ أي شيء.
يقول ولبر سميث : «التلاميذ الذين هربوا من يسوع عندما كان يُحاكم، ليس لديهم أي قدر من الشجاعة أو المقدرة ليواجهوا مجموعة من الجنود». (Smith, GCWC,22-23)
ويستمر سميث في قوله: «لم يكن في استطاعة التلاميذ مواجهة الجنود، وأن يقهروهم ثم يخطفون الجسد من القبر. أعتقد، شخصياً، إذا كانوا قد حاولوا ذلك، فإنهم بالتأكيد يتعرضون للقتل، لكنهم في الواقع لم يكونوا في حالة تسمح لهم حتى بمحاولة ذلك، في مساء يوم الخميس لهذا الأسبوع، أثبت بطرس أنه إنسان جبان، عندما عيَّرته جارية في القاعة السفلية لقصر رئيس الكهنة، متهمة إياه أنه من أتباع الناصري المُدان، ولكي ينقذ نفسه، أنكر سيده، ولعن وسبَّ. ما الذي حدث لبطرس خلال الساعات القليلة القادمة ليتحول من ذلك الجبان إلى رجل يندفع ليحارب الجنود الرومان؟.(Smith, TS,376-77)
ويكتب لنا فالو في موسوعته عن نظرية السرقة:
لا يستطيعون أن يسرقوا جسد يسوع، كيف يستطيعون تدبير نقل الجسد؟ وهم جماعة ضعيفة عاجزة، وهم الذين أسرعوا بالفرار عندما تم القبض على يسوع. حتى بطرس وهو أكثرهم شجاعة، ارتعد عندما سمع صوت الجارية، وثلاث مرات أنكر معرفته بيسوع. رجال بهذه الصفات، هل في استطاعتهم معارضة سلطة الحاكم؟ هل في مقدرتهم معارضة قرارات السنهدريم؟ وأن يتغلبوا على الحرَّاس المدحجين بالسلاح والمتوقعين للخطر؟ إذا لم يقم المسيح من الأموات (وهنا أتكلم بلسان غير المؤمنين)، فهو قد خدع تلاميذه بأمال زائفة بقيامته. وكيف لم يكتشف التلاميذ هذا المدعي؟ وإذا افترضنا أنهم دبروا عملية نقل الجثمان، كيف نفذوا ذلك؟(Fallow, PCPE, 1452)
يكتب أ. روبر «لا يوجد أحد من أفراد التلاميذ يمتلك الجرأة لأن يفضّ الأختام التي على القبر حتى ولو لم يحرسه الجنود الرومانيون. وفكرة أن أحدهم نفذ ذلك وهو يعلم محاذير هذا الفعل المعروفة يعتبر هو الجنون بعينه».(Roper,JRD,377)
4(هـ) إذا كان الجنود نائمين، كيف يقول هؤلاء إن التلاميذ سرقوه؟ هذا التعليق ظهر في موسوعة فالو: «كما قال القديس أغسطينوس، فإنه إما كان الحُرَّاس نائمين أو مستيقظين، إذا كانوا مستيقظين، فكيف يؤخذ منهم الجسد؟ وإذا كانوا نائمين، كيف علموا أن تلاميذه أخذوه؟ كيف يجرؤون حينذاك أن يدَّعوا بأنه سُرق؟
يعلق أ.ب. بروس عن الحرّاس الرومان:
«هم كانوا على وعي كامل أنهم لم يغطُّوا في النوم في مراكزهم، وأنه لم تحدث سرقة، والكذبة التي دفع لأجلها الكهنة الكثير من المال تعتبر مهمة انتحارية، والحراس النائمون لم يدروا ما حدث فعلاً».(Bruce, EGNT,337- 38)
ويلاحظ دافيد بروان: «إذا وجد شيء ما لاكتمال برهان حقيقة قيامة المسيح من الأموات، فإن تفسير رشوة الحُرَّاس لتسليم الجسد تعتبر كاذبة. وأن ينام كل الحراس دفعة واحدة ليس من الأمور المحتملة. وأن يفعلوا ذلك، بينما هناك قدر كبير من القلق يشغل السلطات، فهذا من الأمور المستبعدة لأن القبر يجب أن لا يعبث به أحد، كل هذه احتمالات مستبعدة تماماً». (Jamieson,CCEP,133)
يقول بول ليتل معلقاً على النظرية التي أدلى بها اليهود: «لقد أعطوا الحرَّاس نقوداً قائلين لهم أن يقولوا بأن تلاميذه حضروا ليلاً وسرقوا الجسد وهم نيام. هذه القصة واضحة التلفيق، لدرجة أن القديس متى لم يشغل باله بتفنيدها. من هو القاضي الذي يمكن أن يستمع لشكواك وأنت تقول إن جارك دخل بيتك بينما كنت أنت نائماً وسرق جهاز التليفزيون؟ ومن يعلم ما حدث فعلاً وهو نائم؟ شهادة مثل تلك سوف تثير الضحك في أي محكمة.(Litle, KWHYB,63-64)
5(هـ) لا يمكن أن ينام الحرَّاس أثناء نوبتهم- إن ارتكابهم هذا الجرم يعرَّضهم لعقوبة الموت التي سوف يطبقها عليهم رؤساؤهم.
ويكتب أ.ب. بروس «الموت هو العقوبة العادية للنوم أثناء الخدمة، وهل يمكن إقناع الحرَّاس بأي قدر كبير من المال ليخاطروا بفقد حياتهم؟ من الطبيعي إذاً أن يأخذوا النقود ثم ينصرفوا مستهزئين بمن رشوهم، وهم ينوون إخبار رؤسائهم بالحقيقة كاملة. هل يتوقع الكهنة أي أمر مخالف لذلك؟ وإذا لم يكن الأمر هكذا، هل يمكن أن يتناولوا هذا الموضوع بشكل جدِّي! هذه القصة مليئة بالصعوبات الكثيرة».(Bruce, EGNT, 37-38)
ويعلِّق إدوارد چوردون سلوين عن احتمال نوم الحراس:
أن ينام جميع الحُرَّاس بلا استثناء وهم مكلَّفون بمهمة غير عادية تختص بأن يأخذوا حذرهم من قيام أحد بسرقة الجسد.. أمر غير قابل للتصديق: ولا سيما إذا علم أن هؤلاء الحُرَّاس معرَّضون إلى أقسى العقوبات في العالم. إن عقوبة الإهمال في الحراسة هي الموت. مع ذلك لم يعدم أحد منهم، وأيضاً لم يدانوا طبقاً للقوانين. لقد عمَّهم الحزن والغمَّ والغيظ كما نظن لأنهم فشلوا في تأمين الجسد.. وأن الحكام اليهود لا يصدقون عما ادَّعوه وقاموا بإعطاء الحُرَّاس رشوة ولقَّنوهم ما يجب أن يقولوه يعتبر في حد ذاته دليل. وإذا كانوا مصدِّقين لادعاءاتهم، فلماذا لم يتمّ القبض فوراً على التلاميذ وتمّ التحقيق معهم؟ والتهمة التي يمكن أن توجَّه لهم تعتبر خطيرة وضد مصلحة السلطات الحاكمة. لماذا لم يرغموا على تسليم الجثمان؟ أو في حالة عدم استطاعتهم تبرئة أنفسهم من التهمة، لماذا لم يعاقبوا على جريمتهم؟.. لا يوجد أبداً ما يشير إلى أي محاولة لبرهنة تلك التهمة.(Selwyn,as cited in smith, TS,578-79)
الفيلسوف الإنجليزي وليم بالي يكتب: «قصة الحُرّاس تحمل تواطئاً على حقائقها..» أتى تلاميذه ليلاً وسرقوا جسده ونحن نيام». إن رجالاً في مثل موقفهم لا يمكن لهم أن يعترفوا بهذا الإهمال بدون الاطمئنان المسبق بالحماية والحصانة».(Paley, VEC, 196)
6 (هـ) كان الحجر الذي يسد فوهة القبر ثقيلاً. وحتى إذا كان الحُرَّاس نائمين وأن التلاميذ حاولوا سرقة الجسد، فإن الجلبة التي يحدثها تحريك الحجر سوف توقظ الحُرَّاس بالتأكيد.
يقول ولبر سميث : «بالتأكيد سوف يستيقظ الحُرَّاس عند تحريك هذا الحجر الثقيل وكذلك إخراج جسد يسوع».
يكتب أيضاً دافيد براون : «لكن -حتى إذا افترضنا أن عدداً كافياً من التلاميذ يأتي للقبر ويكسر الختم ثم يزيح الحجر الضخم ويحمل الجسد- فهل يمكن للحُرَّاس أن يستغرقوا في نوم عميق ووقت طويل للسماح لهم بتنفيذ هذه المهام الثقيلة الكثيرة الضوضاء، والتي تجري جميعاً بجوارهم ولا يستيقظون أبداً؟(Jamieson,CCEP,133)
7(هـ) أكفان القبر تعطي دليلاً صامتاً على استحالة نظرية السرقة.
يقول ميريل تيني : «لا يمكن لجماعة من اللصوص أن يعيدوا إلى الأكفان الملفوف بها الجسد إلى وضعها الطبيعي، لأنه سوف يعوزهم الوقت اللازم لذلك، إنهم سوف يبعثرون الأكفان كيفما اتفق ثم يهربون بالجسد. والخوف من الاكتشاف سوف يجعلهم متعجلين بقدر الإمكان».(Tenney, RR,119)
يقول
ألبرت روبر
مثل هذا الترتيب للأكفان مع خطف الجثمان، وإذا حدثت هجمة كافية لتنفيذ تلك المهمة، وإذا كان هناك احتمال أن يقبض على المعتدي فإنه بالطبع لن يمارس مثل هذا التنظيم الدقيق لملابس الأكفان. فهذا يحتاج إلي وقت كاف وهدوء. وهذا لا يشابه ما نشاهده من الجرائم المماثلة حيث يحرص المعتدون على اتخاذ كافة الاحتياطات شديدة التدقيق لكي لا يكتشف ما قد سلبوه أو خرَّبوه. على العكس، فإن التشويش وعدم التنظيم هي العلامات المميزة لزائر متجِّول. مثل هذه التصرفات الطبيعية، لا يمكن أن يتم تنفيذها بطريقة متأنية. فما اقترفوه يستلزم السرعة والعجلة التي ينتفي فيهما التنظيم والترتيب المتأني. وما رآه يوحنا من ترتيب لملابس الدفن تعلن نفي الادعاء القائل بأن جسد يسوع قد اختُطف بواسطة تلاميذه.(Roper,JRD,35-37)
ويلاحظ جريجوري النيسي الذي كتب لنا منذ 1500 سنة مضت. «وضع الملابس في القبر، والمنديل الذي غطي رأس مخلصنا، لا تدل على عجلة لصوص، فإن، هذا ينفي ويفنَّد الادِّعاء بأن الجسد قد سُرق».
وكريسوستوم وهو من مؤلفي القرن الرابع كتب في نفس الإتجاه:
وما الذي يعنيه هذا المنديل الموضوع المملوء بالحنوط والمرّ حيث رآه بطرس في مكانه. لأنهم إذا كانوا قد دبَّروا سرقة الجثمان، فإنهم لن يسرقوه والجسد عريان، ليس فقط لأن هذا إهانة له، لكن بسبب الوقت الذي سوف ينقضي في نزع الأكفان عنه، وأن لا يعطوا للحراس فرصة لأن يستيقظوا ويقبضوا عليهم. وخصوصاً في تواجد المرّ، وهو عقار يلتصق بالجسد والأكفان وبذلك يصعب تخليص الأكفان من الجسد، ولأن يفعلوا ذلك سوف يستغرقون وقتاً طويلاً، لذلك كله فإن قصة السرقة غير محتملة.
ماذا؟ ألم يعرفوا مقدار غضب اليهود؟ وأنهم سوف يصبون جام غضبهم عليهم؟ وما الذي سوف يستفيدون من هذه السرقة، إذا لم يقم من الأموات؟ (Crysostom, HGSM, as cited in schaff, SLNPNF,530-331)
يقول الأستاذ سيمون جرينليف وهو محام شهير:
ملابس الأكفان في مكانها مرتبة، والمنديل مطوي على نفسه، هذا يدل على أن القبر لم ينهب ولا أن الجسد قد سرق بأيد عنيفة، لأن الأكفان والحنوط سوف يكون لها قيمة أكبر للصوص بدلاً من جثة عارية. على الأقل، لم يكونوا في حاجة لأن يطووا الملابس على بعضها. نفس هذه الظروف تبيِّن أن الجسد لم يُنزع من مكانه بأيدي أصدقاء، لأنهم ما كانوا ليتركوا الملابس وراءهم. كل هذه الاعتبارات طُبعت في ذهن يوحنا مباديء الاعتقاد بأن يسوع قد قام من الأموات.(Greenleef, TE,542)
يعطي هنري لاثام وصفاً دقيقاً لملابس الدفن، ويشير إلي أنها كانت في موضع واحد، وأبدى ملاحظات أخرى:
كان وزن الحنوط مائة رطل، هذه العطور جافة، والكمية المذكورة ضخمة، وإذا نُزعت عنه الأكفان، فإن المر والسليخة لم تتساقط بين الطيات أو على الأرض بكميات كبيرة. وبطرس وهو في الداخل وصف ليوحنا ما يراه وبتدقيق شديد، وما كان له أن يفوته ملاحظة ذلك. لقد ذكر ستر بيرد موضوع الحنوط هذا، وقال إنها تُثقِّل من وزن الأكفان، لكن فاته أمر هام- وهو شأن حيوي من وجهة نظري- إنه إذا انفرطت الأكفان فإن الحنوط سوف تتناثر على الأرض بشكل ملفت. وإنه لم يقال عن الحنوط ما يجعل افتراض بقائها بين طيات الأكفان حيث هو مكانها الأصلي وبالتالي لا يراها أحد، بأنه هو الافتراض الأرجح. (Latham,RM,9)
8(هـ) إن التلاميذ لن يأخذوا جسد يسوع. يعلق على ذلك ولبر سميث:
ليس هناك سبب يدعو التلاميذ لأن يأخذوا جسد يسوع. والذي دفن بكل الاحترام الواجب، ولا يمكن أن يفعلوا شيئاً أكثر مما صُنع له فعلاً. ويوسف الذي من الرامة لم يخطرهم أبداً بضرورة نقل جسد يسوع من مكانه، ولم يقترح أي إنسان آخر هذا الأمر. لذلك، إذا كانوا فعلاً قد اقترفوا هذا الفعل، فإنه لن يكون، بسبب تكريم السيد، أو للحفاظ على حياتهم، لكن بهدف خداع الآخرين، وبعبارات أخرى، أن يختلقوا كذبة خاصة بيسوع في أعين شعبهم. الآن، مهما كانت نوعية هؤلاء التلاميذ والذين تبعوا يسوع لمدة ثلاث سنوات، فإنهم ليسوا من النوع الكاذب. وذلك باستثناء يهوذا، الذي كان قد مات فعلاً. هم لا يتصفون بالنذالة وبالتالي غير قادرين على خداع الآخرين. إنه شيء غير مقنع بالمرة أن الأحد عشر تلميذاً، وبعد مصاحبة ابن الله القدوس الذي هو نفسه أدان الزيف والرياء وعظَّم الحق، وبعد استماعهم له وهو يبشر بإنجيل يعظِّم البر والحق أكثر من أي شخص آخر في العالم من قبل، إنه فعلاً شيء غير مقنع أن هؤلاء الأحد عشر سوف يتفقون بشكل فجائي أن ينخرطوا في تلك الرزيلة ويتآمروا على خطف جثمان يسوع. (Smith, TS, 377)
9(هـ) يدرك التلاميذ حقيقة القيامة، لذلك لن يحاولوا البحث عن كيفية جعل القيامة حقيقة (انظر لو 24).
كما يلاحظ چون هويتورث «يبدو أنهم لم يدركوا أنه سوف يقوم من الأموات في اليوم الثالث، وقد امتلكتهم الدهشة عندما وجدوا أنه فعلاً قام. هذه الظروف تمنع الفكرة القائلة بأنهم تآمروا لسرقة جثمانه لخلْق انطباع بأنه قد قام».(Whitworth,LHD,64)
ويكتب أ.ب بروس:
التلاميذ، حتى إذا كان قادرين على تنفيذ هذه السرقة، فإنه فيما يختص بالارتباك والحيرة التي شملتهم، لم يكونوا حينذاك في حالة تسمح لهم أن يفكروا في تنفيذ تلك الخطة، أو حتى يحاولون ذلك. لقد فرغ جهدهم ولم يعد في مقدورهم أن يصنعوا هذا العمل الجريء. فالأسى والأسف كان يثقل قلوبهم كأنه ثقل من الرصاص وجعلهم في حالة من الضعف الجسدي مشابهين في ذلك الجثمان الذي يفترض أنهم قد سرقوه. ثم أن الحافز لتنفيذ السرقة لا يشجعهم على تنفيذها في ذلك الحين. يسرقون الجسد ليروِّجوا اعتقاد القيامة من الأموات! ما الذي سوف يعود عليهم بترويج اعتقاد لا يؤمنون هم به؟ «لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات». وهم أيضاً لا يتذكرون ما قاله لهم سيدهم فيما يختص بهذا الموضوع قبل موته.(Bruce, TT,494)
10(هـ) يقول
چيمس روسكب:
كان التلاميذ رجالاً يتمتعون بفضيلة الأمانة والشرف، ولا يمكن أن يخطر على بالهم فكرة التدليس على الشعب. لقد قضوا الفترة الباقية من أعمارهم يبشرون برسالة القيامة، كانوا أولاً جبناء ثم تحوَّلوا إلى شجعان. كانوا يسعون لأن يقبض عليهم، ويسجنوا، ويُضربوا، ويتعرضوا إلي أشنع الميتات، ولم يجرؤ أحد منهم أن ينكر السيد ويتراجع عن اعتقاده في قيامته من الأموات.(Rosscup,CN,4)
يلاحظ بول ليتل وهو يناقش موضوع نظرية السرقة: «أكثر من ذلك، نحن نواجَه هنا بأمر مستحيل ذو طبيعة نفسية وأخلاقية. سرقة جسد يسوع أمر غريب ولا يتماشى مع طباع التلاميذ وعما نعلمه عنهم. هذا يعني أنهم مروجين لكذبة متعمدة أدَّت إلى تضليل آلاف من البشر وقادتهم إلي الموت المحقق. إنه ليس من المقنع أنه حتى إذا دبر بعض من التلاميذ موضوع السرقة أن لا يخبروا باقي التلاميذ بها».(Little, KWHYB, 63-64)
ج.ن. أندرسون المحامي البريطاني، يقول في معرض تعليقه على فكرة قيام التلاميذ بسرقة جثمان يسوع: «هذا يعتبر ضد كل ما نعرفه عنهم، سواء كان تعليمهم الأخلاقي، نوعية حياتهم، تحمُّلهم للمشاق والمتاعب والاضطهاد، وتحولهم الدراماتيكي من جماعة من الهاربين المنبوذين إلى شهود لا تستطيع أي معارضة ضدهم أن تكمِّمهم أو تعوقهم».(Anderson, CWH,92)
يكتب كيفان عما يختص بموضوع السرقة «هنا نلاحظ أنه حتى من يعارضون المسيحية يعارضون في هذا الشأن، فمثلاً شتراوس (1808 - 1874) المتشكك يرفض افتراض أن التلاميذ ليسوا سوى جماعة من المحتالين، وأنه أمر مستحيل. ويقول شتراوس: «يجب أن يعلم المؤرخ أن التلاميذ كانوا مؤمنين تماماً أن المسيح قد قام فعلاً من الأموات».(Leben Jesu,1864,1864 P.289), (Kevan,RC,9)
يقول ولبر سميث: «حتى أكثر اليهود أصولية يعارضون الآن هذه القصة، ويشمل ذلك كلوزنر نفسه، حيث يرفض توجيه هذا الاتهام للتلاميذ، ويعترف بأنهم كانوا أشرف من أن يفعلوا هذه النوعية من الخدع».(Jesus of Nazareth, His life, Times and teaching, New York, 1925,P.414). (Smith, GCWC,22-23)
يشرح ولبر سميث عما إذا كانت بسالة بطرس في عظته الشهيرة في أع 4: 8 بسبب «الجسد المسروق»؟:
لقد أحاطت قوة ومعونة الله بطرس في يوم حلول الروح القدس، لذلك فإنه في يوم واحد، وبعظة واحدة انشغل في معظمها بالتبشير بقيامة الرب يسوع، اكتسب لله ثلاثة آلاف من الأنفس. هناك أمر حقيقي وحيد: بطرس كان يبشر بما كان يؤمن به فعلاً: إن الله رفع المسيح من الأموات. ولا يمكن أن تبشر بهذا الأسلوب القوي بكذبة. لقد استمر التلاميذ في التبشير بالقيامة، حتى انقلب العالم كله رأساً على عقب وآمن بتلك الحقيقة العظمى. لا، إن التلاميذ لم يسرقوا جثمان يسوع، وهم أيضاً لا يستطيعون فعل ذلك.
لقد مات كل التلاميذ كشهداء ما عدا يوحنا. لقد اضطُهدوا لأنهم تمسكوا بإيمانهم بكل إصرار. وكما كتب بول ليتل:
«الرجال الذين يموتون بسبب ما يعتقدون أنه الحق، بينما قد يكون هذا في حقيقته خطأ، لكن على أية حال، لا يموتون وهم يعلمون أن ما يموتون من أجله ليس سوى كذبة وأمر مختلق». (Little, KWHYB,173)
إذا كان التلاميذ قد سرقوا جسد يسوع، فإن إعلانهم بقيامة يسوع يعتبر مزَّيفاً. مع ذلك كانوا دائماً «يشيرون إلي القيامة كأساس لتبشيرهم، وتعليمهم، وحياتهم - وبالتحديد- موتهم». إن قصة سرقة التلاميذ لجسد يسوع ليست سوى أمر سخيف، إنني أتفق مع چون ستوت أن نظرية سرقة التلاميذ لجسد يسوع بكل بساطة لا تبدو حقيقية، لأنها مستحيلة، وإذا كان هناك شيء واضح لا لبس فيه باستجلاء الأناجيل وأعمال الرسل هو أن التلاميذ كانوا مخلصين. يمكن أن أقول لك إنهم قد يتعرضون للخداع، لكن هم أنفسهم ليسوا بمخادعين. فالنفاق والاستشهاد لم يُصنعا من مادة واحدة».(Lewis and Shart, LD, 62-64)
3(د( النظرية التي تقول إن اليهود أو الرومان أو يوسف الذي من الرامة هم الذين نقلوا جثمان يسوع، لم تعد نظرية مقبولة لشرح القبر الفارغ أكثر من قصة سرقة التلاميذ للجسد.
1(هـ) هل هم اليهود الذين نقلوا جسد يسوع؟ هنا يلاحظ أندرسون: خلال سبعة أسابيع قصيرة (بعد قيامة المسيح) كانت أورشليم تعلن بالتبشير بقيامة المسيح، كان التلاميذ يجولون في كل أنحاء المدينة يبشرون، وقد اشتعل غضب رؤساء الكهنة عليهم. وقالوا بأن جماعة التلاميذ يودون أن يلقوا بتبعة إهدار دم هذا الرجل من على كاهلهم. وأنهم متهمون بصلب رب المجد. وكانوا مستعدين إلى فعل أي شيء لإبعاد هذا الاتهام.
إذا كان اليهود قد أصدروا أمراً بنقل الجسد، لماذا والتلاميذ يبشرون بقيامة المسيح لم يقوموا هم بالشرح «انتظروا! لقد قمنا نحن بنقل الجسد- إنه لم يقم من الأموات».
وإذا لم يفشل هذا الادِّعاء، لماذا لم يشرحوا بدقة أين مستقر جسده؟ وإذا استمر فشلهم، لماذا لا يستعيدون الجثمان، ويضعونه على عربة، ويسيرون به في وسط شوارع أورشليم؟ مثل هذا الإجراء كان كفيلاً بالقضاء تماماً على المسيحية -ليس فقط في المهد، ولكن في الرحم!
يكتب الفيلسوف والباحث الديني وليم بالي: «من الواضح أنه إذا وُجد جسده، فإن اليهود سوف يُظهرونه، كأقصر وأكمل إجابة ممكنة للرد على هذه القصة. لأنه عندما بزغ موضوع قيامة المسيح من الأموات وتم تأكيدها من قِبَل التلاميذ، وأصبح هو أساس التبشير باسمه، وكسب الأتباع للدين الجديد، لم يكن لدى اليهود ذلك الجسد.(Paly,VEC,196-98)
ويكتب جون هوينورث عن سكوت اليهود فيما يختص بجسد يسوع: «عندما انتشرت تلك القصة (موضوع سرقة الجسد) بين اليهود، مع ذلك لم تذكر أبداً في المحاكمات التي تعرض لها التلاميذ والتي حدثت بعد فترة قليلة بأورشليم عن ادّعاءاتهم بقيامة سيدهم. وبالرغم أن التلاميذ عُرضوا مراراً أمام رؤساء اليهود الذين أشاعوا موضوع سرقة الجسد، فإنهم لم يواجهوا ولو لمرة واحدة بتلك التهمة، ولو حتى بهمسة تصدر من فم السنهدريم فيما يختص بهذا الموضوع، وأهملت تلك القصة واعتبرت كلاماً فارغاً وسخيفاً.(Whitworth, LHD,66)
2(هـ) هل الرومان هم الذين أخفوا الجثمان؟
إنه من مصلحة الحاكم الروماني أن يظلّ الجسد داخل القبر. كان جل اهتمام بيلاطس هو أن يحافظ على السِّلم والهدوء. ونقل الجسد سوف يثير ثائرة اليهود والمسيحيين أيضاً.
يقول ج. ن. أندرسون معلقاً على موقف بيلاطس «هو... كان مستاءً من هذا التعليم الغريب. وإذا كان له يد في نقل الجسد كما يدَّعون ، فمن الغريب أن لا يخبر رؤساء الكهنة بما فعلوا وكانوا هم مستاؤون. أن بيلاطس لم يكن هدفه سوى إضفاء جو من السلام.
3(هـ) هل قام يوسف الرامي بنقل الجسد؟
كان يوسف تلميذاً للمسيح في السر، وما كان له أن ينقل الجسد بدون استشارة باقي التلاميذ أولاً.
وإذا جازف يوسف بنقل جسد المسيح بدون استشارة التلاميذ، فإنه بالتأكيد سوف يخبر باقي التلاميذ فيما بعد، عندما ينتشر موضوع القيامة.
4(هـ) وفي النهاية، فإن حقائق المسألة تصرخ ضد نظرية نقل جسد المسيح. وكما يقول جريج هانسن «الإيمان البسيط للمسيحي الذي يؤمن بالقيامة لا يضاهيه اعتقاد المتشكك الذي يمكنه قبول أغرب الحكايات وأقلها احتمالاً بدلاً من أن يعترف بالحقائق التاريخية المؤكدة. إن صعوبات الاعتقاد كبيرة، لكن شرود عدم الإيمان أكبر».
3(ب) نظرية الهلوسة
1(ج) استعراض النظرية
كل ظهورات يسوع بعد القيامة، اعتبرت جميعاً كأنها ظهورات حقيقية، وما حدث فعلاً - أن بعض الناس أصيبوا بالهلوسة.
2(ج) التفنيد
1(د) هل كان لظهورات المسيح كل تلك الأهمية؟
يكتب س. لويس:
في الأيام الأولى للمسيحيين، كان «التلميذ» هو الأول وأكثر الناس جدارة بأن يَّدعى بكونه شاهد عيان للقيامة. وبعد أيام قليلة من الصلْب، تم اختيار اثنين لشغل المكان الخاص ليهوذا. كانت مؤهلاتهم أنهم عرفوا يسوع شخصياً قبل وبعد موته على الصليب، ويستطيعون أن يقدموا أدلة قوية على قيامة الرب ويخاطبوا به العالم الخارجي (أع 1: 22). بعدها بعدة أيام عندما وقف بطرس يعظ أولى عظاته المسيحية، جاهر بدعوته «ىسوع هذا أقامه الله ونحن جميعاً شهود لذلك» (أع 2: 32). وفي الرسالة الأولى لأهل كورنثوس يؤكد القديس بولس أهليته كتلميذ على نفس الأساس- «ألست أنا رسولاً، ألست أنا حراً، أما رأيت يسوع المسيح ربنا» (1كو 9: 1).(Lewis,M,148)
2(د) هل هناك أهمية لكون ظهورات المسيح بعد القيامة ليست سوى رؤى؟
إذا أخذنا في اعتبارنا تحديد لويس السابق، وإذا صدقنا أن كل ظهورات المسيح ليست سوى نوع من الهلوسة، إذن فإن الجهود التي بذلها الرسل كلها كأنها لا شيء.
إذا كانت مثلاً هلوسات، فإنها من وجهة نظر جريشام ماكين: «الكنيسة المسيحية تأسست بسبب مظهر مرضي تمكن من بعض الأشخاص في الفترة الأولى من القرن الأول. وهذا يعني أنه إذا وُجد في ذلك العصر طبيب متخصص في الأعصاب يمكن لبطرس والآخرين أن يستشيروه، إذن ما كان هناك أبداً ما تسميه الكنيسة المسيحية.(Kevan, RC,10-11)
يتكلم ج.ن. أندرسون عن «مدى صدق شهادة الرسل» ويقول لنا إنها إما أن «تقف صامدة أو تسقط بالأدلة التي تشتمل عليها شهاداتهم».
3(د( ما هي الرؤيا؟
يقول
ولبر سميث:
التعريف الأكثر قبولاً عن الرؤيا هو ما عبر عنه ويسي عندما كتب «المعنى العلمي لهذا اللفظ، هو أنه تحدث رؤيا بصرية و اضحة بالرغم من عدم تواجد شيء خارجي مرتبط بهذه الرؤيا. لم يتأثر العصب البصري بموجات خارجية من الضوء أو الاهتزازات التي تسبح في الأثير، لكنه تأثر بعامل نفسي داخلي بحت. وفي نفس الوقت يتم قبول الشعور بالإحساس البصري من قبل من تأثر بالرؤية بشكل كامل كما لو كانت واقعية وموضوعية. هو يصدق تماماً موضوع رؤيته ويعتبر أن ما يراه أمامه كان منظر لشيء حقيقي متجسد.(Smith,TS,581)
4(د) هل كانت ظهورات المسيح بعد القيامة من صنف الرؤى؟
الرؤى المجردة لم تكن هي خبرة التلاميذ، فشهادة العهد الجديد تعارض تماماً مثل هذا التصور.
وكما قال هيلر ستراتون: «الناس المعرَّضون للهلوسة لا يمكن لهم أن يصبحوا أبطالاً في نشر مباديء الأخلاق والقيم. كان تأثير قيامة المسيح له تأثير تحويلي مستمر في حياتهم، ومعظم هؤلاء الشهود الأوائل غامروا بموتهم لأنهم استمروا في إعلان تلك الحقائق».(Straton,BLR,4)
5(د) نظرية الهلوسة ليست مقبولة لأنها تتناقض مع بعض القوانين والمباديء التي يعرفها علماء النفس وتنطبق على موضوع الرؤى.
1(هـ) على وجه العموم، هناك نوعية خاصة من الناس تتأثر بالهلوسات والرؤى، هم هؤلاء الذين يمكن أن نصفهم بأنهم ذو الخيال الجامح، وأعصابهم متوترة ومشدودة للغاية.(Anderson, RJC,4-9)
وظهورات المسيح لم يختص بها أناس ذو خاصية نفسية محددة.
يقول
چون ستوت:
«كان هناك العديد من صور الحالات المزاجية...»
«مريم المجدلية كانت تبكي...»
«النسوة كن خائفات وحائرات...»
«بطرس كان مليئاً بتأنيب الضمير...»
«... وتوما شكاك...»
«تلميذا عمواس كانا منشغلان بأحداث الأسبوع...»
«.. والتلاميذ الذين استمروا في الجليل انشغلوا بصيد الأسماك...»
«لذا من المستحيل أن ننسب ظهورات الرب يسوع كأنها نوع من الهلوسة أو الرؤى تعرضت لها نفوس مشوشة».(Sttot, BC,57)
2(هـ) الهلوسة ترتبط في خيال شخص ما بخبراته السابقة.(Anderson, RJC,4-9)
1(و) إن تمايزهم واضح، وكل منهم له شخصية مختلفة. يذكر لنا هنريس كليرر في كتابه «علم أمراض الاستبصار النفسي» أن البحث الهام الذي تقدم به راؤول مورجو بشأن هذا المرض، أوضح أنه توصل إلى نتيجة هامة مؤداها أن حالة التغير والاختلاف وعدم الثبات تمثل العناصر الأساسية في مرض الهلوسة وما شابه ذلك من أعراض. بالنسبة إليه لا تعتبر الهلوسة حالة مستقرة وثابتة لكنها هي دائمة الحركة والتغير. حالة عدم الثبات هذه تعكس عدم استقرار العوامل المسبقة للمرض». (Kleurer, as cited in Hoch, PP,18)
لذلك ليس هناك أي احتمال، أن يتفق اثنان في نفس مظهر الهلوسة في نفس الوقت.
2(و) ظهورات المسيح شاهدها جمع كبير من الناس.
ويؤكد توماس ثوريورن:
إنه ليس من المعقول أبداً أن حوالي خمسة آلاف فرد، يتمتعون بقدرة عقلية وبيئية متوسطة، وبأعداد مختلفة، وفي أوقات متعددة وفي مواقف مختلفة، يجابهون أنواعاً مختلفة من التأثيرات الحسية -بالنظر، باللمس- وكل هذه الخبرات ننسبها كلها إلي الهلوسات الشخصية. نقول إن هذا غير معقول بالمرة، لأن تلك النظرية يمكن أن تنطبق على أي شيء سوى أن تكون حدث تاريخي خاص «فوق الطبيعة»، إنه تفسير سخيف وغير منطقي.(Thorburn, RNMC, 158-59)
يقول ثيودور كريستليب:
لا يمكننا أن ننكر أن العلم يدلنا على حالات كانت فيه الرؤى تشاهد بواسطة جماعة كبيرة من الناس في وقت واحد، لكن أين حدث هذا، إنها كانت دائمة مرتبطة بحالات مرضية عقلية مستثارة، وأيضاً بحالات مرضية جسدية شديدة، ولاسيما ما هو متصل بالأعصاب. والآن، إذا كان واحد أو بعض من التلاميذ في حالة مرضية من هذا النوع، ليس هناك مبرر يدعونا إلى الاعتقاد بأن كلهم تعرضوا لهذا. إنهم جماعة تتميز بأنها ذات بيئات شديدة الاختلاف والتأسيس. ومع ذلك، يفترض أن نصدق أن واحداً تلو الآخر سقط في شبكة هذا المرض، ليس فقط النسوة الحاضرات، بل أيضاً بطرس القوي والصياد العتيد الذي كان بالتأكيد بعيداً عن الإصابة بالأمراض العصبية، ثم هناك يعقوب، وتلميذا عمواس، وهكذا حتى نصل إلى الإنسان المتشكك وهو توما، نعم، وربما ندخل كل الأحد عشر في هذا، ثم هناك أكثر من خمس مئة أخ. كل هؤلاء يفترض أنهم جميعا وقعوا فجأة في حالة من الخداع النفسي، وأن هذا حدث في أوقات وأماكن مختلفة، وأثناء أداء مهام عديدة (في الصباح عند القبر، عند التحادث مع بعضهما وهما في الطريق، بين جماعة الأصدقاء وهم يعملون بجوار البحيرة)، وهم جميعاً في حالة ذهنية تختلف من فرد للآخر، وميلهم لأن ينغمسوا في حالة رؤوية غير متساوية. وهل يستطيعون جميعاً أن يتفقوا في رؤاهم ويعلنوا للعالم أجمع أنها رؤية للمسيح القائم من الأموات؟ وإذا فعلوا مثل هذا الأمر، هل يعتبر هذا كخداع نفسي خالص وتضليل متعمد؟ بالتأكيد، فإن واحداً أو آخر تساءل لاحقاً هل ما رآه هو حقيقي. ويقول شلايرماخر بتل» من يفترض أن التلاميذ قد خدعوا أنفسهم واعتبروا أن الانفعالات الداخلية هي خارجية تاركة إياهم جميعاً في حالة من الضعف العقلي، وهو ما يؤدي إلى بطلان شهاداتهم عن المسيح، ويجعل الأمور تبدو كأن المسيح نفسه، عندما اختار هؤلاء الشهود، لم يدر من هو الإنسان. إن كأن المسيح قد أراد أن يختلط عليهم الأمر فيظنوا أن الرؤى التي تجري داخل خيالاتهم هي بالفعل تصورات خارجية حقيقية، فهو بالتالي سوف يكون مدبراً للأخطاء، وأن كل تعاليمه الأخلاقية ملعونة إذا كان هذا يتوافق مع كرامته العظمى».(Christieb, as cited in smith, TS,396-97)
3(هـ) طبقاً لتعريف عالميِّ النفس الشهيرين ل.هنس وج. شاتسكي، فإن الخداع البصري هو عبارة عن تصورات مغلوطة، ورد فعل غير حقيقي لمحفِّز نفسي... لكن بالنسبة للفرد العادي فإن هذا الاعتقاد المزيف يقود عادة إلى بزوغ رغبة لأن يلجأ غالباً لحاسة أو عدة حواس تستجيب له بسرعة فتنقذه وتطمئنه بأن ما يراه أمامه ليس سوى خيالات غير حقيقية».(Hiosie, PD, 280)
ظهورات المسيح لا يمكن أن تكون تصورات مغلوطة:
يكتب لنا ولبر سميث عن الملاحظات التي أبداها لوقا، ويصفه بأنه: «إنسان يفحص الأمور بأسلوب علمي، ويقول لوقا في بداية كتابه الثاني وهو أعمال الرسل، «إن السيد آراهم نفسه حياً ببراهين كثيرة».(Smith,TS, 400)
ويستكمل سميث كلامه قائلاً:
نوعية الدليل الذي يستخرجه العلم الحديث، وكذلك علماء النفس، يتم التركيز عليها لتحديد الحقيقة لأي أمر تحت الفحص، لذا فإن الدليل الذي تقدمه لنا الأناجيل فيما يختص بقيامة الرب يسوع، تحديداً، الأشياء التي تراها العين البشرية، وتلمس باليد، وتسمع بالآذان، هذه جميعاً يمكن أن نسميها بالأدلة التجريبية. (Smith,TS,389-90)
يكتب لنا و. سبارو سمبسون الآتي: «ظهورات السيد القائم من الأموات ربما يمكن تحليلها طبقاً للحواس الإنسانية لمن تفاعل معها، هذه الحواس هي حاسة البصر، السمع، اللمس. والظهورات جميعاً يمكن أن ينطبق عليها هذا التحليل. ونبدأ أولاً بحاسة البصر. وهي بالطبع هي الحاسة الأولى، لأنها الشكل المبدئي الذي يحدد درجة انتباههم. إن هذه الحاسة يتم شرحها في الأناجيل بتعبيرات مختلفة:(Sparrow-Simpson, RCF,83)
«يسوع قابلهم» (مت 28: 9).
«رأوه» (مت 28: 17).
«عرفوه» (لو 24: 31).
«هم... ظنوا أنهم نظروا روحاً» (لو 24: 37).
«انظروا.. يديَّ ورجليَّ إني أنا هو -جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه» (لو 24: 39 و40).
ومماثلاً لذلك ما ورد في الإنجيل الرابع:
«أنا رأيت الرب» (يو 20 : 18).
«أراهم يديه وجنبه» (يو 20: 20).
«رأوا الرب» (يو 20: 20).
«أن لم أبصر في يديه أثر المسامير» (يو 20: 25).
«لأنك رأيتني» (يو 20: 29).
«ولم يجسر أحد من التلاميذ أن يسأله من أنت إذ كانوا يعلمون أنه الرب» (يو 21: 12).
«وهو يظهر لهم أربعين يوماً» (أع 1: 3).
كان المسيح القائم من الأموات يطلب من التلاميذ لمس علامات الجراحات، مثلاً يتكلم القديس لوقا ذاكراً اليدين والقدمين (لو 24: 29- 40)... ويذكر متىّ ويوحنا «يديه وجنبه» (يو 20: 20 -25 و27).
«ظهورات السيد القائم من الأموات تطلب استخدام حاسة اللمس... وأكثر العبارات تأثيراً في هذا الشأن ما ورد في إنجيل لوقا «انظروا يديَّ ورجليَّ إني أنا هو. جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي» (لو 24: 39).
«فناولوه جزءاً من سمك مشوي، فأخذ وأكل قدامهم» (لو 24: 42 و43).(Sparrow-Simpson,RCF,92-93)
يكتب لنا توماس ثوربرن: «الرؤى التي حدثت بجوار القبر المذكورة في إنجيل لوقا لها خبرة مرجعية: هنا الملاك يخبر النسوة أن يذهبن ويخبرن التلاميذ بما شاهدنه (مر 16: 5- 7).
ويستكمل ثوربيرن حديثه، «وبشكل مشابه نرى أن القديس متى» (والذي استقى معلوماته من نفس المصدر الذ لجأ إليه مرقس)، يقول إن النسوة رأين وسمعن يسوع، وأيضاً لمسنه. (متى 28: 9- 10) (Thorburn, RNMC,133)
4 (هـ) الخيالات والهلوسات محددة تحت مسميات أين ومتى حدثت.
وهي تتجلى في:
- مكان ذو جو غريب.
- في زمن يجعل الإنسان متأثراً بذكريات سابقة.
وزمن ظهورات المسيح ومكانها لا تتفق مع شروط حدوث الخيالات. فلم تحدث تصورات كأنها الأحلام بسبب تواجد التلاميذ في أماكن مألوفة.
يلاحظ چون ستوت أن الظروف الخارجية المحببة للنفس كانت غائبة.(Sttot, BC,57)
وإذا كانت الظهورات جميعاً قد حدثت في مكان أو مكانين لهما قداسة خاصة مرتبطة بذكريات لقاءات سابقة مع يسوع، وإذا كان مزاج التلاميذ في ذلك الوقت متوقعاً لظهورات، حينئذ يمكن لشكوكنا أن تثار».(Stott.BC,57)
ويختتم ستوت كلامه قائلاً:
إذاكان لدينا فقط قصص الظهورات التي حدثت في العلية، لربما جاز لنا أن نشك ونتساءل. وإذا تجمَّع الأحد عشر تلميذاً في هذا المكان المعين حيث قضى معهم يسوع ساعاته الأخيرة، وصمموا على بقاء مكان جلوسه خالياً، وكانوا بكل عاطفة يتذكرون حوادث الماضي وكذلك وعوده بالعودة إليهم، ثم بدأوا في التعجب عما إذا كان سوف يعود بالفعل، ويرجون تحقيق هذا الوعد، إلى أن يتحقق أحلامهم بظهوره المفاجيء، ربما هنا نخشى بأنهم تعَّرضوا إلى خدعة بصرية.(Stott.BC,57)
يقول روبرتسون نيكول: «دعنا نتذكر أن التلاميذ ظنوا ليس فقط أنهم رأوا المسيح، بل أنهم تناقشوا معه، وأن المقابلات حدثت في ظروف مختلفة، وأن هناك شهود عديدين».(Nicoll,as cited in clivan,RC,10)
يعتبر چيمس أور في مجال حديثه عن الأزمنة والأوقات المختلفة للظهورات أنها لم تكن للحظات بسيطة، لكنها كانت لأوقات طويلة، ويمكن لنا أن تستعرض هذه الظهورات:(Orr,RJ, as cited in Ramm,PCE,186)
متى 28: 29،10 ظهور في الصباح الباكر للنساء وهن بجوار القبر.
لوقا 24: 13- 33: الظهور لتلميذي عمواس في وقت الظهر.
لوقا 24: 34 . كورنثوس الأولى 15: 7 نرى ظهورات خاصة للرب في عز النهار، يوحنا 21: 1- 23: بجوار البحيرة، في الصباح الباكر، 1كو 15: 6 على جيل في الجليل لخمس مئة شخص بالإضافة للرسل.
في الحقيقة هناك اختلافات متعددة خاصة بالأماكن أو الأوقات التي ظهر فيها المسيح -هي اختلافات تنفي تماماً افتراض أن تلك الظهورات كانت مجرد رؤى أو خيالات.
5 (هـ) الهلوسات تستلزم من المعرضين لها روح متوقعة آملة تجعل من تلك الأسباب مصدراً رئيسياً للفكر المسيطر.
1(و) الأسس التالية مرتبطة بموضوع الهلوسات:
يخبرنا وليم ميليجان بأن المعرَّض للرؤى يجب أن يتصف بالآتي: «اعتقاد جازم بالفكرة التي تجسَّدها الرؤية، وتوقع شديد بأن تلك الفكرة سوف تتحقق بشكل ما». (Milligan, RL,93-95)
1(ز) «لأن يدخل الشخص نفسه في تجربة مثل هذه، يجب عليه حينذاك أن يعتقد تماماً أنه يستجلي أمامه شيئاً غير حقيقي ويربط الواقع بالخيال».(Little, KWHYB,86)
2(ز) يلاحظ أ. داي الآتي «الاستجلاء البصري، وتوقع ظاهرة غير عادية ويشاهدها مجموعة كبيرة من الناس في نفس الوقت، تستدعي قدراً معيناً من «الاستعدادات النفسية»، التي تمتد إلى فترة طويلة».(Day,ER,51-53)
3(ز) يكتب بول ليتل «مثلاً، الأم التي فقدت ابنا في الحرب، تتذكر كيف كان يعود إلى منزله بعد العمل كل مساء في الساعة الخامسة والنصف. ثم تجلس على كرسيها الهزاز بعد الظهر وهي تتخيل وتتدبر، أخيراً، تظن أنها تراه وهو يخترق الباب، ويجري حواراً معها. في تلك اللحظة تفقد أي اتصال لها بالعالم الواقعي».(Little, KWHYB,86)
2(و) في حالات ظهورات المسيح بعد قيامته، كان أتباعه يشاهدونه ضد إرادتهم.
يكتب و. سبارو -سمبسون: «لذلك فإن الظاهرة تقترح أن ظهورات المسيح كانت مفروضة على انتباه التلاميذ أكثر من كونها منبثقة منهم».
يقول أيضاً ألفريد أديرشايم : «مثل تلك الرؤى تفترض مسبقاً استجابات مختلفة للحدث، وهذا كما تعلم، هو الأمر المخالف للحقيقة».(Edersheim,LTJM, 626)
ويكتب أ. داي في مجال معارضته لنظرية الهلوسة «ربما نتعرف على حالة البطء التي توصل إليها التلاميذ للتصديق، والتي ترجع إلي المنطق المعاند للحقائق وما تقود إليه».(Day, ER, 53-54)
ويلاحظ داي غياب «الاستعدادات النفسية» لدى التلاميذ وذلك بقوله:
كانت الظهورات الأولى للسيد والتلاميذ في حالات مختلفة من الاتجاهات العقلية، لكن حالة التوقع أو الاستعداد لرؤياه واضحة الغياب من تلك الفئات... لقد اهتز إيمان التلاميذ بكارثة موته المشينة، وهو موت يستعيدون به ما ورد في القانون اليهودي «المعلق ملعون من الله» (تث 21: 23). إن نظرية الرؤى الشخصية ربما تكون مقبولة إذا انتشر بين التلاميذ حالة من رفض الاعتقاد بحدوث ما هو أسوأ. لكن آمال التلاميذ كانت مشتتة وعودتهم إلى حالتهم الطبيعية كانت بطيئة للغاية. (Edersheim, LTJM 53-54)
يشرح لنا بول ليتل أن أوضاع تلاميذ المسيح ليست مشابهة لما نجده في الضحايا المعرَّضين للهلوسة: «أتت مريم في صباح يوم الأحد وفي يديها بعض الحنوط. لماذا؟ لكي تضعها علي من أحبته. إنها لم تتوقع أبداً قيامته من الأموات. في الحقيقة، عندما شاهدته للمرة الأولى ظنت أنه البستاني!. وعندما ظهر السيد أخيراً للتلاميذ، خافوا وظنوا أنهم يشاهدون روحاً!».(Little, KWHYB,68- 69)
يعلق على ذلك ألفريد أديرشايم «مثل تلك الرواية التي قصَّها علينا القديس لوقا تبدو كأنها مفصَّلة لتجعل من موضوع «افتراض الهلوسة» شيء مستحيل. لقد أخبرنا بكل وضوح أن ظهورات المسيح القائم بعيدة تماماً عن توقعاتهم وسبَّبت في إثارة ذعرهم، وظنوا أنها غير حقيقية، وهنا طمأنهم يسوع وطلب منهم أن يلمسوه لأن الروح ليس له جسد أو عظام. (Edersheim, LTJM,628)
ويستمر أديرشايم قائلاً: إنه إذا كانت التعاليم الأساسية للكنيسة مصدرها هو مجرد اختراعات فإنه سوف يلاحظ حينذاك أن تُتَّخذ الاحتياطات الكافية ليكون ذكرها في أقل العبارات».(Edersheim, LTJM,628)
يقول س. لويس: نظرية الظهورات تسقط بواسطة الحقيقة إذا كانت إختراعاً ناقصاً لا يدخل في عقل إنسان وفي ثلاث فرص منفصلة لم تحدث معرفة فورية ليسوع (لو 24: 13- 31، يو 20: 15، 21: 4) وإذا كانت هذه من اختراعاتهم، فإنها حينذاك تعتبر أغرب الاختراعات التي وردت على ذهن البشر. وحتى إذا افترضنا أن الله أرسل تصورات مقدسة بهدف تعليمهم حقائق يعرفونها جيداً قبل ورود تلك التصورات، ويمكن أيضاً تعليمها بوسائل أخرى أسهل من ذلك، ألا نأمل حينذاك أن تكون هذه الهلوسة مصنوعة بشكل جيد؟ هل من خلق كل شيء ليس بقادر أن يخلق شبيهاً للرجل الذي هو نفسه ذاته؟(Lewis, M, 153)
يلاحظ ثوربورن في مجال تعليقه على إظهار يسوع لنفسه أمام تلاميذه «إذا كانت الظهورات ليست سوى خيالات شخصية تتواصل في تتابع كأي تصوُّر غير حقيقي بالنسبة للآخرين، فإن التقليد سيضطر أن يعطينا سرداً أكثر تعمقاً عما حدث فعلاً».(Thorburn, RNMC,29-31)
6(هـ) تتجه الهلوسات إلى أن تتكرر على مدى زمني طويل مع انتظام ملحوظ إنها إما أن تتكرر بشكل متعدد حتى تصل إلى نقطة حدوث الأزمة، أو أن تنخفض مرات حدوثها حتى تختفي تماماً.
انتبه لتلك الملاحظات الآتية الخاصة بظهورات المسيح:
يكتب في ذلك س. لويس: قائلاً «كل ما كتب من ظهورات المسيح تصل إلى نتيجة محددة مؤداها أنها انتهت في زمن معين، البعض يذكر بأن التوقف كان فجائياً بعد ستة أسابيع من موت يسوع.. إن الشبح يختفي فجأة، لكن التعريف الموضوعي يجب أن يذهب لمكان ما- يحدث له أمر ما».(Lewis,M,153-54)
ويستنتج من ذلك: «إذا كانت الظهورات ليست سوى رؤى خيالية، فإنها سوف تكون أكثر الرؤى خداعاً من ضمن كل الرؤى التي سجلت من قبل. لكن إذا كانت حقيقية، لذا فهناك شيء ما حدث بعد توقعها. لا يمكن أن تعترف بالصعود بدون أن تضع شيئاً بديلاً عنه».(Lewis, M,154)
يسجل لنا هاستنجز في «قاموس الكنيسة الرسولية» أن «هذه النظرية غير متماسكة ولا متلائمة مع الحقيقة التي تقول إن تلك الرؤى كان لها نهاية فجائية. وبعد الأربعين يوماً، لم تسجل لنا أي ظهورات أخرى للسيد القائم من الأموات، ما عدا ما حدث مع القديس بولس، التي تعتبر ظروف وهدف الظهور له أغراض مختلفة تماماً. لذلك لا يمكن القول إن الخيال هو الذي يعمل وكما قال كيم، «الأرواح التي يستدعيها الناس، لا تظهر هكذا بسرعة» (Hastings, DAC,3600)
ويتساءل كيفان «لكن إذا كانت ظهورات السيد المسيح ليست سوى هلوسات، لما إذن توقفت فجأة؟ ولماذا، بعد الصعود، لم يستمر الآخرين في تجلي تلك الظواهر؟ وطبقاً لقانون التطور كما يقول الدكتور مولينز «الهلوسات سوف تصبح مزمنة بعد أن خضع خمسمائة أخ لنفوذها، لكن الآن تستبدل تلك الهلوسات إلى برنامج محدد ومدهش لنشر بشارة الإنجيل».(Kevan, RC,11)
3(ج) ما هي النتائج التي نتوصل إليها؟
يلخص لنا ونفريد كوردوان: نظرية الهلوسة بالآتي: المشكلة الخاصة بتلك النظرية، وفيما يختص بظهورات المسيح، أن كل ما نعرفه عن الهلوسة ينهار. فالظهورات لم تأتي بعد المحددات التي تتزامن مع الهلوسة، لأن هذه الظاهرة تعتبر فردية تنتعش عند توافر حالة من عدم الاستقرار العاطفي العنيف، حيث تعمل الهلوسة كنوع من تحقيق الأمنيات. لكن ما حدث بعد القيامة مختلف تماماً. لقد عانى التلاميذ متاعب قليلة من جراء ترك يسوع لهم، وقرروا أن يعودوا إلى سابق أعمالهم في صيد السمك. ثم حدثت الظهورات بشكل فجائي عندما كان التلاميذ منشغلين بأمور أخرى- والأكثر أهمية، حدثت الظهورات لمجموعة من الناس، وكل منهم يشاهد نفس المنظر. وهذا بكل بساطة ينفي طريقة عمل الهلوسة. لذا لا يمكن القول أبداً إن ظهورات المسيح كانت مجرد نوع من الهلوسة. (Corduan,NDA,221)
يكتب چون ستوت: «التلاميذ لم يكونوا من الذين يسهل خداعهم، لكنهم كانوا من النوع الحريص، الشكاك، بطييء الفهم، كذا هم غير معرضين لأي نوع من الهلوسة. والظواهر الغريبة ما كانت لترضيهم. إيمانهم كان مبنياً على الحقائق الخالصة للتجارب المحققة».(Stott,BC,57)
يكتب ت. ثوربورن «لم تكن الهلوسات أبداً سبباً في إثارة الناس للقيام بعمل جبار، وبينما يقومون بتنفيذها، يكون مسارهم في الحياة هو إنكار الذات المتواصل، بل أيضاً يتعرضون للتعب والألم. نحن نتفق مع دكتور سانداي عندما كتب: «لا ظهورات، أو حتى هلوسة تؤثر على الإحساسات تقدر الآن أن تغير وجه العالم كله». (Thorburn,RNMC,136)
4(ب) نظرية الخطأ في القبر
1(ج) استعراض النظرية
كتب الأستاذ كيرسوب ليك:
إنه أمر يدعو للشك الشديد عما إذا كان النسوة في موقع يتيقن فيه أن القبر الذي قمن بزيارته هو الذي رأين فيه يوسف الرامي يدخله ليدفن فيه جسد يسوع. الأماكن المحيطة بأورشليم مليئة بالقبور المنحوتة في الصخر، ولن يسهل تمييز أحدها عن الآخر إلا بالملاحظة الدقيقة.... ونشك أنهم كانوا قريبين للغاية من القبر أثناء الدفن... من المحتمل جداً أنهم كانوا يلاحظون الموقف وهم على البعد، وأن يوسف الرامي كان ممثلاً لليهود أكثر من كونه ممثلاً للتلاميذ. إذا كان الأمر كذلك، فإنه يتعذر على النسوة أن يميزن بين قبر وآخر منحوت في الجبل. لذا فهناك احتمال أنهن زرن القبر الخاطيء لأن هذا يعطي لنا التفسير الصحيح الطبيعي، الذي يشرح حقيقة أنهن بدلاً من أن يجدن قبراً مقفلاً، وجدن القبر مفتوحاً... وإنه لم يكن هو القبر الصحيح، لذا فإن ظروف تفسير ما حدث بعد ذلك يمكن تبريرها. أتت النسوة في الصباح الباكر إلى قبر يعتقدن أن فيه جسد سيدهم. توقعن أن يجدن قبراً مقفلاً، لكن ما وجدوه كان مفتوحاً وبداخله شاب صغير... وهذا الشاب خمن مهمتهن، وحاول أن يخبرهن أنهن ارتكبن خطأ في تحديد المكان، وقال «إنه ليس هنا، ابحثوا عن المكان الذي وضع فيه»، ولعله أشار إلى القبر التالي. لكن النسوة كن خائفات من اكتشاف طبيعة مهمتهن، لذا سارعن بالهرب.(Lake, HERJC,250,253)
2(ج) التفنيد
زيارة النسوة إلى القبر الخالي في صباح يوم الأحد هو من أكثر الأحداث توثيقاً في الأناجيل. وفرضية كيرسوب ليك تفترض تاريخيتها. ويعلِّق على ذلك فرانك موريسون «قصة مغامرة النسوة هي من أوائل التسجيلات الحقيقية التي بين أيدينا، فقد أشار إليها كل من القديس مرقس ومتى ولوقا، وتأكدت فيما يختص بمريم المجدلية في إنجيل القديس يوحنا، ونجدها أيضاً مذكورة في إنجيل بطرس الأبوكريفي، وربما وبشكل ملفت، موجودة في الشذرات التي حفظها لنا القديس لوقا في الأصحاح الرابع والعشرين من العدد 13- 34، وهو ما يخص بالرحلة إلى عمواس. (Morison,WNS,98)
إن المعترض ليك يقبل هذه الزيارة كحدث تاريخي، لكنه مخطيء في تصوراته عما حدث عند القبر.
1(د) هؤلاء النسوة راقبن بكل دقة مكان دفن جثمان يسوع الذي حدث قبل اثنين وسبعين ساعة من زيارتهن:
«وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر» (مت 27: 61).
«وكانت مريم المجدلية ومريم أم يوسى تنظران أين وُضع» (مر 15: 47).
«وتبعته نساء كن قد أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وضع جسده» (لو 23: 55).
هل تعتقد أنك أنت أو أنا أو النسوة أو أي إنسان عاقل سوف ينسى بكل تلك السهولة المكان الذي دفن فيه عزيز عليهم منذ اثنين وسبعون ساعة سابقة؟
2(د) أخبرت النسوة التلاميذ عما حدث لهن، وبعدها وجد كل من بطرس ويوحنا أن القبر فعلاً كان خالياً.
«فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه. فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا إلي القبر. وكان الاثنان يركضان معاً. فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولاً إلى القبر... ورأى فآمن. (يو 20: 2- 8)
وهل يمكن أن يقول المعترض بأن بطرس ويوحنا ذهبا أيضاً للقبر الخاطيء؟ يلاحظ بول ليتل: «إنه شيء غير مقنع بالمرة أن يقع كليهما في نفس الخطأ».
3(د) والأكثر من ذلك، كان هناك ملاك يجلس على الصخرة وهو يقول «هلمَّ انظرا الموضع الذي كان الرب مضجعاً فيه» (مت 28: 6). هل يمكن أن نصدق بأن الملاك أيضاً مخطيء؟
يقول ولبر سميث «لقد اقترح أحدهم، لتبرير نظرية الخطأ في تحديد القبر، إن كلمات الملاك تعني في الحقيقة، «أنتم في المكان الخطأ، تعالوا هنا لتروا أين وضع جسد الرب».
حسناً، بعد مرور ألفين سنة من دراسة العهد الجديد، إنه الآن يشغل أوقاتنا الحاضرة للبحث فيما سجَّلته الأناجيل، وفي الوقت الذي لا يوجد أي بحث موثوق به لأي إنجيل، نجد فيه مثل تلك التفسيرات الغريبة. (Smith,TS,381-82)
4(د) إذا ذهبت النسوة إلى القبر الخطأ (قبر خال)، لذلك يمكن للسنهدريم أن يذهب إلي القبر الصحيح ويستخرج الجثمان (إذا لم يقم المسيح). وهذا كان جديراً بإسكات التلاميذ إلى الأبد!
وكان رؤساء الكهنة وباقي الأعداء بكل سهولة أن يذهبوا إلى القبر الصحيح!
5(د) حتى إذا ذهبت النسوة وكذلك التلاميذ، والرومان، واليهود إلى القبر الخطأ، فإن هناك أمراً أكيداً، وكما يعبر عنه بول ليتل بقوله بالتأكيد، كان من الممكن ليوسف الرامي أن يحل تلك المشكلة.(Little, KWHYB,65)
6(د) نقرأ تتابع الرواية في إنجيل مرقس كالآتي:
ولما دخلن القبر رأين شاباً جالساً على اليمين لابساً حلة بيضاء فاندهشن. فقال لهن لا تندهشن. أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب لقد قام. ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه (مر 16: 5 و6).
إن ما أشار إليه المعترض ليك وهو مرقس 16: 6 غير مكتمل. إنه يذكر جزءاً من حوار الشاب الصغير ويتجاهل أهم جزء في كلامه. هي جملة «لقد قام». لاحظ هنا تلك المقارنة بين الحوارين.
«إنه ليس هو ههنا، ما كتبه ليك هوذا الموضع الذي وضعوه فيه»
بينما النص الحقيقي:
«لقد قام، ليس هو ههنا، هوذا الموضع الذي وضعوه فيه»
يعلق على ذلك ج. أندرسون «لا أجد فيما فعله هذا المعترض أي تبرير بحثي محترم» وإذا تم استخدام الجملة الصحيحة، لما صمدت أبداً نظرية هذا الرجل!.
7(د) يشير أندرسون أيضاً إلى مشكلة أخرى تواجه هؤلاء الذين يناصرون نظرية ليك:
عندما عادت النسوة إلى التلاميذ، كان من الممكن لهؤلاء أن يفعلوا أحد أمرين: أن يذهبوا إلى القبر ليتأكدوا من قول النسوة، أو أنهم يبشرون على الفور بقيامة الرب يسوع من الأموات.
مع ذلك، فإن هذا التبشير لم يبدأ فعلاً سوى بعد سبعة أسابيع لاحقة. يكتب أندرسون أيضاً: «إنني لا أرى أن هناك داعياً لأن يقوم الكُتَّاب المسيحيون باختراع فجوة السبعة أسابيع هذه. لذا فإنه يطلب منا أن نؤمن بأن النسوة لم يخبرن بقصتهن إلا بعد فوات وقت أطول. لم لا؟ لأنه من المفترض أن التلاميذ سيهربون إلى الجليل».(Anderson, RJC,1)
وبشأن تلك النقطة بالذات يقول فرانك موريسون إن اعتماد النسوة على الرجال يسبب إحراجاً بالغاً لنظرية الأستاذ ليك في أهم نقاطها الحيوية... إن الأستاذ ليك مضطر إلى إبقاء النسوة حتى صباح يوم الأحد لأنه يعتقد اعتقاداً جازماً أنهن ذهبن للقبر، وهو مضطر أيضاً أن يجعل التلاميذ خارج أورشليم قبل سطوع شمس يوم الأحد لأنه يفترض أن النسوة كن صامتات.
أخيراً، لكي يوفقِّ الأمور مع اعتقاده وأنهن أدلين بقصتهن للتلاميذ، مع ما أثاره ذلك من نتائج منطقية، لذا اضطر أن يستبقي النسوة لعدة أسابيع داخل أورشليم بينما رجع التلاميذ إلى بيوتهم، ليباشروا بعض من أعمالهم ثم يعودون مرة أخرى للعاصمة.(Morison, WMS,10)
8(د) يذكر لنا چون ستوت عن حالة النسوة، هن لم يستغرقن في ذرف دموع الحزن، لكن كان أمامهم هدف محدد لزيارتهم تلك التي حدثت في الصباح المبكر.
ويكتب قائلاً: «لقد اشترين حنوطاً ليقمن باستكمال تحنيط جسد السيد، طالما أن قدوم يوم السبت جعل هذا العمل يؤدى بطريقة متعجلة منذ يومين سابقين. هؤلاء النسوة المخلصات واللاتي يشبهن نساء الأعمال في وقتنا الحالي لم يكنّ من تلك النوعية التي يمكن خداعها بسهولة وأن يتخلين عن العمل الذي حضرن خصيصاً لأدائه». (Stott,BC,48)
9(د) إنها لم تكن مقبرة عامة، لكنها مكان خصوصي للدفن، ولن يوجد أي قبر آخر يدعهن أن يرتكبن تلك الغلطة. يقول ولبر سميث وهو يعلق على تلك النقطة، «كل هذه الفكرة خيالية لدرجة أن الأستاذ راولنسون، وهو ليس من المحافظين، في مجال تعليقه على تاريخ إنجيل مرقس، اضطر أن يعلِّق على اقتراح الأستاذ ليك قائلاً: «أن تقوم النسوة بالذهاب إلى القبر الخطأ، وأن يحاول شخص ما أن يدلّهم على القبر الصحيح ثم فهمه بطريقة خاطئة، فهذا غير معقول حيث أنه غريب عن روح القصة». (Smith, TS 382)
10(د) يكتب ميريل تيني، «فشل الأستاذ ليك في شرح لماذا كان هذا «الشاب الصغير» (مر 16: 5) متواجداً سواء في قبر عام أو حديقة خاصة في تلك الساعة المبكرة من النهار».(Tenney,RR,115-116)
ويتساءل «ما هو الحافز الغريب الذي دعى تواجد إنسان غريب في هذا المكان؟ وإذا لم يكن غريباً ، ولكنه أحد التلاميذ المنهك في جمع بعض المعلومات، لماذا كان وجوده سبباً في بث الذعر في قلوب النسوة؟». (Tenney, RR,115-16)
ويستكمل تيني حديثه قائلاً: «الحديث الذي أورده القديس مرقس، والذي استند إليه الأستاذ ليك، قال إن هذا الشاب كان جالساً داخل القبر، وهذا يعني أنهن لم يخطئن في القبر،... لكن أن يسوع لم يعد هناك، أنهن يستطعن أن يشاهدن أين كان موضوعاً، لكن الجسد اختفى».(Tenney, RR,115-16)
11(د) البعض يشير إلى «الشاب الصغير» بأنه بستاني، على ذلك يعلق فرانك موريسون بقوله:
هذه القصة بالرغم من مظهرها المعقول، لها جانب وحيد ضعيف. إذا كان الوقت مازال ليلاً والنسوة ذهبن إلي القبر الخطأ، إنه من المستبعد تماماً أن يكون هناك بستانياً مازال قائماً بالعمل، لأنه إذا كان الوقت متأخراً والضوء يشعّ مما يجعل البستاني قادراً على العمل، فإنه من المستبعد أن تخطيء النسوة في مكان القبر الصحيح. هذه النظرية تعتمد على تزامن حدثين طارئين غير متوقعين. مع ذلك، فإن هذا، هو جزء من عدم احتمال ثبوت هذه النظرية والمصاعب العقلية التي تحيط بها. (Morisson,WNS,97)
أيضاً، إذا كان هذا الشاب الصغير هو البستاني، كما يؤكد بعض الناس، لماذا لم يبحث عنه رؤساء الكهنة كدليل على أن جسد يسوع مازال في القبر؟ هو لم يكن البستاني، ولكنه ملاك من السماء (متى 28:1-10).(Morisson,WNS,97)
الكل يعلم أن قبر المسيح كان خالياً - والمسألة الحقيقية هي كيف أصبح كذلك؟
12(د) ما الذي يمكن أن يخطر ببالنا عندما نستمع لنظرية الأستاذ ليك بأن الناس ذهبوا إلى القبر الخطأ؟
يقول چورچ هانسن: «إذا كان الشك يخامرني بخصوص القيامة، فإن كتاب الأستاذ ليك سوف يمدني بأكبر عون يؤيد شكوكي. وبعد قيامي بقراءة كتابه أصبح من أكبر المؤيدين للرأي الذي عبَّر عنه دي ويت في كتابه المعنون «النقد التاريخي للتاريخ الإنجيلي» (ص229). حيث قال: «حقيقة القيامة، بالرغم من الغموض الذي يكتنفها ويلحق بالطريقة والأسلوب الذي حدثت بها، لا يمكن أن نشك فيه»
يقول ولبر سميث «لا تعتمد النظرية القائلة بأن النسوة ذهبن إلي القبر الخطأ، على دليل واضح يؤكد صحتها، لكنها في الحقيقة تقوم على عدم الاعتقاد بإمكانية حدوث الطريقة غير الطبيعية التي أصبح من خلالها قبر المسيح خالياً».(Smith,TS,382)
8(أ) الخاتمة: المسيح قام، بالحقيقة قام!
يكتب چون مونتجومري:
السجلات القديمة التي نقرأ فيها عن رسالة يسوع تمدنا بانطباع مدهش بأن هذا الرجل كان يجول ليس فقط «يصنع خيراً»، لكن أيضاً يجول وهو يقرر أن يكون مصدر إزعاج للآخرين.
وهو يشبه هنا سقراط في هذا الشأن: كل من الرجلين أغضب معاصريه لدرجة أنه حكم عليهما بالموت- لكن بينما لعب سقراط دور النحلة الجوَّالة فوق جموع الأثينيين بأن يطلب من مستمعيه أن يعرفوا ويفهموا ذواتهم، وأن يفحصوا حياتهم غير المدركة، فإن يسوع دعى معاصريه بإصرار على أن يدلوا باتجاهاتهم نحوه.
«ما الذي يقوله الناس عني أنا ابن الإنسان؟.. ما الذي تقولونه أنتم عما أكون؟» «ما الذي تظنونه يكون المسيح، وابن من هو؟» هذه هي التساؤلات التي أثارها يسوع.(Montgomery, HC,12)
لقد أوضح يسوع تماماً من هو. عندما أخبر توما:
«أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي» (يو 14: 6).
ويقول القديس بولس إن المسيح «تعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات. يسوع المسيح ربنا» (رو 1: 4).
يقول سيمون جرنليف، استاذ القانون في جامعة هارفارد:
كل ما تطلبه المسيحية من الناس.. هو أن يكونوا متوافقيـن مع أنفسهـم، أن يتعاملوا مع أدلتها كما يتعاملـون مع أي دلائل أخرى، إن يحاولوا التحكم في عواملها وشواهدها، كما لو كانوا يتعاملون مع نظرائهم من البشر. عندما نشهد عن أعمال الناس وأفعالهـم مع بعضهـم البعض، فلندع الشهود أن يفحصوا ذواتهم، وعلاقاتهم مع الآخـرين، مع استجلاء الحقائـق والظـروف المحيطـة، ثم ندع تلك الشهادات تنقى وتصفى كما لو كانت مقدمة مثلاً إلى محكمة تقر العدالة. هذه الشهادات سوف تتعرض إلى استجواب دقيق النتيجة، سـوف نصدِّق هذه الشهادات بكل اطمئنان، ستكون هناك قناعة تامة على تكاملها، وقدراتها وكذلك مدى صدقها.(Greenleef,TE,46)
قال ج. هاردي «هذا هو تقرير متكامل»
قبر كونفشيوس مشغول
قبر بوذا مشغول
قبر يسوع خالٍ
القرار واضح وصريح، والدليل يتكلم عن نفسه، وهو يقول حقاً قام المسيح من الأموات.
|