«الإيمان بأن المعرفة المباشرة بالله، والحقيقة الروحية أو الحقيقة المطلقة، يمكن الحصول عليها " من خلال الإلهامات والبصيرة "الذاتية" وبطريقة تختلف عن التصورات الحسية العادية أو استخدام التفكير المنطقى"» (قاموس وبستر الجامعى الجديد)
1(أ) الباطنية كما وصفها سوزوكي (الزينية البوذية)
هناك أشكال كثيرة من المذاهب الباطنية. وما يميز الباطنيين هو كيف يصلون إلى هدفهم وهو الاستنارة الداخلية. تذكر أن كيف نعرف الواقع؟ مرتبط ب- لكن مختلف عن، هل نحن نعرف فعلاً الواقع، المثال التالي من الباطنية يكشف عن التصور الباطني في معرفة الواقع والإحاطة بالحقيقة.
1(ب) الحقيقة قد تستلزم التناقض
يذكر سوزوكي بكل وضوح: لم تتبع الزينية الروتين الفكري التقليدي ولا تجد مشكلة في أن تناقض نفسها أو أن تكون متضاربة.(Suzuki, LZ,94)
الزينية هي ليست بالتأكيد نظاماً تأسس على المنطق والتحليل، وإن كانت هي شيء ما فإنها نقيض المنطق، أعني بذلك أسلوبها الثنائي في التفكير. (Suzuki, IZB,94)
سوزوكي: نحن عادة ما نعتبر أن (أ) هي (أ) لأن (أ) هي (أ)، أو أن (أ) هي (أ) ولذلك (أ) هي (أ). الزينية تتفق وتوافق على هذه النوعية من التفكير، لكن الزينية لها طريقتها الخاصة التي لا تقبل عادة. فالزيني سوف يقول: (أ) هي (أ) لأن (أ) هي ليست (أ)؛ أو (أ) ليست هي (أ)؛ لذلك، فإن (أ) هي (أ). (Suzuki, ZS,152)
سوزوكي: هذه هي بداية الزينية، لأننا الآن نتحقق من أن (أ) هي ليست (أ) على كل حال، وأن المنطق مفرد- الجانب، وأن ما يطلق عليه غير منطقي، ليس بالضرورة، وطبقاً للتحليل الأخير أن يكون فعلاً غير منطقي؛ ما هو غير معقول ظاهرياً له في كل الأحوال منطقه الخاص، الذي هو على توافق وارتباط مع الحالة الحقيقية للأشياء... وبكلمات أخرى، الزينية ترغب أن تتعايش من الباطن. أن لا تلتزم بالقواعد لكن على الفرد أن يخلق قواعده الخاصة- هذه هي نوعية الحياة التي تطلبها منا الزينية لكي نحياها. ومن ثم هذا يظهر في عباراتها غير المنطقية أو بالحري فوق المنطقية.(Suzuki, IZB,60,64)
يذكر سوزوكي أن هناك حقيقة في التناقض أكثر من المنطق: «مهما كانت درجة الاستحالة المنطقية أو التناقض الكلِّي للكلمات التي ينطق بها "البراجناباراميتا"، فإنها مرضية تماماً للروح... أن لا تكون منطقية بالمرة لا يعني هذا أنها ليست حقيقية. فبالنسبة للحقيقة في ذاتها، نجد أن كلماته مفعمة بالحق.(Suzuki, EZB 3,271)
يقول سوزوكي معلقاً على الحقيقة: «الفكرة هي أن الحقيقة النهائية للتجربة لا يجب أن تستعبد بأي قوانين فكرية مصطنعة أو مخططة، أو بأي عبارات جدلية تقتضي استخدام نعم أو لا. أو بأي صياغات جافة أو مقتطعة من نظريات المعرفة. من الواضح أن الزينية ترتكب كل أمر شاذ وما هو غير معقول في كل الوقت؛ لكن هذا في الظاهر فقط. (Suzuki, IZB,52)
يقول سوزوكي معلقاً على التصنيفات المنطقية: «الجهل هو الاسم الثاني للازدواجية المنطقية... إذا أردنا أن نصل إلى قلب حقيقة الأشياء، يجب علينا أن نطّلع عليها من النقطة التي لم يتمّ فيها خلْق العالم، حيث لم يستيقظ بعض وعيّ الأفراد».
2(ب) هناك عالمان من الواقع ( والحقيقة) يجب أن يُختبرا بشكل مختلف
يمدنا سوزوكي بفلسفة المعرفة عند الزينية:
إنني مستعد الآن أن أوضِّح بعض من إبستمولوچية الزينية. هناك نوعان من المعلومات يمكن أن نقدمهما للتعريف بالواقع الحقيقي؛ الأول خاص بالمعرفة عن الواقع والآخر هو ما الذي يصدر من الواقع ذاته. استخدام المعرفة في مفهومها الواسع، سيكون هو أول ما سوف أشرحه كمعرفة معلومة والثاني كمعرفة غير معلومة. المعرفة تُعرف عندما تكوِّن هي علاقة ما بين الموضوع والشيء... المعرفة غير المعلومة هي نتيجة لخبرة باطنية؛ لذلك، هي فردية المنحى وذاتية. لكن الشيء الغريب في الأمر بخصوص هذه النوعية من المعرفة هو أن من يتلقاها يقتنع تماماً بعالميتها بالرغم من خصوصيتها. (Suzuki, SZ,146)
يشرح سوزوكي هنا هذه الأمور بأنها هي الرؤية والتعرف: الرؤية تلعب دوراً حيوياً في نظام المعرفة البوذية، لأن الرؤية هي في صميم المعرفة، والمعرفة مستحيلة بدون الرؤية؛ كل المعارف تنصب من خلال الرؤية. (Suzuki, MCB,46)
يعرف نورمان أندرسون الباطنية: «بتعبيرات عامة، فإن الباطنية تمثِّل الاعتقاد أن المعرفة المباشرة لله، وللحقائق الروحية، يمكن إدراكها من خلال الحدس الحال أو الإلهام الذاتي وبطريقة تختلف عن التصورات الحسية العادية أو استخدام التفكير المنطقي».(Anderson, CWR,37)
يخبرنا أندرسون كيف يتوصل الزيني إلى الحقيقة المطلقة: «البوذيون الزينيون يؤمنون أنه باستخدام الالتزام- الذاتي الصارم واستخدام طريقة موصوفة ومحددة من التأمل، بها ربما يصلون إلى مرحلة «ساتوري»، وهي التعبير الياباني عن حالة الاستنارة الداخلية - إما بشكل فجائي، ببعض التعليم، أو تدريجياً، كما يحدث مع الآخرين- باستخدام التصورات التي هي اختبارية أكثر من كونها إدراكية. (Anderson, CWR,88)
يحدد سوزوكي الـ"ساتوري" بأنها مختلفة تماماً عن المعرفة المنطقية: "الساتوري" يمكن تعريفها كشكل بديهي في طبيعة الأشياء في تحديد معارض للفهم التحليلي أو المنطقي لها. (Suzuki, EZBI,230)
سوزوكي: مع كل، فإن الـ"ساتوري" لا يمكن اكتسابها من خلال الفهم.(Suzuki, EZBI,243)
سوزوكي: في الزينية يجب أن يكون هناك ساتوري: يجب أن يتواجد فورة عقلية عامة يمكن أن تدمر التراكمات القديمة للإدراكات وتبني أساساً لاعتقاد جديد؛ يجب أن يكون هناك استيقاظ لإحساس جديد يستطيع أن يكشف الأشياء القديمة من زاوية تصوُّر هي جديدة بالكامل ومنعشة. (Suzuki, EZBI,152)
سوزوكي: خلف مجموعة إشارات النفي التي يقدمها مفكرو الـ"ماهايانا" -(وهم طائفة مختلفة من البوذية، ولكن الزينية هي الأكثر شعبية)- هناك تأكيد واضح لحقيقة عظمى. (Suzuki, AL,5)
سوزوكي: في الزينية هناك مطلب إدراكي للحقيقة العظمى يفشل الإدراك أن يشبعه ويحققه، هذا الموضوع يحفز الإنسان لكي يغطس تحت أمواج الوعي التجريبي. (Suzuki, EZB2,152)
يشرح سوزوكي مرة أخرى شكلّي المعارف:
في البوذية يمكن التعرف على شكلين من أشكال المعرفة؛ الأول هو براجنا والثاني هو فيجنانا. براجنا هو كل المعرفة (سارفاجنا)، أو المعرفة السامية... أما فيجنانا فهي معارفنا النسبية والذي فيه نلاحظ كل من الموضوع والشيء... من الواضح أن العلم والفلسفة لا يستغرقا الواقع؛ الواقع يشتمل على أشياء أكثر من تلك التي نستوعبها من واقع معارفنا النسبية للتساؤل عنها. ما يترك في عالم الواقع، طبقاً للبوذية، يعود إلى براجنا للتعرف عليه. (Suzuki, LZ,80)
سوزوكي: براجنا هو أمر لا تستطيع معارفنا الاستطرادية أن تحصل عليه. إنه تنتمي إلى نوعية مختلفة من المعرفة المجردة.(Suzuki, AZ,22-23)
سوزوكي: فيجنانا يطلب أن يكون كل شيء محددا بشكل واضح، بدون خلط بين جملتين متناقضتين، ولكن هذا الأمر، مع ذلك، يتجاوزه ويتغلب عليه الـ «براجنا» بدون اكتراث.
في الزينية العبارات والأسئلة غير المنطقية وغير الحسية تستخدم لتصدم الشخص وتخرجه من مجال أفكاره المنطقية، وأحد الأمثلة على ذلك هو: ما هو الصوت الذي يصدره التصفيق بيد واحدة ؟ يشرح سوزوكي الفلسفة الزينية من وراء طرح مثل هذا السؤال غير المنطقي: ليس من أغراض الزينية أن تبدو غير منطقية، لكنها تجعل الناس يدركون أن التكامل المنطقي ليس هو نهاية المطاف، وأن هناك جُملاً سامية معينة لا يمكن الحصول عليها بمجرد المهارة الإدراكية... الزينية تأخذ بأيدينا إلى عالم مطلق لا يوجد فيه أي أشكال ديالكتيكية من أي نوع. (Suzuki, IZB,67-68)
3(ب) الواقع الذي يمثله هذا العالم، ومعه مجموعة خبراتنا عنه، هو وهم وخيال
يشرح سوزوكي أن العالم المادي أو الواقع ليس إلا وهم (هذا المفهوم يطلق عليه «مايا»):
كما قلنا سابقاً تكرارا،ً أن قوة الحجة التي نحصل عليها من الـ «براجنابراميتا» توجه ضد الخطأ الأساسي الذي يغلِّفنا بالنسبة للعالم ككل- هذا يعني، أنها تقف ضد الواقعية الساذجة (هناك عالم حقيقي، متواجد، خارجي). الخصائص البارزة لهذه الواقعية هو أن تعتبر العالم كواقع ثابت داخلياً ومتواجد خارجياً في مقابل تصورات العالم الداخلي للأفكار، المشاعر والأحاسيس... واحدة من أفضل الأسلحة التي يمكن لها أن تدمر قواعد الواقعية الساذجة هو أن نعلن أن الكل هو "مايا" وأنه لا يوجد نظام ثابت يتحكم في العالم. أن الفكرة المزدوجة للوجود، الداخلية والخارجية، وعدم الكينونة، الخ، هي صور خيالية، وأنه من الضروري أن البراجنا التي تسيطر على ما لا يمكن الإمساك به... لذا يقال لنا إن الأفراح والأتراح التي نصاب بها ليس لها طبيعة دائمة؛ وهذا ينطبق أيضا على موضوعات السرور والألم، إنها عارضة ومتغيرة مماثلة في ذلك «المايا». كلها ليس لديها واقع جوهري. هي ليست سوى ظواهر مجردة، وأنه يجب أن ينظر إليها بنظرة كأنها ليست لها أي قيمة. وإلى أي حد يمكن أن تصل إليه هذه المظاهر؛ فهي متواجدة هناك، وهذه الحقيقة لا يمكن أبدا تجاهلها؛ لكن أن نتعلق بها كنهايات للأمور، فهذا هو الخطأ، إذ أن العقلاء يعلمون أفضل من ذلك، لأن أعينهم- البراجناتية قد اخترقت القاعدة الصلبة للواقع. (Suzuki, EZB,267-68)
يقول سوزوكي إن العالم الحقيقي موجود خلف هذا العالم الذي لدينا: «هذا العالم النسبي الذي نعلم أننا نعيش فيه، والعالم الحقيقي حقا الذي هو كائن ورائه، وهما يكونا معاً كياناً كاملا غير منقسم، ولا يمكننا أن نقول إن أحدهما أكثر واقعية عن الآخر... الحقيقة هي أن العالم هو واحد». (Suzuki, WIZ,73)
يتكلم هنا سوزوكي عن الواقع بتعبيرات الغرب الفلسفية:
مع ذلك، فإن الواقع لا يجب أن يُفهم بأنه نواة أو مختلط الطبائع أو هو الشيء في ذاته متواجداً بعيداً عما هو معروف كالشكل والمظهرية. إنه ليس أمراً يختص بالتصور الإدراكي وأن يقال بأنه هذا أو ذاك. إنه ما يبقي خلفا (بالرغم أننا لا نفضِّل استخدام هذا التعبير) عندما تتساقط الأغلفة الخارجية وتنزاح عنه. هذا لا يجب أن يُفهم في مجال الإدراك. إنه رمزي ويجب أن يفسر روحياً؛ إنه الشعور الذي يحس به الإنسان عندما يُختبر ما نطلق عليه، بسبب العجز في إيجاد التعبيرات المناسبة، الخبرة الزينية أو الساتورية. (Suzuki, LZ,30)
يعلِّق سوزوكي بأن استخدام اللامنطق والكلمات العبثية في تطبيق الزينية يعمل على أن يتحرر الذهن من الانجذاب إلى العالم الوهمي: غرض معلم الزينية بكل وضوح في معارضة الحقائق التي هي «إحساسية- الخبرة» هو أن يشجع الإنسان أن يحرر نفسه من التعلق غير الضروري بالأشكال الفكرية التي يعتبرها أمراً واقعاً. (Suzuki, LZ,94)
4(ب) التجربة الباطنية فائقة الوصف
يذكر سوزوكي أن التجربة الباطنية هي فائقة الوصف (يتعذر التعبير عنها): «الساتورية هي الأكثر التصاقاً بالخبرة الفردية لذلك لا يمكن التعبير عنها بالكلمات أو توصف بأي أسلوب». (Suzuki, EZB1,263)
سوزوكي: الواقع نفسه ليس له سواء شكل أو لا- شكل مماثلا في ذلك الفراغ الذي هو بعيد عن التعريف والفهم؛ إنه من المراوغة بحيث يصعب التعبير عنه بالكلمات أو الحروف. (Suzuki, EZB2,21)
2(أ) الـــرد
أ(ب) عبارات الزينية تهدم نفسها
1(ج) أمثلة محددة
يشرح لنا د. ت. سوزوكي ويقول إن الزينية لا يمكن انتقادها: «لقد حصل معلم الزينية بواسطة الساتوري على أرض صلبة، منها يهجم على معسكر خصمه في أي اتجاه. هذه الميزة ليست منغرسة في أي نقطة محددة من المكان، ولا يمكن أن تهاجم بالأفكار أو بأي نظام مرتبط بها. لذلك فإن، موقفه هذا، والذي لا يعتبر موقفاً بالمفهوم العادي، لا يمكن تجاوزه بأي وسيلة متولدة من الإدراكات. (Suzuki, LZ,95)
يقول سوزوكي إن الزينية هي ذاتية- الصدق ولا تهتم أبداً بأي نقد يوجه من معارضيها:
من وجهة النظر اللغوية فإن معلمي الزينية يتحدي أحدهما الآخر ولا توجد طريقة لإجراء مصالحة. الواحد فيهما يقول نعم بينما الآخر يقول لا. طالما أن كلمة لا تعني نفيًا غير محدد، نعم تعني إثباتاً غير محدد، فليس هناك معبر بين الاثنين. وإذا كانت هكذا الحالة، كما تبدو، كيف تسمح الزينية بالتناقض وتستمر في ادعائها بأن تعاليمها راسخة، هذا هو الذي يمكن أن يتساءل عنه الإنسان. لكن الزينية تستمر في طريقها بثبات بدون أن تلتفت لهذه الانتقادات. هذا لأن أول اهتمامات الزينية هو تجربتها الذاتية وليس أشكال التعبير عنها. الأخيرة تدعو إلى قدر كبير من الاختلافات، شاملة في ذلك المفارقات والمتناقضات والالتباسات. طبقا للزينية، مسألة الكينونة قد رسخت بالتعامل معها داخليًا وليس بمجرد الجدال بشأنها أو باستخدام التعبيرات اللغوية و(عكس التعبيرات). هؤلاء الذين لديهم خبرة زينية أصيلة سوف يتعرفون فوراً ما هو حق وما هو باطل بدون أي اختلافات مصطنعة.(Suzuki, MCB,59)
العثور على التناقض في كتابات سوزوكي ليس بالأمر الصعب. فقد كان كاتب ثرياً ومعبراً. لكن من الواضح أنه لا يهتم بأي ما يتناقض مع تعبيراته.
كتب سوزوكي: (إذن، إذا ما سُئلت، ما الذي تعلمه الزينية، سوف أجيب، الزينية لا تعلم شيئا). وفي صفحات متأخرة يكتب قائلاً: هذا القول الشهير الذي نطق به جيني لا يغطي كل ما تعلمه الزينية.(Suzuki, IZB,38,58)
يكتب سوزوكي هذه الجملة عن إجابة معلم زيني الموجهة إلى طالب يرغب في أن يتدرب على تفهم الحقيقة الزينية: قال المعلم الزيني:« لا يوجد هناك ذهن لكي يُحد، ولا يوجد ما يسمى حقيقة لكي ننتظم فيها». وفي الصفحة التالية يعلق سوزوكي: هؤلاء الذين يودون أن يتحصَّلوا على الإلهامات الإدراكية، إذا كان هذا ممكناً في الحقيقة عند الزينية، يجب عليهم أن يتفهموا ما الذي يعنيه هذا المقطع. (Suzuki, IZB,57-58)
سوزوكي يشرح عدم إمكان نقد الزينية لأنها بعيدة عن الازدواجية:
لذلك فإن الزينية ليست من المذاهب الباطنية، بالرغم من تواجد شيء ما بها تذكرنا بهذه الأخيرة. الزينية لا تعلِّم الاستغراق، تحديد الهوية، أو الاتحاد، لأن كل هذه مشتقة من تصور ثنائي الشكل للحياة والعالم. في الزينية هناك اكتمال للأشياء، التي ترفض أن تحلَّل أو تفصَّل إلى أشكال دياليكتيكية من كل الأنواع. وكما يقولون، إنها مثل القضيب الحديدي الذي يخلو من الثقوب أو المقابض لكي تمسك منه، وليس لديك وسيلة للقبض عليه؛ وبتعبير آخر، لا يمكن تصنيفها تحت أي تصنيف. لذلك، يجب أن يقال عن الزينية بأنها نظام فريد من نوعه في تاريخ الثقافة البشرية، من الناحية الدينية والفلسفية.(Suzuki, SZ,146)
2(ج) الــنـقــد
يتجاوب هنري روزمونت مع إنكار أن الزينية نوع من الفلسفة:
الزينية البوذية هي مجموعة من الافتراضات الفلسفية، تحكم النماذج السلوكية للمنتمين إليها؛ كل من سوزوكي وزملائه يتجاهلون هذه الحقيقة بالتلاعب بالألفاظ، وينتج عن ذلك أن قرَّاء التعليقات على الزينية ُيخدعون وكثير من الموضوعات الرئيسية تحدث بها مراوغات وغموض. مثلاً، يقول في صفحة: وجد أن الزينية تنظم وتبلور كل الفلسفات، الأديان، والحياة ذاتها لشعوب الشرق الأقصى، وعلي الأخص اليابانيين. ويعلِّم سوزوكي أفضل من ذلك عندما يذكر في الصفحة التالية أن الزينية لا تعِّلم شيئًا. النتيجة واضحة تماما.ً سواء وافق على وضوحها أم لا، فإن سوزوكي يكتب في الفلسفة؛ من المقدمة التي تقول بأن كثير من المعتقدات التي يعتنقها باسم الزينية هي ضد- الفلسفة، لكنه لا يتَّبع ذلك. إنها طبق الأصل مماثلة للأعمال الفلسفية. (Rosemont, LLZ,15)
مرة أخري يقول روزمونت:
لذلك هي لا ترتجي السؤال عنها، ولا الزيف، ولا التضليل، لكن التصحيح لتأكيد حقيقة أن الزينية هي نوع من الفلسفة، مهما كانت تتحلى بشكل آخر. يمكن السماح للظن بأن الزينية البوذية هي بها الكفاية من الغرابة لكي تضفي على نفسها صفات مثل ضد- الفلسفة، لكن هذا التشخيص لا يتوافق مع اللا- فلسفي. عندما يعبِّر المعلقون على الزينية بجمل متقنة يدافعون بها عن معتقداتها، تلاحظ أنها متحدة تماماً مع الجمل الفلسفية، وطالما أنهم مشاركون في مناقشات فلسفية، فإن تأكيدهم العكسي ليس مقبولاً؛ ومثل هذه الأعمال تكون شكلاً موضوعياً مناسباً للفحص الفلسفي والانتقاد، لأن أي إنسان يقرأ هذه الجُمل سوف يهتم بدراسة فلسفة الزينية البوذية.(Rosemont, LLZ,32)
يجيب روزمونت على النقد الخاص للمنطق والفلسفة الغربية المتواجدة في المؤلفات الزينية: المفكِّر لا يمكن له أن يتهم باقي المفكرين بارتكاب أخطاء جوهرية، ثم لا يدع المتهم أن يفحص التهم الموجهة إليه بالتفصيل أو أن يرد عليها. ولكننا لا نجد سبيلاً لدراسة الزينية البوذية أكثر مما هي موجود في أي ميدان آخر.(Rosemont, LLZ,7-8)
يسجل روزمونت أن استخدام اللغة لإنكار المنطق هو أمر متناقض:
سوزوكي والمعلقون الآخرون يهاجمون الأشكال المنطقية واللغوية التي يجب عليهم هم ذاتهم أن يتمسكوا بها عندما يكتبون باللغة الإنجليزية، وينتج عن ذلك أن هجومهم هو ليس إلا عمل يدحض نفسه. مثلاً، شخص يؤمن أن المنطق هو بشكل ما ناقص ومعيب، إنه بالتأكيد سيجد أنه من الصعوبة أن يحفز الأذكياء لكي يشاركونه اعتقاده بتقديم الدلائل المؤكدة التي مهما أعطت من تصديق تحمله إلى الحقيقة التي تقول بأنها صحيحة منطقيًا... إذا كانت وجهات نظر سوزوكي تؤخذ بأشكالها القصوى، فليس مستحيلاً الدفاع عنها بلا غرابة. (Rosemont, LLZ,16)
يوضِّح كل من كلارك وجسلر المنطق الذي يتبعه الزينيون ليتفادوا المنطق:
إذا كان معلمو الزينية حقاً هم غير منطقيين، فلن نجد صعوبة في ذكر أن اللغة تشتت الحقائق دائماً، ثم نلتفت خلفاً لكي نستخدم لغة ما تعبَّر عن الحقيقة. بالطبع، هذا سوف يكون موقفاً سمجاً وغير متوازن. وبالطبع، هذا سوف يزعج باقي الفلاسفة. لكن إذا كان المنطق ليس لازماً وعدم التوازن يعتبر أمراً مقبولاً، لذا كان التعبير عن هذه المتناقضات لا يمثَّل أي مشكلة. يؤمن معلمو الزينية بحالة الصمت (أو بالأجوبة غير- الحسية، أو بلطمة على الخد)، وتبيِّن مدى اطمئنانهم لأن العقلانية قد تمَّ تجاوزها. لكن التمسك بالصمت يبين فقط أن المنطق يعمل فعلاً في العقول، وإذا لم يكن بالكلمات التي ينطق بها أساتذة الزينية. (Clark,ANA,176)
روزمونت يؤكد أن ادَّعاءات سوزوكي موجهة لغرض معين:
إنه اعتقاد فلسفي يؤمن به أتباع الزينية البوذية، وهو أننا لسنا سوى عبيد للكلمة والمنطق. لكن بمقتضى هذه الجملة وحدها لسنا نحن مؤهلون لأن نستنتج فوراً، كما حدث مع سوزوكي، أن الاعتقاد في الزينية هو سليم، وأننا عبيد للحرف والمنطق. ربما يكون صحيحا أننا هكذا مغلولون، بائسون، ونجتاز في بحار من المصاعب، لكن هذا ليس صحيحا بالتأكيد فقط لأن الزينية البوذية تؤمن بذلك. سوزوكي لا يثبت، أو حتى يحاول أن يثبت، أن الاعتقاد سليم؛ إنه يفترض أنه كذلك، ثم يستمر في الدفاع عن عدد من الاعتقادات الأخرى التي تختص بالعالم والتي تعتمد في تصديقها، مع ذلك، على المبدأ الأول الذي افترض جدلاً أنه صحيح، وهذا كله لا يصلح إطلاقاً كأساس وقاعدة للفهم.(Rosemont, LLZ,39)
يشير روزمونت إلى مظهر آخر ذاتي- الهدم في التعليقات الزينية: عدد كبير من الاعتقادات الزينية الرئيسية لها شكل غريب مماثلة في ذلك تلك الجمل التي توضِّح المعتقدات باستخدام جمل مزيفة، تجعل مناصرتها المباشرة قابلة للدمار، وتثبط همم كل من يهتم بتفهُّم الطريقة الزينية.
ويستنتج روزمونت:
هؤلاء المؤلفون يجب أن يتم إدانتهم بتهمة ارتكاب أخطاء منطقية ولغوية نشأت من تمسكهم باعتقادات ما وراء الفلسفة وما يلتصق بها، لأن هذه الاعتقادات غير متوازنة ولا تتماشى مع الاعتقادات التي نعرف أنها مفترضة مسبقاً بواسطة كل إنسان يكتب أو يقرأ أي شيء. ولأن هؤلاء المؤلفين قد كتبوا الكثير، هم يقدمون لنا دليل أولي على عدم اتزانهم. إن الذين يشرحون الزينية لا يستطيعون، أن يعطوا سبباً وجيهاً لاستثناء أفكارهم الخاصة وتأكيداتهم من الحكم عليها على أساس أنهم يعتنقون أفكاراً ضد- العقل، ضد- المنطق، وضد- اللغويات، ويحاولون أن يناصروها. بمهاجمة الفكر والمنطق واللغة يتنازل هؤلاء المعلقون في شأن تقديم مجادلات فكرية ومنطقية ولغوية لمناصرة هذه الاعتقادات الزينية. في الحقيقة، وأتكلم بكل وضوح عندما أقول إنهم يتنازلون عن إمكانية النطق بأي شيء عن الزينية ككل، بدون أن يكونوا متهمين، في أفضل الأحوال، بعدم الثبات والتقلب، وفي أسوأ الاحتمالات، بعدم الإخلاص.(Rosemont, LLZ,82)
ويذكر نورمان جسلر:
إن إنكار المؤمن بوحدة الكون أن المنطق يستخدم في فحص الواقع هو تفكير يهدم نفسه. إنكار أن المنطق يمكن تطبيقه على اهتمامات الواقع يعطِّل الجملة المنطقية عن الواقع حتى أنه لا يمكن صنع تلك الجملة المعبرة عن الواقع. مثلاً، عندما قال سوزوكي بأنه إذا كان علينا أن نفهم الحياة، فيجب أن نهمل المنطق، إنه يستخدم المنطق في تأكيده هذا ويستخدمه في إقرار واقع. في الحقيقة، كيف يمكن لقانون عدم التناقض ( أ لا يمكن أن تكون أ وليس أ ) أن تنكر بدون أن تستخدم في نفس الإنكار؟ لكي ننكر هذا المنطق ثم نستخدمه في الواقع، يجب على الفرد أن يصنع جملة منطقية عن الواقع. لكن إذا تعذر صنع مثل تلك الجملة الخاصة بالواقع، كيف يمكن للمؤمن بوحدة الكون أن يشرح وجهة نظره؟(Geisler, WA,105)
ويحذر روبرت س. الوود:
يجب أن نستقبل بحذر بالغ الفكرة العامة التي تقول إنه إذا أصبح الدين أكثر صوفية وأقل في العقائدية سوف تكون الأمور أفضل، وأن الباطنية هي اللب الروحاني الحقيقي لكل الدين. بينما يمكن مناقشة أي مسألة في مدى صحتها وافتراضاتها، فإنها سوف تتعرض للغموض إذا لم نأخذ في الحسبان أوضاعها. بالاعتماد على هذه الأوضاع، وما يظنه الانسان الصوفي الباطني فيمكن هذا من تخليص الناس من شياطين الحرب والكراهية التي تعمل باسم المعتقد الروحي. لأن الطبيعة- الإثباتية للأمور الباطنية يمكن أن تكون سيفاً ذو حدين: إنه يمكّن من الانغماس في التجربة العجيبة للتسامي والعلو، مع ذلك تؤكد درجة انفصالها من صلاتها بتحكمات المنطق والعقل. في داخل هذا يستقر الجانب المظلم من الباطنية. هؤلاء الذين يطلقون اختبارات (التثبت- الذاتي) من ملاحظة العقل والرقابة الاجتماعية، يهملون هذه المعايير ويعرِّضون للخطر كل المعتقد. بعبارات محددة، نقول إن الخطر لا يستقر في الانجذاب الخاطف، ولكن في المشاعر والرموز المرتبطة به. مع ذلك، وعند التطبيق، كثيرا ما يحدث انفصال دقيق ما بين الاثنين. الخبرة ذاتية التأكيد تصبح بسهولة بالغة رومانسية زائفة من مشاعر متقدة، تقود بشكل إدراكي إلى أعمال تتجاوز العقل والتقاليد. حينذاك يستدعي المرء في ذهنه ممارسات النازية والخيالات المجنونة لتشارلز مانسون.(Ellwood, MR,186)
في هذا الاتجاه يستنبط وليم لين كريج عددا من المشاكل المنطقية المرتبطة باعتقادات المذاهب الباطنية:
الآن وتحت تأثير المذاهب الباطنية الشرقية، كثير من الناس ينكرون اليوم أن التكامل المنتظم هو اختبار للحقيقة. هم يؤكدون أن الحقيقة هي بالكلية غير منطقية أو أن التناقض المنطقي يتواصل مع الواقع. إنهم يؤكدون أنه في الفكر الشرقي فإن المطلق أو الله أو ما هو حق، هو الذي يتسامى ويتجاوز التصنيفات المنطقية الخاصة بفكر الإنسان. إنهم يتعرضون إلى تفسير الحاجة إلى الالتزام المنطقي كجزء من الإمبريالية الغربية التي يجب أن ترفض مع كل مظاهر الاستعمار.
يبدو من قول هؤلاء الناس، أن القانون الكلاسيكي للفكر المسمى بقانون (الوسط المستثنى) ليس بالضرورة صحيحاً، كأننا نقول، إنهم ينكرون الأمر المقترح وكذلك يرفضون نفيه، ولكن بالضرورة واحد منها هو صحيح والآخر مزيف. مثل هذا الإنكار يأخذ أحد شكلين (1) يمكن أن يفسر من جهة بأنه يعني أن المسألة ونفيها كليهما يمكن أن يكونا صحيحين ( أو كليهما خطأ) ، لذلك فإن الفرضين صحيحين وهما أن الله محبة، وبنفس المفهوم، الله ليس محبة. وطالما أن كلا الفرضين صحيح، فإن قانون التناقض الذي يقول إن الفرض وعكسه لا يمكن أن يكونا صحيحين في نفس الوقت ( أو كليهما خطأ) هو أيضا يستنكر. (2) من جانب آخر، الإنكار الأساسي، يمكن أن يفسر بأنه يعني أن الفرض ونفيه لا يمكن أن يكون كليهما صحيحاً (أو كليهما مزيفا). لذلك، ليس صحيحاً أن الله صالح وليس حقيقياً أيضاً أن الله ليس صالحاً؛ وهنا أيضاً لا توجد أي صحة لمثل هذه الافتراضات. في هذه الحالة فإن المبدأ الكلاسيكي الخاص بثنائية التكافؤ - بالنسبة لأي مسألة، من الضروري أن تكون إما أنها صحيحة أو خاطئة- قد تمَّ إنكاره مع مبدأ الوسط المستثنى أيضاً.
والآن فإنني أميل إلى أن أقول بكل صراحة إن مثل تلك المواقف هي مجنونة المظهر وغير سليمة. لأن تقول بأن الله صالح وليس صالحاً في نفس اللحظة أو أن الله موجود وليس موجوداً، هذا كله لا يمكن قبوله. في زماننا ذو الصلاحيات السياسية، هناك مدّ تجاه تشويه سمعة كل ما هو غربي مع تمجيد الاتجاهات الشرقية في التفكير، إذا لم يكن مساويًا له في القدر فإنه يعلو عنه ويرتفع. إذا أردنا أن نؤكد أن التفكير الشرقي هو ناقص بشكل خطير في ادِّعاءاته يبدو هذا منا كأنه تعصب معرفي، يتأجج بالضغوط التي تمارس على الذهن الغربي المتحول في منطقه.
لكن هذا الفكر فيه تبسيط مخلّ، في المقام الأول هناك مفكرون يعملون في مجال التقليد الفكري الغربي الذين تمسكوا بالأفكار الغامضة وهي تلك التي نبحثها (بلوتينوس يمكن أن يكون مثلاً جيداً لهم)، لذلك لا يوجد مبرر للتلويح بفكرة أن الشرق يضاد الغرب في هذا الشأن. ثانيا، المدى الذي يبلغه هذا النوع من الفكر (الفكر الشرقي) قد كثرت فيه المبالغة. ففي الشرق، نجد الرجل العادي (وكذلك الفيلسوف) - يعيشان طبقا لقانون التناقض والوسط المستثنى في كل حياتهم اليومية. إنه يؤكدهما في كل مرة يسير متخطياً باب منزله بدلاً من أن يخترق الحائط. إنها ليست سوى مستوى نظري مبالغ فيه من التصورات الفلسفية هي التي تنكر تلك القوانين. وحتي في تلك المستويات، فإن الموقف ليس متطابقاً تماماً في الكونفوشية، الهينايانا، البوذية، والهندوسية الممثلة في سانكيا-يوجا، فايشيسيكا-نيايا ومدارس الفكر الميماسي وحتى الجاينيزية، إذ جميعها لا تنكر تطبيق القوانين الكلاسيكية للفكر. لذلك لا يجب علينا نحن في الغرب أن نخجل أو نعتذر عن ميراثنا؛ على العكس، إن أحد أمجاد اليونان القديمة هو أن يعلن مفكروها بكل وضوح مباديء التفكير المنطقي، وكان انتصار وتغلُّب التفكير العقلاني على الطرق المنافسة من أساليب التفكير في الغرب من أكبر مظاهر القوة الغربية ومن أرسخ الإنجازات.
لماذا نظن إذن أن مثل تلك القواعد الخاصة بالمنطق (ذاتية - البرهان) ليست هي في الحقيقة ملائمة لتوضيح الواقع الأعظم ؟ يبدو مثل هذا الاِّدعاء أنه يهدم نفسه ومتعسفاً أيضاً. لأننا عندما نمحص الأمور في فهم عبارة، لا يمكن وصف الله بأدوات يتحكم فيها مبدأ ثنائية التكافؤ. إذا كان هذا الادِّعاء صحيحاً، إذن هو غير صحيح طالما أنه في ذاته هو عرض يصف الله، ولذا هو بلا قيمة حقيقية. وبذلك، نجد أن هذا الادعاء يبطل نفسه. بالطبع، إذا لم يكن صحيحًا، حينئذ هو غير صحيح، كما تدَّعي الباطنية الشرقية أن الله يمكن وصفه بافتراض يتحكم فيه مبدأ ثنائية التكافؤ. لذلك، إذا لم يكن الادِّعاء صحيحاً، فهو ليس صحيحاً، وإذا كان صحيحاً، فهو غير صحيح، لأنه في كل الأحوال سوف يتضح أن الادِّعاء ليس صحيحاً.
أو انظر للادِّعاء الذي يقول لا يمكن وصف الله بافتراضات يتحكم فيها مبدأ التناقض. إذا كان هذا الافتراض صحيحًا، إذن، طالما أنه يصف الله، فانه في ذاته لا يتحكم فيه مبدأ التناقض. لذلك، فإنه أمر صحيح في كلتا الحالتين وهو أنه يمكن أن يوصف الله بافتراض يحكمه قانون التناقض، لكن أي افتراضات هذه؟ يجب أن يوجد بعض منها، لأن الباطنية الشرقية ملتزمة بهذا الادِّعاء. لكن إذا أنتج أي شيء، فإنهم يسرعون برفض ادِّعاؤه الأساسي وهو أن هناك مثل ذلك الافتراض. لذلك فإن ادعاءه هذا يلزمه بتواجد أمثلة عكسية تستخدم لبطلان نفس الادِّعاء.
أكثر من ذلك، بعيداً عن مسألة (البطلان- الذاتي)، ادِّعاء الباطنية هو متعسف كلية. في الحقيقة، لا يمكن إبراز أي فكر لتبرير إنكار صحة المبدأ المنطقي عن افتراضات تختص بالله. لأن نفس العبارات التي بها هذا الفكر، مثل أن الله أعظم من أن يحاط بتصنيفات من الفكر الانساني تشمل تأكيداً لافتراضات معينة عن الله التي تتحكم فيها مباديء تحت المساءلة. باختصار، إنكار مثل تلك المباديء من أجل افتراضات تختص بالحقيقة العظمى هي متعسفة بالكامل.
بعض المفكرين الشرقيين يتحققون من أن مواقفهم، كمواقف، هي كلية التعسف (وذاتية- البطلان)، لذا هم ينساقون إلى إنكار حقيقة أن مواقفهم هي مواقف لا يحسدون عليها!. ادعاءاتهم وبالأولى مواقفهم هي مجرد نوع من التكنيك يشير إلى الحقيقة السامية التي تتجاوز أي موقف. لكن إذا كان هذا الادِّعاء ليس (ذاتي- البطلان) بشكل واضح، كما يبدو، وإذا كان هؤلاء المفكرون ليس لديهم موقف بشكل حرفي، عندئذ لا نجد هنا شيئاً لنؤكده وليس لديهم شيء يقولونه. هذا الصمت الغبي هو ربما أفضل شهادة إفلاس لكل من يحاول إنكار مباديء الفكر المنطقي.
2(ب) لا يوجد مجالان متناقضان للواقع يجب أن يختبرا بشكل مختلف
كل من كلارك وجسلر يلاحظان أن الباطنية منجذبة نحو مذهب وحدة الوجود لكي تحافظ على مقولة أن هناك شكلين من أشكال الخبرات:
الباطنية تضغط بشكل أقوى نحو الوحدة مما يقودهم إلى وحدة الوجود بشكل طبيعي. ولكن الخبرات الحسية العادية، سواء فَسِّرت بشكل ساذج أو معقد لا تتوافق مع مذهب وحدة الوجود. الوحدويون لذلك ينساقون بدوافع منطقية داخلية لوضع شكل من الخبرة التي تتجنب التبعات الواضحة من الخبرة الحسية. تحديداً، إن عالم الأمور الخارجية موجود حقا كما تبدو هذه. لذلك، هي تميل إلى أن تغرز الميتافيزيقا على هيئة معرفة تبدو بشكل ما أكثر سمواً من المعرفة التجريبية.(Clark, ANA,160-161)
يسأل كلارك وجسلر هل كل من شكلي الاختبار متميزان، وإذا كان هذا حقا، هل هناك سبب وجيه لكي نهمل أحدهما بالمقارنة بالثاني ؟
أي ادِّعاء يقول إن التجربة الباطنية تمتلك كل من هاتين السمتين، التفرد والسمو، هذا يدعونا لطرح سؤالين: (1) هل يمكن أن نوضِّح أن هناك شكلاً من التجربة والمعرفة التي تشتمل على هذين الميزتين، وهذا يتحقق استثناء من التجارب والمعارف العادية الحسية ؟ من الواضح، إذا كان كل من المستويين الخاصين بالتجارب والمعارف غير مميزة، لذا ليس علينا قبول الالتماس الخاص بالمستوى الأرفع المدَّعى من المعارف لتأييد وجهة نظر أي عالم من العوالم. لرفض المعارف الحسية من أجل مصلحة معارف أسمى وأرفع سوف يكون خطأ كبيراً إذا لم يكن هناك ذلك المستوى المرتفع من المعارف.
ويواصل كلارك وجسلر:
فلنفرض أن الوحدويين أظهروا أن هناك تواجداً لشكل من أشكال الخبرة والمعارف مستثناة عن المعتاد، هذا يدعونا إلى طرح السؤال (2) إذا كان هناك شكل من الخبرات والمعارف المستثناة، هل تمدنا هذه الخبرات بسبب وجيه لنهجر الخبرات الحسية والمعارف التجريبية التي تقودنا إلى الإيمان بعالم حقيقي مستقل من الأمور الموضوعية؟ ولكي ننظر للموضوع من وجهة نظر أخرى، نقول إن تجربة الوحدويين تمتلك خصائص فريدة، ملامح تظهر نفسها بطريقة ما كأنها مختلفة عن الأخرى التي تسبب في إيمان معظم الناس في عالم مستقل حقيقي. أليست هذه الخصائص الفريدة تعطي دليلاً قوياً أن تجارب الوحدويين أكثر سمواً؟ أو هل هي ربما تبرهن فقط على أن هذه التجارب مختلفة؟
ويستنتجون من ذلك:
على وجه الإجمال، إنه أمر جائر أن نستبعد طريقة واحدة بأكملها من الخبرات بسبب أنها بكل بساطة تختلف عن مجموعة كاملة من الخبرات. هذا ينطبق على الإيجابيين المنطقيين عندما يختصرون العوالم اللاهوتية، والأخلاقية أو الباطنية. لكن هذا يمكن أيضاً أن ينطبق بشكل مماثل على الوحدويين الذين يرفضون الخبرات الحسية على أساس خبرة باطنية مدَّعاة أكبر. والوحدوي الباطني يجري نحو مصاعب أخرى. كيف يمكن للإنسان أن يدافع عن خبرة أعلى مدَّعاة عندما يشرح هذا الوحدوي تلك التجربة ويقول بأنها ما بعد المنطق واللغة؟ إذا كان في الحقيقة شكلان من التجارب المختلفة، وكل واحدة منهما تشير إلى نتائج ميتافيزيقية مختلفة، سوف يكون استخراج الأصلي عن الوهمي عملية شاقة ذات أشواك وصعوبات بالغة.(Clark, ANA,162)
يجيب كل من كلارك وجسلر على ادِّعاءات الزينية التي تضع عالمين مختلفين من التجارب والخبرات والفكر وكليهما صحيح من خلال تصوراتهم:
إن نظرية «ثنائية الحقيقة» تدعو إلى المزيد من التحديد الأساسي. حيث لا يوجد ارتباط بين مجالي الحقيقة. في هذين المجالين، ما يتم حصره كحقيقة، والقواعد التي تتعامل مع هذه الحقائق، والنظريات التي تنشأ من خلال هذه الحقائق هي جميعًا غير مترابطة. الطريقة العادية للنظر إلى الحياة من الوجهة التصويرية (وكل ما هو علمي، فكري، نظري يتوافق معها) يشمل شبكة متكاملة من الحقيقة. بالإضافة إلى ذلك، يوجد الأسلوب الذي يفوق العادة عن الحق، كاملاً بشكله الخاص من المعرفة والفكر. طبقًا لنظرية ثنائية الحقيقة، نجد أن كلا الحقلين لا يتوافقان، مع ذلك كل منهما صحيح في مجاله...لكن هذه الإجابة لا تحسِّن من صورتها لنا. المنطق يضغط علينا ويدفعنا لأن نتلمس الحقيقة بطريقة موحدة. كلنا نحسّ بحاجتنا إلى وحدة الحقيقة بشكل قوي لدرجة أن فكرة تواجد حقيقتين لا تصلح سوى كقياس مؤقت. لكن في التحليل النهائي، يعترف معظم الباطنيين أن مجال واحد من الحقيقة ليس هو الحقيقي بالرغم من كل شيء. إنه حق من خلال تصور معين، تصوُّر هو مزيف في مجمله. بالرغم من تشويههم لسمعة المنطق، حتى الباطنيين يتعاملون بقسوة مع النتيجة التي لا مندوحة منها وهي أن الحقيقة يجب أن تتوحد، الحقيقة لا يمكن لها أن تناقض نفسها ثم تظل صحيحة.(Clark,ANA,164-165)
أحد الأمثلة الكثيرة التي توضِّح أفضلية الحقيقة الواحدة يمكن أن نجدها في عبارة عقائدية نطق بها المعلق الزيني روبرت باول: «يمكن أن نبين أن كل التفكير الثنائي يقود إلى الوهم، الطرق التقليدية لوصف الحقيقة هي "مايا"(غير حقيقية)، والخلاصة المنطقية لمثل هذا المبحث هو باطل كلية. هذا المدخل النظري يقودنا إلى نفس النهاية التي انتهى إليها سينيافادا الخاصة بنجارجونا، كما هو حال كل المداخل النظرية الحقيقية». هل لاحظت مدى اعتماد هذا المفكر الشرقي على منطق (إما/أو) عندما نطق بهذه الجملة الأخيرة؟
يجادل كل من كلارك وجسلر بأن على الباطنية أن تعترف في النهاية بنوع واحد من الخبرة الناتجة من الحقيقة: «النتيجة هي واحدة عندما يؤخذ شكل واحد من الحقيقة وتعتبر التجربة معيارية. وبالرغم أن نظرية «ثنائية الحقيقة» تتيح انفتاحاً عظيماً لتقبل وجهات نظر المعارضين في وجهات النظر، لكن هذا الانفتاح أمر مؤقت. المشاكل التي تثيرها اختزال الحقيقة إلى مجال واحد من التجربة لا تحلَّها نظرية «ثنائية الحقيقة». وفي التحليل النهائي، عندما يضطرون أن يقفوا في مقابل المسائل الحقيقية، يعترف الباطنيون بأن هناك اتجاهاً واحداً من الخبرة يدعم الوهم بينما الآخر يخلق الحق. (Clark,ANA,165)
يشير كل من كلارك وجسلر إلى استحالة تجنب العقلانية كلية:
الالتجاء نحو التجربة الباطنية لتأييد الوحدانية تشمل في داخلها نوع من السخرية. الباطني الوحدوي يرفض الخبرات التجريبية، ويهلل للمعارف الباطنية. هو يأمل بذلك أن يتفادي التشعب اللصيق بالخبرة التجريبية أو يحصل على معرفة فائقة التصور عن اليقينية والوحدة.مع ذلك، فإن السخرية النهائية، هي أن هذا الاتجاه ينجح فقط عندما يتم وضع تحديد منطقي ما بين الخبرة التجريبية المهيأة منطقياً مع الخبرة الباطنية المدعاة التي تتجاوز المنطق. لذلك، الالتجاء إلى الباطنية، بعيداً عن التغلب على المنطق كلية، هو يحتاج إلى تحديد مؤسس منطقيًا إذا كان يراد له النجاح. مرة أخرى، يبدو أنه لا توجد أي طريقة لتفادي العقلانية بشكل كامل. (Clark, ANA,183)
يتقدم كل من كلارك وجسلر بثلاث مجادلات لمناصرة الادِّعاء بأن الخبرات الباطنية مفهومة مثل كل الخبرات الإنسانية. أولا، الخبرة الباطنية ليست (ذاتية- التفسير)، إنها يجب أن تفسّر من خلال وجهات نظر الباطنية ذاتها؛ ثانيا، معظم الباطنيين يدَّعون بتفرد خبراتهم الباطنية، لكن إذا كانت الخبرة لا تسوَّى بالمفاهيم العالمية الخاصة بهم، إذن فالخبرة الباطنية لحقيقة واحدة لن تختلف؛ ثالثا، نحن بطريقة لا مهرب منها نختبر العالم بتعبيرات وتصنيفات فلسفتنا التي تمدنا بها الحياة. ثم يعلِّقون على أن في مسألة اليقينية، الباطنية ليست غير ملطَّخة بشكل متفرد بالخلفيات الفلسفية للخبرات. ربما توجد عوامل أخرى تظهر تفرد التجربة الباطنية. لكن في مسألة مباشرة المعرفة، فإن التجربة الباطنية لا يمكن تقديم الدليل عليها بشكل مختلف عن الأشكال الأخرى من التجارب. (Clark,ANA,168-170)
يستنتج كل من كلارك وجسلر أن التجربة الباطنية لا تمتلك صفات خاصة تميزها عن الأشكال الأخرى من التجارب. ليس لديها يقينية متفردة يمكن أن تتعدَّى المدرك. هي ليست واضحة و(ذاتية - المصداقية) بطريقة لا تحتاج فيها إلى مساندة خارجية. إنها ليست فائقة الوصف بشكل محدد. التجربة الباطنية تختلف فعلاً عن التجارب العادية. لكن الاختلافات ليست كبيرة لدرجة أن تثير الادَّعاءات الباطنية التي تقول إن لديهم مضخة خاصة تصل بهم إلى الحقيقة.(Clark,ANA,183)
3(ب) الواقع ليس وهما
المجادلة التي تقول بأن الواقع ليس وهماً يمكن أن يتم توضيحها بالشكل التالي:
يمكن لك أيضاً أن تظهر لماذا يتواجد الواقع باستخدام قانون التطابق للتعبير عن كلمة وهم. يحدد الوهْم بأنه تصوَّر مضلّل عن الواقع. عندما يقول أحد إن شيئاً ما هو عبارة عن وهْم، يعني هذا الشخص أن الوهْم لا يمثل أو يعبّر عما هو حق. مع ذلك، إذا كانت الحقيقة الموضوعية ضائعة بحيث لا تمدنا بنقيض الوهم، فلن يكون هناك مجال لمعرفة شيء عن هذا الوهم. وبكلمات أخرى، لكي تعلم أنك تحلم، يجب أن يكون لديك فكرة عما يعنيه أن يكون الإنسان مستيقظاً. في هذه الحالة فقط يمكن أن تناقض الحالتين. مماثل لذلك، أنت تعرف ما هو الوهْم لأن لديك فكرة ما عمَّا يعنيه الواقع. إذا كان كل شيء وهمًا، فلا يمكن لك أبداً أن تعرف شيئاً عنه؛ الوهْم المطلق هو أمر مستحيل!.
لذلك، إنه من المنطقي أن نستنتج أنه وهْم أن نؤمن أن الواقع هو وهْم.
لكن ما سبب هذا الوهْم؟ تسمية تفسيرنا عن النفس والآخرين والعالم بأنه وهْم يجلب مشكلة أخرى: كيف نشأ هذا الخطأ الشامل؟ كيف حدث أن يختبر كل إنسان نفسه فعليا،ً وكذلك العالم، وتفاعلاتهم جميعا بشكل خاطئ؟. تذكر أن هذا الوهْم المتخيل المنتشر لا يحتوي بداخله تجربة مفردة أو حتى مجموعة من التجارب مطمورة في تكوين ضروري الصحة أو شكل من أشكال التجارب. هذا الخطأ المنتشر عالمياً يتعلق بعمق بنية وتكوين كل التجارب الحسية نفسها.
مثلاً، يقول الباطنيون إن كل صيغة من الخبرات التي تشمل اللون هي مضللة بشكل ضروري ورئيسي. ويستجيب لذلك كل من كلارك وجسلر بقولهم: هذا ادَّعاء مبالغ فيه. إنه يحمل المدَّعي بعملين محددين: من ينتهجه ليس عليه فقط أن يوضِّح المصدر المختلف عن الحقيقة التي تُستخدم كمعيار والتي بها يحكم على لون كل الأشكال بأنها مضللة، لكن عليه أيضا أن يعطي توضيحاً يبين لماذا يفتقد معظمنا الحقيقة كل الوقت ولماذا يفوتنا جميعاً معظم الحق معظم الوقت؟
هما أيضاً يقدمان إجابة للباطنيين رداً عن السؤال الذي يقول: لماذا تصوراتنا كثيراً ما تكون خاطئة ؟
من جهة، العقول التي تستهل افتراضاً عملية التكلُّس هذه هي ذاتها جزء من هذا الوهْم... لكن إذا كان العقل هو جزء ونتيجة لهذا الوهْم، فإنه لن يسبق الوهْم وبذلك لا يمكن أن يخدم كتفسير له. من جانب آخر، إذا كانت أفكارنا ليست هي أفكار العقل الواهم، افتراضاً هي أفكار الله... لكن هذا يخلق أيضاً مشاكل متعددة.
ونجد سي. أس. لويس في كتابه «المعجزات» يتقدم باعتراضات للاعتقاد القائل بأن أفكارنا هي في الحقيقة أفكار الله، تحديداً لأننا أحياناً ما نخطئ.
سؤالان يمكن أن يوابها الموحد - (الباطنية تنجذب نحو فكرة وحدة الكون كما ذكرنا أعلاه)- الذي يقول إن الواقع هو وهْم. أولا، إذا خدعنا من ضمائرنا عن حقيقة تواجدنا الفردي، كيف نعلم أن التوحيدي هو أيضاً ليس مخدوعاً عندما يدَّعي بأنه يلمس الواقع والحقيقة كوحدة متكاملة؟
ثانياً، إذا كان العالم وهماً حقاً- إذا كنا دائما ما نتصوره باستمرار كأنه حقيقي وهو ليس حقيقياً - إذن كيف يتيسر لنا أن نميز بين الحقيقة والخيال ؟ ويصوغ لاو- تسي السؤال بشكل جيد: إذا كنت وأنا نائم، حلمت أنني فراشة، كيف أعلم عندما أستيقظ أنني لست فراشة أحلم بأنني إنسان؟ هناك مثل آخر يشرح هذه المعضلة: عندما نعبر شارعاً مزدحماً ونري أمامنا ثلاث حارات للمرور في مواجهتنا، هل لن نشعر بالحيرة لأن هذا الذي أمامنا ليس إلا وهماً؟ في الحقيقة، هل علينا حتى أن نشغل فكرنا للنظر نحو السيارات عندما نعبر الطريق، إذا كنا نحن، والمرور، والشارع ليسنا موجودين بالحقيقة ؟ إذا ظل الوحدوي متعايشاً في إطار الوحدانية بشكل دائم، هل سيظل هناك وحدويون متواجدون ؟
عدم كفاية ادِّعاء أن الواقع هو كله شر مماثل للوهم، واضح وبيِّن. إذا كان الشر ليس حقيقياً، فما هو أصل الوهم؟ لماذا اختبره الإنسان وقتاً طويلاً، ولماذا يبدو حقيقياً بالرغم من ادِّعاء الوحدوي العكس، فهو ونحن معه، نختبر الألم، المعاناة، ثم الموت في النهاية. حتى الوحدويون يشعرون بألم شديد عندما يصابون بالتهاب الزائدة الدودية. هم أيضا يقفزون من طريق السيارة القادمة عليهم لكي لا تصدمهم. إذا لم يكن العالم حقيقياً، لماذا إذن، عندما أجلس فوق دبوس ويخترق جلدي، هل لا أحسّ به؟
4(ب) التجارب الباطنية ليست فائقة الوصف (لا يمكن التعبير عنها)
كثيراً ما يفترض الباطنيون أن كلماتهم هي وصفية، مثل نقدهم ودفاعاتهم. لذلك، فإن مفهوم عدم القدرة على توصيفها لا يحقق العمل المنطقي الذي يأمل فيه البعض. هذا المذهب لا يفصِّل الحقيقة الباطنية، بشكل خالص من الأشكال الأخرى من التجارب. الباطنية لا تستطيع أن تمدنا بسجلات متميزة وفريدة من الدلائل التي على أساسها يمكن تجاهل الأشكال الأخرى من التجارب والخبرات وإهمالها.(Clark, ANA,182)
يقترح هنري روزمونت أن المعلم الزيني لا يمكن له أن يدافع عن معتقده. مثلاً، هو يقول إن كل اللغات تشتت الحقيقة، ويتوقع أن أحداً سوف يلتفت بجدية لقوله هذا، حتى ينطق بالكلمات القائلة إنني لا أتكلم صحيحاً الآن، ثم يأمل أن يقنع أحدا بأن جملته كانت جملة صحيحة. (Rosemont,LLZ,134)
يتساءل روزمونت عن ضرورة عدم إمكانية وصف الزينية:
هل هي عبارة ضرورية أن نقول إن اللغة لا يمكن لها أن تنقل ما يمكن أن نعبر عنه بأنه مرئي في الساتوري ؟ أو هل هي كذلك، كحقيقة واقعة، فإن الفكرة التي تقطع بأن الرائي لا يمكن أن يخضع إلى عبارات لفظية يجد أنها مرضية؟ إذا تحددت الساتورية (بالضرورة) بأنها ما وراء اللغة والمنطق حينئذ تكون الكتابة عن هذا الموضوع سوف تكون تحديدا غير قادرة أن تمدنا بأي معلومات عنه. من جانب آخر، المعلقون يرغبون في تعميم التجريب عندما يقولون إن الساتورية هي ما وراء المنطق واللغة، هم مضطرين أن يدلوا بالدلائل التي تؤيد تعميماتهم، وهذا ما لا يستطيعونه. (Rosemont, LLZ,19)
يعلق روزمونت على ادَّعاء عدم إمكانية الوصف بأنها متعسفة:
لا يجب أن نندهش عندما نجد المعلقين الزينيين يصدرون ادَّعاءات تصّر على أن الزينية تتجاوز قدرة الفيلسوف على التدقيق والفحص، وأنها ليست موضوعاً للغة أو المنطق... بمفهوم آخر تعتبر الزينية وراء قدرة اللغة والمنطق؛ لكن تأكيدات المعلقين الزينيين ليست كذلك، لأنها كتبت باللغة الإنجليزية... إنها مشكلة عسيرة، مثلاً: أن تقنع مواطناً زكياً يتكلم الإنجليزية أن يقبل وجهة النظر التي تقول إن الإنجليزية هي لغة مخادعة وناقصة؛ فهو لن يستطيع أن يساريرك في رأيك ليس بسبب أنه يشعر بتفوق أو استعلاء ثقافي، لكن لأنه لن يتوقف عن التعجب، إذا كانت اللغة الإنجليزية معيبة، فكيف كان بمقدرتك أن تصوغها بكل بساطة لتوضح إنها لغة معيبة. إنه ليس ممكناً له أن يهمل إدراكياً كيانه المنطقي بالتمام مهما كانت شدة المجادلة التي سوف تفترضها؛ إلى الحد الذي يحاول فيه معلقي الزينية أن يفعلوا ذلك عالمين أن مصيرهم هو الفشل الكامل. (Rosemant, LLZ,46,56)
هو يؤكد أن محاورات سوزوكي هي حالات من الأسئلة، الأجوبة، والمنطق، والمواضيع، والمبادرات، والنفي واللغة المعتادة. إذا كانت المعتقدات الأساسية للباطنية صحيحة، فإن الدفاع عنها لم يكن بمقدوره عندها أن يذكر الاعتراضات والمجادلات باستخدام اللغة، وإذا كانوا فعلاً يؤمنون بمبادئها، فإنه من المشكوك فيه أن يحاولوا إظهار هذه الاعتراضات والمجادلات.(Rosemant, LLZ,66)
يستنتج روزمونت من ذلك، كل من يجب عليه أن يلجأ إلى مبادئ المنطق واللغة لكي يصل إلى نتيجة مؤداها أن المنطق واللغة هما غير صالحتين أساساً يجب عليه فوراً أن يشك ليس أن الاستنتاج صحيحاً، لكن أنه لا يحمل سوى مجموعة من النتائج السخيفة والعبثية، وبسبب ذلك ليست فقط استنتاجاته مزيفة، لكن على الأقل إحدى مقدماته أيضاً.(Rosemont, LLZ,68) .
5(ب) الخبرات الباطنية ليست ذاتية الصدق
يلاحظ كل من كلارك وجسلر أن الخبرات الباطنية ليست حتى ذاتية التفسير، طالما أنها في حاجة كبيرة لإثبات العكس على الخبرات التي يتم الشعور بها والخبرات الدينية. وبالرغم من ادِّعاءاتهم الأولية، يتصرف الباطنيون مثل اتباع المذهب التجريبي عندما يتناقشون عن خبراتهم. هم، أيضاً، يضعون خبراتهم خلال سياق من وجهات نظر العالم للتفسير والتأكيد. (Clark,ANA,173)
يذكر كل من جسلر وفينبرج أن الباطنية هي شكل من الذاتية فوق العقلية، إذا لم يتواجد شيء خارجيا نستطيع به قياس عكس الخبرات المختلفة، إذن تنشأ هنا مشكلة في شرح كيف أن أي معتقد لنا يمكن أن يكون خاطئاً. نحن نعلم أن الناس لديهم اعتقادات مختلفة، غير متوافقة وحتي غير متوازنة عن العالم. كيف إذن يحدث هذا، إذا كان العارف في اتصال وثيق بالمعرَّف من خلال التجارب ذاتية- التصديق؟
6(ب) الباطنية تنشيء فلسفة غير قابلة للتطبيق
تجد أدناه قصتين توضحان عدم قدرة الفلسفة الزينية أن تتفاعل مع الحقيقة المبنية على قواعد الزينية نفسها. لاحظ النتائج الغريبة والطريقة في القصتين كما ذكرها سوزوكي:
قبل أن أغادر اليابان قرأت في جريدة إنجليزية مقالاً هاماً كتبه رجل روسي وكانت فكرته كالتالي: العالم الموضوعي يمكن أن يتواجد في ذاتيتي؛ العالم الموضوعي لا يتواجد في الحقيقة إلى أن يدخل في مجال خبرة ذاتية أو في نفسي. هذا يشبه تماما مثالية باركلي. في يوم كان هذا الروسي راكباً دراجته واصطدم بلوري؛ كان السائق غاضب جدا لكن الروسي استمر في القول إن العالم ليس سوى ذاتي أنا. وفي مناسبة أخرى عندما كان يفكر بالطريقة العادية، لم يكن هناك اصطدام لكن شيئاً آخر قد حدث واستيقظ لتلك الحقيقة: ليس هناك شيء سوى ذاتيتي للأمور، عندما أختبر ذلك حدث له نوع من الاستنارة، فقال لأحد أصدقائه: «كل شيء هو في كل شيء آخر». هذا يعني أن كل شيء هو كما هو، لكنه لم يقل ذلك؛ هو قال، كل شيء، غرض كل فرد، هو في غرض شخص آخر. لذا فإن هذا العالم الجمعي لا ينكر، لأن كل شيء هو في كل شيء آخر. وهذا واضح تماما. عندما عبَّر عن رأيه هذا لصديقه، لم يفهم هذا الصديق شيئا، لكنه لاحقاً حصل على نفس التجربة. هذا ما نسميه (براجنا)؛ إنه الحكمة فائقة السمو، وعندما نحصل على هذه الإلهامات نصل إلى الزينية، الزينية ليست أكثر من هذا النوع من الإلهام.(Suzuki, AZ,24)
قارن نتائج قصة سوزوكي بالنتائج الواقعية للسيناريو التالي الذي اقترحه مورتمر أدلر الذي رسم لنا (حالة الفصام) التي تنتج من الثقافات الشرقية البعيدة والتي تعزل حقائق العلم والتكنولوجيا وحقائق الإيمان الدينية في حجيرات منطقية محكمة:
كان معلم من الزينية البوذية يعيش في طوكيو، وكان يريد أن يأخذ طائرة خاصة تطير به إلى كيوتو، عندما وصل إلى أرض المطار، عرض أمامه طائرتان، الأولي أسرع لكنها ليست سليمة تماما. وقد أخطره مسئولو المطار أن الطائرة الأسرع قد اعتدت على المباديء الأساسية لميكانيكا الطيران، لكن الطائرة الأبطأ لم يحدث لها هذا. العيوب التكنولوجية للطائرة الأسرع تمثل خطأ جارياً في علم الطبيعة. هذا الأستاذ الزيني كان دائما ما يسأل طلبته أسئلة تتطلب إجاباتها أن تكون نقيض المفروض. لكي يفعلوا ذلك هم يعبرون إلى الحكمة للتعبير عن الواقع، الذي يمتليء بالمتناقضات في جوهره. لكن الأستاذ هذا لم يتردد في التمسك بهذا التعليم عن الحقيقة، وفي نفس الوقت، اختار الطائرة الأبطأ، السليمة من الناحية الميكانيكية والأكثر أمانا لأنها تتوافق مع التكنولوجيا وعلم الطبيعة الذي يصدر أحكاماً صحيحة عن العالم الطبيعي الذي يمقت المتناقضات.
إذا كان هناك حقيقة علمية في التكنولوجيا والطبيعة، إذن فإن وحدة الحقيقة كان يجب عليها أن تعلِّم معلم الزينية أن اختياره للطائرة الأبطأ ولكنها الأكثر أمناً يعني أنه ينكر عقيدته الزينية التي تؤمن بحكمة اتِّباع التناقضات.
إنه لم يفعل هكذا وفضّل أن يظل في حالة فصام في شخصيته، بين حقيقة المعتقد الزيني وحقيقة التكنولوجيا والطبيعة. على أي أساس من التعقل فعل هذا إلا إذا كان بسبب الراحة النفسية المشتقة من الحفاظ على الحقائق غير المتوافقة في حجيرة منطق ضيقة ؟ هل يمكن أن الأستاذ الزيني عنده معنى مختلف للكلمة حقيقة عندما يصرّ على اعتبار أن العقيدة الزينية هي الصواب حتى ولو بدت غير متصالحة مع حقيقة التكنولوجيا والطبيعة عندما اختار الطائرة الأبطأ؟ هل يمكن الإصرار على الاحتفاظ بالتعاليم الزينية لا يشتق من كونها صحيحة وسليمة بالمعنى المنطقي للحقيقة، لكن بالأولى بمفهوم أنه في الصواب الذي يقول إنها نافعة من الناحية النفسية أو العلاجية ؟
ويختتم أدلر بقوله: بكلمات أخرى، الزينية البوذية كدين والذي يؤمن بها هذا الأستاذ الزيني بسبب مزاياها النفسية التي تجلب للمعتنقين لها حالة من السلام والانسجام. وبحكمي الخاص أن وجهة نظر هذا الأستاذ لا تقلل أو تزيل الفصام والمفارقة الحادة التي تكتنف الزينية البوذية. (Adler, TR,72-76)
ويشير هنري روزمونت إلى أربع مشاكل لا يمكن لاتباع الزينية الباطنية أن يتجنبوا مواجهتها:
إذا قبل الانسان ادِّعاءات سوزوكي أن الساتورية تخلو من المحتوى العقلي، فسوف ينتج العديد من المشاكل ويجب علينا فحصها: (1) كيف يعلم الطالب أنه تحصَّل على الخبرة ؟ (2) كيف يكون قادراً على تسميتها؟ ما الذي يحسب كدليل بأن خبرته يمكن أن يطلق عليها« ساتوري»؟ (3) كيف يمكن لأي إنسان أن يعلم، أو يبرر الادِّعاء، أن شخصاً آخر قد حصل على نفس الخبرة؟ (4) كيف يمكن لهذه الخبرة، الخالية من المحتوى العقلاني أن تتحقق من المبدأ الميتافيزيقي (للماهايانا) البوذية، كما يدَّعي سوزوكي بأن هذا يحدث؟(Rosemont, LLZ,18-19)
بالرغم أن المجادلة الخاصة بعدم القدرة على التطبيق لا يمكن أن تنبنى على حالة وحيدة، فإن شهادة الهندوسي- السابق (رابندراناه مهراج) ترسم المعضلة التي تواجه أي إنسان يعتنق الباطنية الشرقية الخاصة بوحدة الوجود:
كانت عقيدتي الدينية مظهرها جميلاً، لكن كان
يواجهني عدد من المعطلات الخطيرة في استخدامها في حياتي
اليومية. لم تكن هي فقط مختصة بحواسي الخمس ضد رؤيتي الداخلية،
ولكنها كانت ذات صلة بالمعقولية أيضا... إذا كان هناك حقيقة
واحدة، فإن (البراهمية) كانت شراً وخيراً في نفس الوقت، والموت
لا يختلف عن الحياة، والحب مساوياً للكراهية. هذا جعل من كل
شيء أمور لا معنى لها، والحياة أمراً سخيفاً... وبدت الأمور
أمامي غير معقولة: لكن كنت دائماً أجد من يذكرني أن العقل لا
يمكن أن نثق به- أنه جزء من الوهم. إذا كان العقل مايا - مثل
«الفيداس» (كتاب هندي مقدس) الذي تعلمت منه، إذن كيف لي أن أثق
بتصوراتي، شاملاً في ذلك الفكرة التي تقول إن الكل كان (مايا)
وأن الحقيقي لم يكن سوى براهمان؟ كيف أثق أن البركات التي أرغب
فيها لم تكن هي أيضا وهما، إذا لم تكن إحدى تصوراتي أو تفكيري
يمكن الوثوق بها؟ (Maharaj, DG,104)
يتقدم نورمان جسلر بهذا السؤال الموجَّه:
عندما نعبر طريقاً مزدحماً ونرى أمامنا ثلاث حارات، أليس علينا حتى
أن نقلق بشأنها لأنها ليست سوى وهم وخيال؟ في الحقيقة، هل علينا
حتى أن ننظر تجاه السيارات عندما نعبر الطريق، إذا كنا، وحركة
المرور، والشارع أيضا ليس لنا وجود؟ إذا كان المؤمنون بوحدة الوجود
يعيشون حياتهم بكل ثبات على قناعاتهم، فهل سيبقى أي واحد منهم؟
(Geisler, WA,102)
يخبرنا فرانسيس شيفر هذه القصة التي تستخدم
كثيراً وتوضِّح عدم إمكانية إنكار الثنائية المنطقية:
في يوم كنت مع مجموعة من الناس في غرفة شاب من جنوب
أفريقيا في جامعة كمبريدج. وضمن آخرين، تواجد شاب هندي من طائفة
السيخ لكنه هندوسي المذهب. ابتدأ هذا الشاب في الحديث بهجوم عنيف
ضد المسيحية، لكنه لم يكن يدري بالمشاكل التي تكتنف اعتقاده. لذا
قلت له، هل أنا لست على صواب عندما أقول إنه طبقاً لنظامك، إن
القسوة مساوية تماما لعدم القسوة، وأنه لا يوجد فرق جوهري بينهما؟
فوافق هو على رأيي. فما كان من الشاب الذي كنا متجمعين في غرفته،
وقد فهم تبعات ما اعترف به الشاب الهندي، إلا أنه أمسك وعاء يغلي
فيه بعض الماء ليصنع الشاي، ووقف به وهو ينفث بخاراً فوق رأس الشاب
الهندي. نظر هذا إلى فوق واستفسر عما يفعله، فقال هذا بكل أعصاب
باردة وبهدوء: ليس هناك فرق ما بين القسوة وعدم القسوة. فما كان من
الشاب الهندي سوى أن يسرع بمغادرة الغرفة.(Schaeffer, CWFS,1:110)
|