(الاعتقاد أن أي معرفة موثوق بها أو مطلقة هي مستحيلة، وأي مظاهر تفوق الطبيعة لا يمكن الحصول عليها بمعرفة أي فرد)
1(أ) مذهب الشك طبقا لرأي نصيره الأول، دافيد هيوم
هناك جزء من الجدل التقليدي الخاص بوجود الله تأسس من واقع استدلالات سببية من ملاحظة التأثيرات. لكن دافيد هيوم المؤيد الأكبر لمذهب الشك قال: إنه طالما أننا لا نلاحظ أبداً بشكل واقعي الخبرة السببية (التي تسبب شيئاً يحدث فعلاً)، فإنه ليس بإمكاننا أن نعرف بكل تأكيد أن هناك سبباً معيناً أو تأثيراً مرتبطاً بالحدث. إن هيوم لم يرفض السببية، لكن فقط قال إنه ليس بإمكاننا أن نستدل منها على شيء. إنه ينكر أن بإمكاننا أن نعرف الحقيقة بواسطة الاستدلال عن سبب ما من تأثيراته.
1(ب) كل المعارف مشتقة إما من الحواس أو تأثيرات فكرية
الخلاصة الشهيرة التي تقتبس من أحد كتابات هيوم تلخص مذهبه الشكي: «عندما نرتاد المكتبات، ونتفاعل مع تلك المبادئ، ما هو مقدار الدمار الذي يجب أن نصنعه؟ إذا أخذنا بين أيدينا مجلد ضخم؛ خاص بأمور دينية أو الميتافيزيقا المدرسية؛ دعنا نسأل، مثلا، هل يحتوي هذا المجلد على أي تبريرات تجريبية تختص بالكمية أو العدد؟ لا. هل يحتوي أي تبريرات اختبارية تختص بمسائل تتكلم عن الحقيقة أو الوجود؟ لا.
إذن فليس فيه أي نفع على الاطلاق، ومكانه هو وسط النيران. لأنه من الممكن أن لا يكون المحتوى سوى مجادلات دائرية لا معنى لها وخيالات. (Hume, ECHU,12.3)
ويقدم لنا هيوم هذه الفكرة الصريحة الخاصة بالمنطق والعلاقات السببية:
كل أنواع الفكر والفهم الإنساني يمكن أن تنقسم إلى نوعين: علاقات فكرية ومسائل تختص بالحقائق. من النوع الأول نجد الحساب، الجبر والرياضيات؛ وباختصار، كل ما هو مؤكد إما بالحدس أو بالوضوح الكامل... المسائل التي من هذه النوعية تكتشف بمجرد تنشيط بعض العمليات الفكرية، وبدون الاعتماد على أي شئ متواجد في الكون.
المسائل المختصة بالحقائق، وهي النوع الثاني من أنواع الفكر الإنساني، لا تتأكد بنفس الطريقة الأولى (العلاقات الفكرية)؛ وليس من دلائل لتوضيح حقيقتها، مهما كانت عظيمة، مثل ما يحدث في النوع الأول. وفيها النقيض الخاص بكل مادة حقيقة ما زال ممكناً؛ لأنها تدل ضمنياً على تناقض.(Hume, ECHU,4.1,)
يقول هيوم إنه أمر لا يقبل الجدل، إن كل آرائنا ليست سوى نسخ من أفكارنا الغامضة، أو بكلمات أخري، إنه مستحيل علينا أن نفكر في أي شيء لم نشعر به سابقاً.
ويلخص لنا جيري جيل تأثيرات مذهب الشك عند هيوم:
يضع هيوم نهاية للآمال العريضة للمنطقيين في القارة الأوروبية والتجريبيين الإنجليز. فالأوائل فتشوا وادعوا بأنهم وجدوا أساساً «إبستمولوجي» (طريقة معرفة شئ ما) لكل المعارف في الاستنتاجات الضرورية التي يمكن الاستدلال عليها من الحقائق ذاتية- البرهان. والآخرون بحثوا وادعوا بأنهم عثروا على نفس الأساس في الاستنتاجات المحتملة المستدلّ عليها من الانطباعات الحسية. اتَّبع هيوم سبيل التجريبيين بتدقيق شديد بالمقارنة بسابقيه، وتجادل في أمور مقنعة لا يستطيع الاستدلال أو الاستقراء أن يقدما أساساً مناسباً للمعرفة. الاستدلال بفروضه ذاتية- البرهان، تحوَّلت لتصبح تحليلية وفارغة من المحتوي الواقعي، بينما الاستقراء ثبت أنه مبنياً على الفروض التي لا يمكن برهنتها، وأن المستقبل مشابه للماضي. لذا ظنَّ هيوم أنه قد استبعد إمكانية تأكيدات الحقيقة الواقعية في الرياضيات، العلوم، والميتافيزيقا.
2(ب) السببية لا يمكن ملاحظتها لكن فقط تصدق على أساس العادات
السببية هي حالة أو موقف تحدث تأثيراً معيناً. إنها تتعامل مع العلاقة ما بين السبب وتأثيراته.
يؤكد هيوم قائلاً: هناك مبدأين لا أستطيع أن أجعلهما متماسكين، ولا في قدرتي أن أتخل عن أي منهما. تحديداً، إن كل تصوراتنا الواضحة هي كيانات واضحة، وأن العقل لا يمكن له أبدا أن يتصور أي علاقة حقيقية بين الكيانات الواضحة.(Hume, THN, Appendex)
ويلخص هيوم لماذا هو يظن أن هناك سبباً معيناً لا يمكن أن يستدل عليه من تأثيراته:
في كلمة واحدة... كل تأثير هو حدث منفصل عن سببه. لذلك، لا يمكن أن يكتشف من خلال سببه، الاكتشاف الأول له أو تصوره، يجب أن يكون مفترضاً. وحتي بعد أن يقترح، فإن ارتباطه مع السبب يجب أن يبدو افتراضياً؛ طالما توجد دائماً تأثيرات أخرى، التي، بالنسبة للعقل، يجب أن تبدو متماسكة تماماً وطبيعية. لذلك، سوف يكون سيئًا لنا أن نتظاهر بتحديد حدث مفرد، أو نستدل على أي سبب أو تأثير، بدون مساعدة الملاحظة والتجربة. (Hume, ECHU,4.1)
يجادل هيوم ويقول إنه باستثناء الخبرة، لا يمكن لنا أن نستدل على صلة ما بين السبب وتأثيره: عندما نتمعن في مسألة معينة ونأخذ في اعتبارنا فقط أي هدف أو سبب، كما تبدو للذهن، مستقلة عن كل الملاحظات، فإنها لا يمكن أن تدلنا على فكرة أو رأي واضح، مثل تأثيراتها. توضّح كثيرا أو قليلا، توضح لنا الارتباط غير المنفصم ولا تنتهك حرمته بينهم.(Hume, ECHU,4.1)
يذكر هيوم بصراحة: لذلك، فإن كل استدلال باستخدام الخبرة، هو تأثير راجع للعادة، وليس مصدره الفكر وإعمال العقل. (Hume, ECHU,5.1)
ويستنتج هيوم أن: لأننا لا يمكن أن نعرف، مثلاً، سبب سقوط صخرة من أعلى، وأيضًا لا يمكن لنا نعرف سبب العالم:
بينما لا يمكن لنا أن نقدم تفسيراً مرضياً، لماذا نؤمن ونعتقد، بعد ألف تجربة، بأن هناك حجراً سيقع، أو حريقاً سوف يشتعل؛ هل في الإمكان أبداً أن نرضي أنفسنا فيما يختص بأي تحديد يمكن أن نتصوره عن الأساس الأول للعوالم، وأحوال الطبيعة، من الآن وإلى الأبد؟ ... يبدو لي، أن الهدف الوحيد للعلوم المجردة هي التي تختص بقياس الكميات والعدد، وأن كل محاولة لمد مجال هذه النوعية من المعارف إلى أبعد من حدودها، فإن هذه الحدود ليست سوى سفسطائية وخيالات.
ويلخِّص رافي زاكارياس ما قاله هيوم في هذه النقطة: إذن، فمبدأ السببية طبقًا لهيوم، ليس سوى ربط ما بين تأثيرات متتالية. فمن خلال العادة والعرف نتوقع أن يحدث هذا التتابع؛ ولكن في عالم الواقع لا يوجد ارتباطات ضرورية. وبالاختصار، لا شئ يسمح وحتى العلوم ذاتها أن تشكِّل قوانين كونية ضرورية للسببية. (Zachanias, CMLWG,199)
3(ب) كبسولة توضح مذهب الشك عند هيوم
تساءل هيوم ووضع موضع الشك كل ادِّعاءات المعرفة في كل النظم، مثل العلوم، الرياضيات، الخ. إنه سمح للاعتقادات المبنية على الاحتمالات، التي تفوق خبراتنا. كان موقفه مستميتاً ضد أي افتراضات مسبقة تخصّ وحدة الطبيعة. ولأننا نلاحظ وحدة الطبيعة لا تكفل الاعتقاد بأنها لا تزال متوحدة. إنه يستمر في مجادلاته القائلة بأن الاستقراء ليس وسيلة سليمة للفكر، لكنه ليس سوى عادة نتوقع بها الحصول على نفس النتائج بناء على وحدة الخبرة. لذلك، فإن هيوم عُرف عنه أنه رائد مذهب الشك.
2(أ) الـــــرد
1(ب) مذهب الشك ذاتي الهدم: هل علينا أن نكون متشككين في شأن لمذهب الشك ؟
القديس أوغسطينوس تعرَّف على خاصية ذاتية- الهدم لمذهب الشك قبل ألف عام، قبل أن يتقدم هيوم بشكوكه فقد قال:« كل من يشك يعلم أنه يشك. وهو على وعي كامل بهذه الحقيقة على الأقل، وتحديداً أنه يشك. لذلك فإن كل من يشك سواء كان ما يشك فيه حقيقة، يعلم على الأقل حقيقة واحدة، لذلك فإن قدرته على الشك سوف تقنعه أن هناك شيئاً ما يسمى الحقيقة». (Augustine, TR,39,37)
ويعيد جوردون كلارك نفس الفكرة ولكن بتعبيرات مختلفة إذ يقول: الشك هو عبارة عن موقف يعني أنه ليس هناك شئ يمكن أن نقدم الدليل عنه. لكن كيف، هذا ما نتساءل عنه، يمكنك أن توضّح أن لا شئ يمكن تقديم الدليل عنه؟ المتشكك يؤكد أن لا شك يمكن أن يُعرف. وفي تعجله قال إن الحقيقة مستحيلة. لكن هل الحقيقة فعلا مستحيلة ؟ لأنه، إذا لم تكن أي مسألة صحيحة، فإن الأمر يعني، تحديداً، أن لا مسألة حقيقية. وإذا كانت الحقيقة مستحيلة، فإنه بالتالي، يتبع ذلك أننا في الواقع قد تحصَّلنا عليها قبلاً. (Clark, CVMT,30)
ويقدم نورمان جيسلر هذا الانتقاد لمذهب الشك:
محاولات التشكيكيين الشاملة لتعليق وعدم إصدار أي حكم بشأن الحقيقة هي محاولة ذاتية - الهدم. طالما إنها تتضمن حكماً يختص بالحقيقة. وبأي سبيل آخر يمكن للفرد أن يعرف أن تعليق كل حكم عن الحقيقة هو المسلك الحكيم، إلا إذا عرف فعلا أن الحقيقة لا يمكن التعرُّف عليها ؟ التشكيكية تتضمن اللا أدرية و(طالما أنها تعلق على الحقيقة) فإن اللاأدرية تتضمن بعض المعرفة عن الحقيقة. التشكيكية غير المحدودة والتي تتطلب تعليق كل حكم عن الحقيقة تتضمن حكماً واضحًا عن معرفية الحقيقة. لما هي محاولات تثبيط كل الحقائق، إلا إذا علم الإنسان مقدما أنها بلا جدوى؟ وكيف يكون الفرد على وعي بهذه المعلومات المسبقة إلا إذا كان على علم ومعرفة بشيء من الحقيقة؟. (Geisler, CA,22)
الأستاذ جيسلر يضع تحديداً ما بين الشك الجزئي (وهو يمكن أن يكون صحياً) والشك الكامل: «الشك الكامل ذاتي- التدمير. نفس التأكيد الجازم أن الحقيقة غير معروفة هي في ذاتها تقدم لنا تأكيداً للحقيقة كجملة حقيقية تحمل في طياتها أنه لا يمكن تقديم جملة حقيقية تجزئ ذاتها».(Geisler, CA,133-34)
يشير سكوت ماكدونلد أن حقيقة معارفنا عن المبادئ الأولية تبطل التشكيكية: تعرفنا المباشر على الحقائق الضرورية لبعض المسائل العاجلة تكون مرجعاً لا نقض فيه إلى هذه الحقائق، ولذلك فبالنسبة لتلك المسائل وما يشتق منها عن طريق الإظهار، يثبت أن مذهب الشك باطل. ( kretzmann,CCA,187)
القديس أوغسطينوس في أطروحته الخاصة بالرد على المعلمين، يستخدم بعض المعلومات الخاصة بالمبادئ الأولية ليبطل فروض متشككي زمانه. ويلخِّص فريدريك كوبلستون أفكار أوغسطينوس بهذا الشكل: إني متأكد تماماً من مبدأ عدم التناقض. (Copleston,HP,53)
ويوضح اللاهوتي الكاثوليكي ج. دوجان الورطة التي وقعت فيها التشكيكية: من جهة يتمسك المتشكك بأنه لا توجد حقيقة مؤكدة. ومن جهة أخرى لا يمكن له أن يتقدم بجملة بدون الاعتراف بأن مبدأ عدم التناقض هو صحيح وحقيقي. وطبقاً لهذا المبدأ، فإن التواجد وعدم التواجد ليسا متطابقين. إذا رفض هذا المبدأ، فإن ما يكون ولا يكون في أي جملة ينطق بها هي قابلة للتبادل. وواضح أنه بالنسبة لتلك التعبيرات يصبح الفكر والخطاب مستحيلاً. (Duggan, BRD,65)
ويذكر مورتمر أدلر نفس النقطة: مبدأ عدم التناقض يمدنا ببطلان كامل لأفكار المتشكك التي تعلن أنه ليس هناك جملة ما يمكن أن تكون صحيحة أو باطلة. لأنه إذا كان إعلان المتشكك صحيحاً، لذا يتواجد على الأقل جملة واحدة هي حقيقية أكثر من كونها باطلة. وإذا كانت باطلة، لذا ربما توجد جملا عديدة إما أن تكون صحيحة بالكامل أو باطلة، وإذا لم تكن صحيحة أو باطلة، لذا لما نهتم بما يقوله المتشكك؟(Adler, TR, 133-34)
ويقترح أدلر بأن الإدراك السليم يبطل أفكار أتباع مذهب الشك:
الأفكار التي تصدر من الإدراك السليم نحتضنها جميعا عندما نرفض الموقف ذاتي- الانتقاض وذاتي البطلان للمتشكك الكامل، ونقول إنها ليست فقط غير معقولة، لكن أيضا ليست عملية. وبالكاد تتلامس مع مظهر من مظاهر حياتنا اليومية وسوف تظل كما هي إذا نحن اعتمدنا بدلا من أن نرفض أفكار ومواقف اتباع مذهب الشك الكلي. نحن ملتزمون تماما بالرأي الذي يقول بأن الحقيقة والخطأ يمكن أن نتأكد منها، بدرجات مختلفة من اليقين، نستطيع أيضا بطريقة ما أن نميز ما بين هو حقيقة وما هو مزيف. تقريبا كل ما نصنعه أو نتكل عليه يتأسس على هذا الاعتقاد.(Adler, SGL,35)
ويلخص رافي زاكارياس، الطرح الذي يقدمه هيوم بأن أي حكم على الواقع مشكوك فيه هو ذاتي- الهدم لأن هذه الدعوة لتعليق الحكم هي في حد ذاتها حكم يختصّ بالحقيقة.(Zachatias, CMLWG,200)
ويحذرنا كولين براون من عبارات هيوم الصريحة: يوحي لنا هيوم بمواقفه ذات المظهر البريء عندما يتقدم بتعريفه القائل، الطبيعة أقوى بكثير بالمقارنة بالمبادئ. وبالنسبة لتقييم ذلك فإن علينا أن نحذر كل من بنائي- النظم ومدمري النظام بأن يكونوا في منتهى الاطمئنان من تأكيداتهم الجازمة أو من رفضهم الكلي. لكن ملاحظة هيوم هذه هي دعوة صريحة تقول إن ادِّعاءه (مهما كانت درجة صعوبته) هو الوحيد السليم. في الحقيقة، فإن تشكُّك هيوم هو تشكّك ينصبّ على كل نقطة جوهرية. (Brown, PCF,71)
ويحذر أيضا رولاند ناش بانه عندما نجد شخصًا يقول إن لا أحد يمكن أن يعرف شيئاً، فإنه من الطبيعي أن نتعجب ما إذا ( أو كيف ) علم المتشكك ذلك.(Nash, WVC,84)
ويشير ج. دوجان إلى مظهر آخر للطبيعة الانهزامية للدعوة التشكيكية: الرأي التشكيكي الذي يقول إن الحواس الخارجية ليست موثوق بها. يمكن الاهتمام به إذا وضع الإنسان في حسبانه أن الحواس الخارجية ليست قَوي معرفية لكن لها مهاماً أخرى. لأنه إذا اعتبر الفرد أن الحواس الخارجية من وسائط الحصول على المعارف، فإن على المرء أن يتمسك بالقول إنها موثوقاً بها على طول الخط. إذا كان غير موثوق بها، فإنها لن تكون وسائط للمعارف، طالما إنها لن تقدم لنا معارف معتمدة؛ والمعارف غير المعتمدة ليست معارف. (Duggan, BRD,65)
ويتقدم مورتمر أدلر بورطة أخرى تشمل أتباع مذهب الشك:
في إنكار أنه «لا توجد حقيقة أو زيف كامل»، فإن المتشكك الصرف يجب في النهاية إما أن ينكر أن الواقع المستقل يتواجد أو ينكر أن شكل محدداً يستطيع فكرنا أن يتواصل أو لا يتواصل معه. يجب أن يكون واضحاً فوراً معه ، عند انتهاج هذا المسلك المتطرف، فإن المتشكك يناقض نفسه. بدون أن يدعو أن هناك حقيقة في تأكيداته أنه لا يوجد واقع مستقل أو أن له سلوك محدد، فإن موقفه سوف يتهدد ويختفي؛ وإذا ادَّعى أن إنكاره حقيقي، فإنه يجب أن يفعل ذلك على أساس أنه سوف يلتزم في النهاية بتحديد ماهية الحقيقة. (Alder,SGL,213)
(2ب) العبارة التي تقول: «كل المعرفة مشتقة من خلال الحواس والتأثيرات الفكرية» ليست مشتقة من أيهما
ويذكر رافي زاكارياس أيضاً: اعتقاد هيوم أنه لكي نكون متمسكين بالمعنى، فإن كل العبارات يجب إما أن تكون تتصل مع الأفكار، مثلاً، رياضية أو كمية، أو أنها يجب أن تكون ذات منطق تجريبي وتكون مبنية على التساؤل والبحث عن الحقائق، ولأنها ليست جميعا مؤسسة على الحقيقة الرياضية أو التجريبية، لذلك، تعريفه للعبارة ذات المعنى، وبأسلوبه اللغوي، لا معنى له. (Zacharias,CMLWG,200)
لاحظ مورتمر أدلر أن هذه العبارة التي نطق بها هيوم، بها خطأان: الأول هو في اعتبار تصوراتنا وتخيلاتنا، قد دعيت خطأ أراء مماثلة في ذلك للأمور العاجلة التي تصدر من ضمائرنا؛ والخطأ الآخر يشتمل على تقليله من قدر الفكر الانساني ليصبح قدرة حسية مجردة، ليست قادرة سوى على التصور والتخيل بواسطة الحواس أو ما يمكن تصوره كنتيجة لتصورات الحواس.. يذكر أدلر المسألة تحديداً، هل لدينا أو ليس لدينا أفكار مجردة (مثلاً: مفاهيم) وكذلك تصورات وخيالات ؟. نحن نجد أن هوبز، باركلي وهيوم يذكرون بكل بساطة أننا لا نحوز ذلك.(Adler, TPM,38,40,)
يوضح أدلر الورطة التي يمكن أن تنتج إذا لم يكن بمقدرتنا تشكيل فكرة مجردة، أو مفهوم عالمي يقبله الجميع لشيء ما مثل: الكلب. لذا هو يقترح هذا الخط من الفكر:
لذلك، نحن مضطرون لأن نسألهم ما إذا كان بالإمكان أن نفهم ما هو مشترك في اثنين أو أكثر من الكيانات؟ (مثلاً، صنف الكلاب يمكن أن يطلق على النوع المسمي البول دوج ونوع اللولو) أو أن نتفهم المعايير التي نتخذها لنقول إن الاثنين من نوع واحد.
إذا كانت إجابتهم عن هذا السؤال هو بالنفي، فهم مرة أخرى قد اقتطعوا تفسيراتهم للمعنى للأسماء العامة إلى عنصرين أو أكثر بدون اهتمام (مثلاً، بالنسبة لبعض النقاط التي لا يهتمون بها ). إذا لم يكن بإمكاننا أن نتفهم ما إذا كان عنصران أو أكثر هما صنف واحد فإنه لا يمكن لنا أن نستخدم واحداً من هذه العناصر ونستخدم نفس الاسم للعنصر الآخر بدون اهتمام.
البديل الوحيد المتروك لهم هو إجابة تأكيدية للسؤال: هل يمكن لنا أن نتفهم ما هو سائد لشكلين أو أكثر من الكيانات، أو نتفهم بأنهم من نفس النوع ؟
إذا أعطونا إجابة إثباتية، لأنه ليس عليهم سوى أن يعطوها أو يعترفوا بأنه ليس لديهم تفسيراً يقدمونه، حينئذ يكون إعطاء هذه الإجابة مساو لبطلان موقفهم الأصلي. (Adler, TPM,44,45)
3(ب) المذهب الذري التجريبي الراديكالي هو ذاتي- التدمير وهو يشتمل على الوحدة والارتباط
نتيجة تشكك هيوم في السببية فهذا يعني أنه لا توجد أحداث مترابطة مع بعضها. وهذا هو المذهب التجريبي الذري الراديكالي (الاعتقاد بأن الكون يتكون من حقائق طليقة غير مترابطة ودقيقة). (Geisler, Feinberg, IP,430)
ويناقش نورمان جيسلر هذا الموضوع:
مذهب هيوم الذري التجريبي الراديكالي الذي يقضي بأن كل الأحداث مستقلة تماماً ومنفصلة، وحتي النفس ذاتها ليست إلا مجموعة غير مرتبطة من التعبيرات الحسية فهذا أمر غير معقول. إذا كان كل شئ غير مترابط فلن تكون هناك وسيلة حتى للنطق بهذه الجملة بالذات. طالما توجد هناك وحدة وارتباط فإنها تتضمن داخلها دحض لمقولة أن كل شئ غير مرتبط أو متصل. وأكثر من ذلك، أن تؤكد أنني لست سوى مجموعة التأثيرات في داخلي هي عبارة ذاتية - الهدم. لأنه يتواجد دائماً تلك الوحدة المفترضة لـ«أنا» (النفس) تحقق هذا التأكيد. لكن لا يمكن للفرد أن يفترض وحدة النفس لكي ينكرها بعد ذلك.(Geisler, CA,22-23)
ويوافق على ذلك رافي زاكارياس: تأكيدات هيوم بأن كل الأحداث هي مستقلة كلية، ومنفصلة وغير مرتبطة أمر غير مؤكد. نفس جملته تتضمن وحدة وارتباط، وغير ذلك فلن توجد طريقة للتأكد من هذه الجملة. وبكلمات أخرى، هو يفترض نفساً موحدة بينما ينكر الوحدة. (Zacharias,CML,WG,200)
4(ب) إنكار السببية هو مبدأ يهدم نفسه
لنزيد توضيح موقف هيوم:
إن هيوم لم يرفض أبداً مبدأ السببية. لقد اعترف بأنه سوف يكون الأمر سخيفاً إذا تمسكنا بأن الأشياء تقوم وتحدث بدون أسباب. ما حاول أن ينكره هو تواجد طريقة فلسفية لتكوين مبدأ السببية. إذا كان مبدأ السببية ليس سوى مجرد علاقة تحليلية من الآراء، فهو اعتقاد مؤسس على ارتباط اعتيادي لأحداث روتينية، لذا فليس هناك ضرورة له ولا يمكن للفرد أن يستخدمه بتبريرات فلسفية. لكن رأينا سابقا أن تقسيم كل العبارات إلى هذين الدرجتين هو تصور يهدم نفسه. لذلك، من الممكن أن يكون مبدأ السببية وافيا وضروريا. في الحقيقة، نفس إنكار الضرورة السببية تتضمن نوعاً من الضرورة السببية في الإنكار.لأنه بدون أساس ضروري ( أو سبب) للإنكار، فإن الإنكار لن يصمد. وإذا تواجد أساس ضروري أو سبب للإنكار، إذن فالإنكار ذاتي- الهدم؛ لأنه في هذا الحدث يستخدم ارتباط سببي ضروري لإنكار أن هناك ارتباط سببي ضروري.(Geisler, CA, 24-25)
إن تحديد مبدأ السببية في داخل ميدان المنطق هو أيضا ذاتي- الهدم:
بعض النقِّاد يصرِّون على أن مبدأ السببية ينتمي إلى عالم المنطق فقط لكنه لا ينطبق على الواقع. وهذا تصور ذاتي- الهدم. لا يمكن للإنسان أن يؤكد بإصرار أن قوانين الفكر لا يمكن تأكيدها بالنظر إلى الواقع. إنه شئ غير متماسك لأن نفكر عن الواقع وفي نفس الوقت لا يمكن التفكير فيه. طالما أن مبدأ السببية هو مبدأ رئيسي من المنطق، لذا يجب أن يطبَّق على الواقع. وإلا، ينتهي الفرد إلى موقف ذاتي- الهدم بأن ما يعرف عن الواقع لا يمكن أن يعرف.(Geisler, BECA,122)
ويلخص سي. أس. لويس: «إن النظرية التي بإمكانها أن تشرح كل شئ في كل الكون لكنها تجعل الأمور مستحيلة لأن نصدق أن تفكيرنا هو صحيح، سوف تصبح بلا معني كلية. لأن هذه النظرية بالذات سوف يتمّ التوصل إليها بواسطة التفكير، وإذا لم يكن التفكير سليماً، فبالطبع سوف تكون هذه النظرية كذلك. سوف تدمر مصداقيتها، سوف تكون حجة تثبت أنه لا توجد حجة تدل على عدم تواجد شئ اسمه البراهين- وهذا كله كلام فارغ». (Lewis,M,14-15)
يسجل بول كاروس الصلة القائمة بين المنطقي
والعلمي: «مع كلِ، فإن اعتقادنا في السببية، بالرغم من إنكار
هيوم، يستقر في النهاية على المبدأ المنطقي وهو أن
(أ)=(أ). وامتداد هذا المبدأ إلى حالة من التتابعات
المنطقية.(Carus, Ekpn Kant, PEM,201)
يميز جيمس ب. سوليفان بين فكرة السبب، ومبدأ
السببية: " نحصل على فكرة السبب من إجراء مقارنة ما بين الشكل
الذهني لشئ ما مع شئ آخر، وأيضاً باكتشاف بالاستقراء أن شيئاً ما
يؤثر في آخر أو ينتج شيئاً آخر بنشاطه وعمله. مبدأ السببية لا نحصل
عليه من استقراء الخبرات، لكن بتحليل الفكرة العامة لكيان
عارض.(Sullivan, EFPTB,124)
5(ب) خلاصة
بينما لا يمكن اعتبار مذهب الشك كنظرية من نظريات علم المعرفة، فإن
له قيمة. إنه يمثل أحد التيارات المتطرفة في ركاب الإبستمولوچيا،
وهو يدعو إلى أن أي نظر للمعرفة، يجب أن يكون مبنياً على دلائل
دقيقة وأن يكون خالياً من التناقض والغرابة. (Geisler, IP,100)
|